لندن ـ ‘القدس العربي’ كتب كريستوفر غانيس، المتحدث باسم الأمم المتحدة في مجال الإغاثة تقريرا مؤثرا عن مأساة سكان مخيم اليرموك المحاصرين، ووصف صمت العالم على معاناتهم بالعار. وقدم في تقريره المطول رمزا للمعاناة وصورتها وهو الطفل خالد الذي يؤرخ عمره لعمر الحصار، 14 شهرا ولكن وجهه قبل فتح المخيم أمام المساعدات كان يشبه وجه جنين لم يتجاوز عمره الخمسة أشهر.
وقال غانيس في تقريره الذي نشرته صحيفة ‘أوبزيرفر’ إن ‘المعجم الدلالي للطريقة التي يستهين بها الإنسان بأخيه الإنسان دخلت فيه كلمة جديدة: اليرموك، وهو المخيم الذي يقع على حافة دمشق، والذي كان يوما صاخبا وقلبا نابضا بالحياة للمجتمع الفلسطيني اللاجئ حيث عاش فيه 160 ألف فلسطيني بسلام ووئام مع بقية أطياف المجتمع السوري’.
ولكن المخيم ‘تحول ومنذ ستة أشهر إلى كلمة مرادفة لسوء التغذية التي يعاني منها الأطفال، والنساء اللاتي يمتن أثناء الولادة بسبب نقص العناية الطبية، وأجبر السكان الذين قل عددهم على تناول طعام الحيوانات’.
مضيفا أن ‘كل هذا يحدث في عاصمة دولة هي عضو كامل في الأمم المتحدة. ومن هنا يلخص مخيم اليرموك معاناة المدنيين في الصراع السوري، وكان يجب أن لا يحدث لهم هذا’.
وجه الكارثة
وكما في كل مأساة، فكارثة اليرموك لها وجه إنساني، اسمه خالد وعمره 14 شهرا،إنه طفل الحرب الذي ولد في الوقت الذي بدأ فيه الصراع الذي لا يرحم، فقد دخلته الجماعات المسلحة وهو ما دفع بالقوات الحكومية لمحاصرته، وشاهد خالد هو وعائلته الصغيرة التي علقت في المخيم في حياته القصيرة معاناة أكثر مما يعانيه الواحد منا في حياته كلها’.
ويضيف إن كان ‘خالد يجسد الصراع التراجيدي السوري، فهو يمثل الفرصة التي يجب أن ننتهزها، فقد كان خالد ميتا في هذه اللحظة لولا الجهود التي قام بها الدكتور إبراهيم محمد، الطبيب العامل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والذي عالج الطفل من سوء التغذية الحاد والمعروف طبيا باسم ‘كواشيوكور’ والذي يسببه نقص طويل في البروتين، وظهرت عليه أعراض مرض كساح الأطفال’.
على حافة الموت
ويكتب غانيس عن المرة الأولى التي رآى فيها خالد قائلا ‘عندما شاهدت خالد كان يبدو مثل جنين عمره خمسة أشهر، وكان على حافة الموت، حيث عاش خالد على الماء وبدون طعام مدة شهرين، وعندما سألت والدته نور (29 عاما) عن الحياة في مخيم اليرموك قالت ‘جهنم قد تكون أحسن’ غلينا البهارات في الماء وشربناها، وأكلنا العشب حتى لم يتبق عشب نأكله’.
وكانت نور قد أنجبت خالد في البيت وكانت في البداية قادرة على إرضاعه من حليب ثدييها لكن سوء التغذية أدى لتوقف الحليب، ولم تكن قادرة على شراء حليب الأبقار المهرب لداخل المخيم بسبب غلاء أسعاره، فيما لم يتوفر الحليب الجاف، وظل خالد بدونه، وكان محظوظا فابنة اختها ماتت من الجوع’. وتضيف نور ‘كان كل واحد يتوقع أنه سيموت بسبب الجوع أو القصف، فقد كان الموت في كل مكان، واحدة من جاراتي ماتت أثناء الولادة، والسبب أنه تم استدعاء القابلة في منتصف الولادة للمساعدة في حالة أخرى، وعندما عادت القابلة كانت الجارة قد نزفت حتى الموت’.
ويقول غانيس ‘ هناك الكثير من الحالات مثل خالد ونور ‘الخوالد والأنوار’ في مخيم اليرموك من الذين يقابلهم عمال الإغاثة يوميا في مخيم اليرموك منذ 18 كانون الثاني / يناير ومنذ أن فتحت السلطات السورية أبواب المخيم لقوافل الإغاثة. فبعد فحص بطاقات الهوية يخرجون إلى منطقة معروفة يتمركز فيها القناصة على الجانبين ثم ينضمون إلى طابور طويل للحصول على الطعام’.
