الورقة «6»: الأردن بنكهة العمل السري

سهرت وحدي مع «النص» هذه المرة وبقصد مبيت وتحت إلحاح يقول: أريد أن أفهم وينبغي أن أفهم.
انطباعي الأول والسريع يقول: الملك عبدالله الثاني وفي ورقته النقاشية السادسة يتحدث تماما وبلغة حازمة وحاسمة بتلك المضامين التي كنا نطرحها أيام» العمل السري» قبل التحول الديمقراطي عام 1989.
ببساطة وبصراحة أسأل: ما الذي يريده مواطن صالح يؤمن بالرأي الآخر والديمقراطية أفضل من رأس هرم دولته يقول له : ناقش ما أقوله وما أعرضه عليك؟.
ليست بكل حال المرة الأولى التي يطالب فيها الملك المواطنين بالتعبير عن رأيهم وبكل عبارات صريحة.
ونحسب في عدة مرات بان الأجهزة والحكومات والإدارات السفلى في الهرم بالرغم من ذلك حاسبت او عاتبت وفي بعض الأحيان ضايقت وأعتقلت من «يناقش» وضاق صدرها في الوقت الذي يتسع فيه الصدر الملكي.
جرأة الملك الأردني في التشخيص الوطني لا يمكن مجاراتها..المفارقة بالمقابل أن جرأة الحلقات الوسيطة في القرار والحكم وتلك التنفيذية في العمل المعاكس لاتجاهات القصر والرؤية الملكية لم يعد من الممكن إخفاؤها.
تلك دوما من مفارقات الحالة الأردنية الغامضة التي تحتاج لتفسير.
الأهم دعوني أدقق فيما حصل في اليوم التالي لإعلان الورقة النقاشية الملكية السادسة وبصورة جريئة جدا.
الورقة تقول وبكل اللغات للأردنيين «ناقشوا وقولوا رأيكم»… في اليوم التالي تلي نص الورقة عشرات المرات على شاشات التلفزيون الرسمي دون استضافة اي معلق موضوعي من أصحاب الرأي الآخر أو من اولئك الذين يمكنهم إسكات كل دعاة الطاقة السلبية والنقد غير البناء من الطراز الذي يستطيع الإجابة على السؤال التالي: تنفيذيا وبعد النقاش كيف نستطيع حماية النص الملكي المهم والوطني والسهر على إنفاذه؟.
ما حصل ايضا في اليوم التالي أكثر إثارة: رؤساء تحرير الصحف الحكومية والرسمية الصالحون للعمل كحراس مرمى فقط بدأوا حملة شعواء بالضغط على كتابهم للتصفيق لنص الورقة الملكية السادسة.
سألت نحو ستة من «كتبة السيستم» في الإعلام الرسمي عن تعليمات رؤساء التحرير، الإجابة ليست سرا وكانت متوقعة فقد أعلن القوم حالة الطوارئ والتوجيهات كانت فقط تتعلق بالترويج للخطاب الملكي الجديد والإشادة به مع أن الملك لا يحتاج للترويج في الواقع ومع انه طلب من الأردنيين جميعا وبالنص المباشر ان «يناقشوا ورقته».
لم أقرأ إلا مقالا واحدا فقط في اليوم التالي بالصحف اليومية الأربع خارج معلبات وصلات «النفاق» المعتادة ومعلبات الخطاب الكلاسيكي عندما يتعلق الأمر بالنص الملكي.
اقولها بصراحة: على حد فهمي وعلمي لم تطلب ورقة الملك وصلات «تسحيج» من «قادة الرأي العام» بل أمرت بوضوح بنقاش عام وجريء للأفكار التي طرحتها الورقة وهنا يمكنني القول بأن رؤساء التحرير في اغلبهم وبعض المؤسسات التي تدخلت لتضغط على إدارة التلفزيون والصحف اليومية «خالفت» منطوق النص الملكي.
لأن ما قرأناه في اليوم التالي في الصحف الرسمية وشبه الرسمية وما شاهدناه على شاشة تلفزيون الحكومة لم يكن أكثر من إعادة تداول لنص الورقة بدون المضمون المقصود الحقيقي وهو «النقاش» وبدون اقتراح أي أفكار للتطبيق والإجراءات.
ورقة الملك النقاشية السادسة ليست خطابا ملكيا لتكليف حكومة وليست خطابا للعرش وليست بالمعنى الدستوري أمرا أو حتى توجيها لرأس الدولة.
هي أفكار للنقاش لملك عصري يريد من شعبه تعلم النقاش الذي يشمل بالنص ما يقترحه الملك نفسه ومن الملموس بسرعة ان المحيطين بمؤسسة القصر من الموظفين صغارا وكبارا وكذلك اعمدة التدخل الإعلامي السريع المختارون اصلا بمقياس الواسطة والمحسوبية لا يفهمون ذلك أو لا يريدون ان يفهموه لأنه ببساطة لا يناسب هواهم ولا مصالحهم.
