سعى الأوروبيون، من خلال العقوبات التي فرضوها بدفع من الولايات المتحدة، لتأليب الشعب الروسي على السلطة السياسية، لكن المشهد من الداخل الروسي، يبدو متكيّفا مع الضغوط التي يفرضها الغرب. وحتى بعد أن وضع الأوروبيون سقفا لسعر النفط الروسي، لم تتغير المعادلة ضمن هذا الصراع الجيوسياسي والاقتصادي، والنتائج تبدو عكسية، بالنظر إلى التظاهرات والاحتجاجات، التي تندلع في أوروبا رفضا لسياسة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتنديدا بسياسات الحكومات التي يتّهمها المتظاهرون، بصَبّ جُل اهتمامها من أجل دعم بقاء الحرب في أوكرانيا على حساب مطالبهم المعيشيّة الأساسية.
القلق الروسي من توسع الناتو شرقا بدأ مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور روسيا الاتحادية كوريث له. وتعتبر موسكو أنّ أي توسع للناتو شرقا هو بمثابة تهديد لأمنها ومحاولة لتطويقها، وهي مهتمة بشكل أساسي بمنع كييف من أن تصبح حصناً غربيا على الحدود الروسية بانضمامها إلى حلف الناتو. وهذا ما أعرب عنه الرئيس بوتين قبل الحرب بقوله إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يمثل «تهديداً مباشرا للأمن الروسي»، ولا يمكن وقف هذا التهديد إلا عن طريق خوض الحرب، أو تحويل أوكرانيا إلى دولة محايدة أو فاشلة. والاهتمام ذاته عبّر عنه بوريس يلتسين في تصريح له ضمن قمة هلنسكي مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون حين اعتبر، أن توسّع الناتو إلى الشرق هو «خطأ فادح».
الأزمات الأوروبية بدأت فعلا، والثمن الباهظ لحرب أوكرانيا تدفعه فئات واسعة من الشعوب الأوروبية على وجه الخصوص
في المقابل، تبدو الولايات المتحدة عازمة على إخراج روسيا من صفوف القوى العظمى، وقد ربطت سمعتها بنتيجة الصراع كما قدّر ميرشايمر. فإذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، فإن مكانة الولايات المتحدة في العالم ستتعرض لضربة قوية، لذلك بمجرد أن بدأ الجيش الأوكراني في التصدي ومقاومة القوات الروسية خاصة في كييف، غيّرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مسارها، والتزمت بتقديم الدعم لأوكرانيا حتى تحقيق النصر في الحرب. كما سعت إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الروسي، من خلال فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. هم يبحثون عن إضعاف روسيا بشكل أكثر مما حدث مع ألمانيا إثر اتفاقية فيرساي عام 1919، وكل ما يقومون به هو ضمن السعي إلى تقويض قوة موسكو إلى حد لن يسمح لها بإجراء مفاوضات أو القيام بعمل دبلوماسي، لذلك اقترح بايدن خطة لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، باعتباره السبيل الأكثر فعالية لإلحاق تأثير سلبي شديد بإيرادات روسيا النفطية. ومن دون تفكير في العواقب، سار الأوروبيون على خطى المساعي الأمريكية مبتعدين أكثر عن إيجاد استراتيجية طاقة جديدة قابلة للتطبيق. قمة منظمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة، قدمت مفهوما استراتيجيا جديدا يعتمد على مبدأ أساسي: لا دبلوماسية بشأن أوكرانيا، إنها الحرب فقط من أجل إضعاف روسيا. فهل كانوا يفترضون أنه بينما تشرع الولايات المتحدة وحلفاؤها في إضعاف روسيا، ستقف القيادة الروسية تتفرج في هدوء، وستمتنع عن اللجوء إلى الأسلحة المتطورة، أو إلى الرد على العقوبات بسلاح الطاقة والغاز. بوتين يبدو واثقا من أن روسيا ستنتصر في نهاية المطاف على أوكرانيا وداعميها الغربيين، حين صرّح، أوائل شهر يوليو 2022: «نسمع اليوم أنهم يريدون هزيمتنا في ساحة المعركة.. ماذا تستطيع أن تقول؟ دعهم يحاولون فسيتم تحقيق أهداف العملية العسكرية لا شك في ذلك». روسيا لا تمزح في أمنها القومي، فمثلما لم يقف الاتحاد السوفييتي صامتا حيال إنشاء حلف الناتو، وقام بتشكيل تحالف عسكري دولي مع سبع دول شيوعية من أوروبا الشرقية في عام 1955، وبات العالم مقسما حينها بين الناتو، ووارسو. فإنّ وريثته لن تقف مكتوفة الأيدي الآن وهي تحاصر من قبل الأطلسي، بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الواضح اليوم، أنّ الأزمات الأوروبية بدأت فعلا، والثمن الباهظ لحرب أوكرانيا تدفعه فئات واسعة من الشعوب الأوروبية على وجه الخصوص، نتيجة إصرار أمريكا وحلفائها على التصعيد وعدم القبول بحل وسط يسمح بأن تحافظ روسيا على أمنها القومي، الذي يهدده الغرب، وجوهره أن تكون أوكرانيا دولة محايدة خارج حلف الأطلنطي. وكأنّ واشنطن التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه، لم ترد فقط الحرب عبر الوكلاء مع روسيا والصين، بل أرادت أيضا الضرر الشديد بأوروبا وإخضاعها للإرادة الأمريكية بشكل مطلق. فهل تنضم أمريكا إلى القتال، إذا كانت يائسة من تحقيق الفوز في الحرب أو منع أوكرانيا من الخسارة؟ وهل أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية إذا كانت يائسة من الفوز أو تواجه هزيمة وشيكة؟ هي احتمالات قائمة رغم أنّ القومية، كما أكد كلاوزفيتز، تشجع الحروب الحديثة على التصعيد إلى أقصى أشكالها، خاصة عندما تكون المخاطر كبيرة لكلا الطرفين. ولا يعني هذا أن الحروب لا يمكن أن تظل محدودة، لكن القيام بذلك ليس بالأمر السهل، ونظرا للتكاليف الباهظة لحرب نووية بين القوى العظمى، فإن احتمالية حدوثها، حتى لو كانت ضئيلة كما يرى ميرشايمر، يجب أن تجعل الجميع يفكرون طويلا وبجد في المسار الذي قد يتجه إليه هذا الصراع، إذ يخلق هذا الوضع المحفوف بالمخاطر حافزا قويا لإيجاد حل دبلوماسي للحرب. مع أنّه لا توجد تسوية سياسية في الأفق، حيث يلتزم الطرفان بشدة بأهداف الحرب التي تجعل التسوية شبه مستحيلة. كل من موسكو وواشنطن رفعتا طموحهما بشكل كبير، وكلاهما الآن ملتزمان بشدة للفوز في الحرب وتحقيق أهداف سياسية، ونتيجة لذلك، أصبحت لدى كل طرف حوافز قوية لإيجاد طرق لتحقيق الانتصار، والأهم من ذلك تجنب الخسارة. ومن بين كل ما قدمته الولايات المتحدة وأصدقاؤها لأوكرانيا، كانت الأسلحة هي الأهم. فما تم إرساله من طائرات من دون طيار، وأسلحة مضادة للدبابات والطائرات، والذخيرة وغيرها من الإمكانات، ساعد أوكرانيا في إلحاق أضرار بالقوات الروسية حتى مع قيام موسكو بضرب القاعدة الصناعية الأوكرانية. وهذا المسار يزيد في تأجيج الحرب ولا يطفئ نيرانها.
أوروبا تعاني بالفعل على خلفية موجة التضخم غير المسبوقة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وتزايد تكاليف المعيشة، وهي تواجه مزيدا من الإضرابات والاحتجاجات، وسيتعين عليها، عاجلا أم آجلا، تحت ضغط الشارع، العودة إلى شراء الطاقة الروسية الرخيصة، ولا يمكن لدول الاتحاد أن تتحمل عبء الحرب مع روسيا، وفي الوقت ذاته ترتكب خطأ في المواجهة مع الصين، ذلك التهديد الذي تضعه واشنطن في المقام الأول، وهو ربما ما يتفق بشأنه الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء. ولكنه تهديد غير مقنع إلى الآن بالنسبة لعديد من الدول الأوروبية وكثير من دول العالم، خاصة منطقة الشرق الأوسط والدول المنتجة للطاقة، والمتحكمة في سلاسل التوريد والعلاقات التجارية المتبادلة. وكلما احتدم الصراع في أوكرانيا، فإن صداه سيتردَّد في المنطقة باعتبارها أحد ساحات المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى وعنوان الهيمنة والسيطرة على الموارد.
كاتب تونسي
أنتجت آخر حرب عالمية أمر واقع نظام متعدد الأقطاب بتوازن نووي بين عالم حر بقيادة أمريكا وعالم استبداد بقيادة روسيا لكن روسيا توهمت وهن العالم الحر فأطلقت غزو لشرق أوروبا ابتداء من أوكرانيا ثم التحكم بباقي الكوكب لكن فوجئت بصد أوكراني وأوروبي وبالتالي أمريكي وبريطاني سياسي عسكري مالي إنساني وحظرتعامل مالي معها وإستثمار بها واستيراد نفطها وغازها وصادرات تقنية لها ثم انكشف تخلف روسي عسكري ولوجستي بتوازي مع فشل أممي 75% ضدها علناً و 25% ضدها سراً عدا محور الشر إيران وكوريا الشمالية الذي سينهار معها.
بعد طرد روسيا من أوكرانيا يتم تفاوض لتطبيق شروط استسلام بفرض منطقة آمنة داخل حدود روسيا وبيلاروسيا وإلحاق كنيسة روسيا بالكنيسة الأم الأوكرانية وإنشاء حكم انتقالي يعزل نخب أشعلت الحرب ويلغي عقيدة عدوان وتوسع ويسلم مجرمي حرب لمحكمة جنايات دولية ويضع إيراد روسيا من نفط وغاز بصندوق أممي لصرف تعويضات لأوكرانيا أفراد ومؤسسات وإعادة أعمارها ويفكك أجهزة أمن تعادي شعوب روسيا ويحرر معارضين ويتيح حرية تعبير ويعتمد دستور حديث وقوانين تناسب القرن 21 ويجري انتخابات حرة نزيهة برقابة دولية ويمنح استقلال للقوقاز