طوابير الإنتظار
وفي طوابير الطعام فإن ‘الإنتظار طويل ومتعب، وفي نهاية كل يوم، عندما يحل الظلام وعندما يعود فريق الأمم المتحدة إلى قواعدهم في دمشق، يعود المئات في حالتهم المجهدة الممتلئة باليأس والكرب إلى حياتهم القاسية داخل مخيم اليرموك وبعضهم لم يتمكن الحصول على أي شيء’.
ويتحدث غانيس عن مصاعب توزيع الطعام وكيف أنهم في بعض الأحيان لم يكونوا قادرين على توزيع الكثير منه بسبب القيود’في أحسن الأيام، 30 كانون الثاني / يناير قمنا بتوزيع أكثر من ألف رزمة طعام تحتوي كل واحدة منها مواد غذائية كافية لحوالي أسبوعين. وفي الأيام الصعبة استطعنا توزيع رزم طعام قليلة لا تقل عن 26 رزمة ولا تزيد عن 645 رزمة، فالحرب لا تحترم حاجات السكان’. وكما في كل أعمال الإغاثة في أثناء الحرب فالمكافآت قليلة والإحباطات كثيرة والخطر في كل مكان’.
إحباط ومضايقات
ويشير في هذا السياق إلى واحد من الإحباطات ‘ ففي كانون الثاني / يناير غادرت قافلة مكونة من ست شاحنات محملة بطعام يكفي 6000 شخص ومعها 10 ألاف جرعة من لقاح شلل الأطفال، وكميات أخرى من المواد الطبية، مقرنا الرئيسي في دمشق، وطلب منا استخدام المدخل الجنوبي لليرموك، وكان هذا يعني أن تسير القافلة مدة 20 كيلو متر في منطقة تدور فيها معارك كثيفة، حيث يوجد العديد من الجماعات المسلحة بمن فيها الجهادية’.
والسبب في عدم السماح للأونروا باستخدام الطريق الأكثر أمنا وهو الشمالي كان كما يقول ‘أسباب أمنية’ ‘حيث لم تسمح السلطات السورية للأونروا استخدام البوابة الشمالية لليرموك الواقعة تحت سيطرة الحكومة والتي تعتبر أسهل وأقل خطرا’.
وعندما ‘اقتربت القافلة للمخيم من الجنوب إنضمت إليها قوات الحكومة وساعدتها للوصول إلى آخر نقطة تفتيش خاضعة للجيش السوري، وسمح للقافلة بالمضي لما بعد الحاجز، ووفر الجيش جرافة لتنظيف الطريق من حطام البيوت والأنقاض وغيرها من المعوقات، كل هذا يحدث، تعرضت الجرافة لإطلاق النار وأجبرت على التراجع بدون أي إصابات، وبعد سلسلة من إطلاق النار ومنها بالرشاشات والقنابل التي انفجرت قريبا من قافلتنا، تراجع فريق الأونروا وبدون إصابات بينهم’.
كل هذا لم يثننا عن مهمتنا الإنسانية التي استمرت، و’بعد السماح لنا من دخول اليرموك في 18 كانون الثاني/يناير الماضي استطعنا توزيع أكثر من 6000 رزمة تحتوي على مواد غذائية أساسية وقمنا بتوزيع ألف حقنة من لقاح شلل الأطفال، وهذا ليس كافيا، فنحن بحاجة للكثير، ونريد تأمين دخول مستمر ومتواصل للمخيم، وكل هذا نريده للمدنيين السوريين فهناك أكثر من يرموك في سوريا.
وينهي غانيس بالعودة لخالد ‘بعد أربعة أسابيع، تعافى نتيجة للطعام والدواء، ووجهه الذي لم تكن فيه حياة يحمل الآن ابتسامة، وبطنه ورجليه المتورمة تعافت وكل هذا يعود للجهد الذي قام به محمد. ووزنه الآن وصل لوزن طفل عمره ثمانية أشهر، وينمو بشكل تدريجي وبمساعدة طبية متواصلة، ودائرتنا الصحية واثقة من أنه سيعود لوضعه الصحي الطبيعي. فالطبيعة ستأخذ مجراها، ونأمل وربما بالتغذية وبوضع مستقر أن يحقق خالد إمكانياته الإنسانية. وهذا هو هدفنا الذي نعمل من أجل تحقيقه ومن أجل مخيم اليرموك وما بعده، وعلينا النظر لتعافي خالد وأمه نور كرمز للأمل ورموز عن التزامنا نحو أهل اليرموك وكل المدنيين في سوريا’.
تحد للإنسانية
ويختم بالقول ‘كان مخيم اليرموك بمثابة تحد للإنسانية ولنا جميعا والأونروا تقوم بالتعامل مع هذا التحدي. وعلينا جميعا أن نرتفع لمستوى التحدي، فقد حرم أهل اليرموك والسوريون عامة من الكرامة وبحرمانهم خسرنا نحن كرامتنا.. وربما تأخذ كلمة اليرموك معنى جديدا، وربما عندما تنتهي الحرب قد تتحول كلمة اليرموك من معنى الجوع إلى معنى جديد وهو الرحمة، حيث يتم تجاوز قساوة الحرب بقوة الكرامة الإنسانية’.