هم كما يقول الدكتور عبدالله العكايلة لا يريدون «الإصغاء» جيدا حتى للنص الملكي خوفا من «الاقتناع».
لذلك يكون الأسهل الالتفاف كالعادة على الحيثيات وتقديم الورقة النقاشية المهمة جدا لا بل التاريخية والمفصلية على أساس أنها نصوص لرؤية ملكية مثالية تحتاج فقط لإعادة التلاوة والتكرار وللتصفيق والإشادة التي لا يحتاجها النظام أصلا لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.
ذلك بطبيعة الحال أسهل بكثير من التعب والإرهاق في تنفيذ رؤى النقاش الجدي الوطني المسؤول «كما تريد الورقة» وأسهل من الحديث بنفس المستوى الأخلاقي الرفيع عن كيفية نفاذ ما توصي به الورقة في المسار الإجرائي وعلى مستوى أدوات ورموز الحكم والإدارة.
هي بهذا المعنى محاولة مستجدة لإخراج الورقة النقاشية السادسة عن سياقها لكي تنضم للأوراق الخمس التي سبقتها التي أخفقت الحكومات المتعاقبة أصلا في شرح مضمونها والعمل عليه مع المجتمع.
يمكن هنا استذكار ما قاله الزميل عريب الرنتاوي في إحدى الندوات العامة عن مضامين الأوراق الخمس السابقة التي تشكل برنامج العمل السري للتنظيمات الطلابية قبل نصف قرن.
بالتأكيد تسبق نقاشات الملك الأردني المجتمع نفسه لكنها تسبق ايضا أدوات الحكم الموجودة والتي يعتقد كثيرون بانها مخفقة في التعاطي مع التحديات الكبيرة التي تفرضها سلسلة النصوص العميقة المؤثرة التي وردت في الورقة السادسة.
أولا: لابد والتزاما بالتوجيه الملكي الجديد من طرح الورقة فعلا للنقاش وبطريقة تجمع الأردنيين وتوحدهم لا تفرقهم.
ثانيا: لابد من تجنب حالة التواطؤ البيروقراطي التي ستحيل النص المهم لمجرد خطوة سياسية مصمتة تخاطب فقط المجتمع الدولي حتى لا تنتج إساءات مقصودة للطرح الملكي النبيل.
ثالثا: وقد يكون الأهم على بقية الأطراف في الدولة والإدارة وفي المجتمع القيام بواجبها بعد تفعيل النقاش العام بمضمون الورقة عبر وضع سلسلة توصيات إجرائية تحدد كيفية وسقف وآلية وتقنيات ووسائل الوصول لتمدين الدولة والإدارة ودولة القانون والمؤسسات..هذا واجب الجميع وليس مرجعية القصر فقط.
دون تلك الخطوات الثلاث الأساسية برأيي الشخصي ستحظى الورقة فقط بالرقم «6» وتنضم لأوراق نقاشية لم تناقش في الواقع بالعمق الذي يليق بها بسبب نخبة القرار التنفيذي وخمول الحلقات الوسيطة والاستشارية.
تستحق ورقة الملك السادسة جهدا عميقا يليق بها وها أنا أزعج كثيرين وأجازف بالكثير عندما ارفض التصفيق فقط للورقة والتزم بمضمون التوجيه الملكي الذي تختصره مفردة «ناقشوني».

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

الورقة «6»: الأردن بنكهة العمل السري

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الاردن:

    * الجميع يريد الديموقراطية
    لكن ثقافة احترام وتقبل الرأي
    الآخر غير موجود فما فائدة
    الديموقراطية..؟؟؟
    * خليكم بتحسين ( الخدمات ) للمواطن
    تكلم عن تنظيف الشوارع
    من الزبالة ..
    تكلم عن محاربة الفساد
    وحلحلة ملف البطالة..
    اللهم أصلح الحال والاحوال
    وعليك بالظالمين والفاسدين.
    سلام

  2. يقول نادر - الاردن:

    اعتقد ان بيت القصيد هي الجملة التي وردت في مقالك “حالة التواطؤ البيروقراطي التي ستحيل النص المهم لمجرد خطوة سياسية مصمتة تخاطب فقط المجتمع الدولي”

  3. يقول محمد حسنات:

    بسام، نريد أن نبتسم ،لكن …هل تعيين ديناصورات لإستقلال القضاء،والإصلاحات الدستورية،يصب
    في الإتجاة الصحيح ،لردم الفجوة ،وبناء الثقة ؟!.

إشترك في قائمتنا البريدية