صور أخرى
وفي تقرير آخر عن فظائع الحرب السورية وآثارها التي تركتها على السوريين بكل أطيافهم يكتب باتريك كوكبيرن قصة في ‘الاندبندنت’ عن ما حدث في بلدة عدرا التي سيطر عليها المقاتلون من جبهة النصرة قبل شهرين وتحولت البلدة الصناعية التي أنشئ فيها أكبر مصنع للإسمنت قبل أن تسيطر الحكومة على الأجزاء التي دخلها الجهاديون من النصرة. ومع ذلك لا تزال المدينة ساحة حرب يومية بين الحكومة والنصرة.
ويذكر في هذا السياق قصة عائلة علوية قتلها الجهاديون وكانوا عمالا في البلدة حيث يتحدث نصير محلا عن شقيقته ميسون وزوجها نزار وابنيهما كريم وبشر، ويقول نصير إن الكثير من السوريين عاشوا مآس مماثلة، ولكن قلة منهم عرف نهايته الأكيدة مثل ما حدث لشقيقة نصير. ويسرد نصير الذي يعمل في شركة النفط الحكومية تفاصيل مقتل شقيقته التي كانت تعمل في عدرا مع زوجها وكيف عرف عن دخول النصرة للبلدة منها في الصباح الباكر، ونصحها بالخروج وابنيها إلى خارج العمارة لكنها قالت له إنهم أي المقاتلين في كل مكان، وكان آخر ما سمعه وقريب لهم في حلب هو صوت انفجارات بعد دخول المقاتلين للشقة. ولكن للقصة حبكة أخرى فما حدث هو أن شقيقة نصير ميسون وزوجها نزار قررا قتل نفسيهما خشية حدوث شيء أفظع فبعد كل هذا، فهنا حرب يحاول كل طرف التقليل من أهمية مذابحه ويزعم أن ما يقوم به هو انتقام من عملية أسوأ حصلت له.
ففي القصة الحالية الدافع لعملية الإنتحار كما يقول نصير هو خشية الأب والأم من قيام الجهاديين لقتل الإبن الأصغر أمام عيني والديه واغتصاب الأم أمام زوجها وتعذيب الرجل وابنه الأكبر حتى الموت. ويقول كوكبيرن إن الروايات التي جمعها من عدد من الذين هربوا من عدرا ويقيمون الآن في مصنع الإسمنت وعددهم تقريبا خمسة آلاف تقريبا. وقال البعض إن المقاتلين الجهاديين أمروا السكان بالنزول إلى طابق أرضي وبعدها اختاروا ما بين 32-80 للإعدام، وهناك قصص عن إعدام طبيب مسيحي في العيادة المحلية إسمه الدكتور جورج، وعمال مخبز تم رميهم في بيت النار، ومضى مقاتلو جبهة النصرة من بيت لبيت بقائمة أسماء. وعلى العموم فقصص صغيرة كهذه قد تكون وقودا لعمليات انتقامية أكثر، وكم هي عدد هذه القصص في سوريا اليوم.
فمع استمرار الحرب بين النظام والمعارضة من جهة والمعارضة والمعارضة من جهة أخرى، تستمر المعاناة التي يواجهها المدنيون سواء في حمص التي لا يكاد يوافق النظام على إجلاء المحاصرين من البلدة القديمة حتى يعود ويخرق الإتفاق، وفي حلب التي تسود فيها حالة من الجمود على الساحة القتالية وهو جمود متعلق بالمعارك الدائرة بين الفصائل الإسلامية والدولة الإسلامية في العراق والشام.
للتاريخ الجهادي في أفغانستان والشيشان والبوسنة و الصومال سجل حافل وشاهد لهم بالخير و الدفاع عن الأمة الاسلامية والمسلمين ، وما نشر في هذا التقرير من تهويل لاعمال المقاتلين الجهاديين ما هو إلا أمر من أثنين : إما دخول عناصر المخابرات السورية تحت غطاء المجاهدين وأطلقوا لحاهم وباتوا يعوثون في الأرض الفساد والقتل كما فعلوا بالجزائر ، وإما تضليل للقارئ ليسمع ويرى العالم همجية وعدم وعي المجاهدين وأن قتلهم أو تدميرهم بواسطة هجوم أمريكي مفاجئ بات وشيكا .
وهناك سبب قوي هو الرعب الذي أصاب دول الجوار و الدول البعيدة ( الأوروبية والآسيوية وأمريكا و كندا ) من كثرة المجاهدين في سوريا و الخوف من أن تكون وجهتهم التالية هي اسرائيل لتحرير فلسطين . والدليل على ذلك هو السماح لوكالة الأمن القومي الأمريكي باقامة قاعدة له في اسرائيل . بدأ التجييش الآن للحرب الكبري بين المسلمين والصليبين .