اليمن: مشروع الدولة المدنية يتعثّر أمام تصاعد القوة القبلية والنزعات المناطقية إثر تراجع هيبة الدولة

حجم الخط
1

صنعاء ـ ‘القدس العربي’ ـ من خالد الحمادي: أثبتت الأحداث اليومية المتلاحقة في اليمن منذ انهيار نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح أن (حلم) الدولة المدنية الحديثة في اليمن يتعثّر ويتراجع كل يوم مع تراجع قوة الدولة واتساع دائرة ضعفها، في مقابل تصاعد قوة القبيلة وتغوّلها في مجريات الأحداث.
ويواجه ‘مشروع الثورة’ للدولة المدنية الحديثة تحديات كبيرة، لم يكن نظام صالح سوى واحد من حلقاتها العديدة، في حين أن الفوضى السياسية والقوى القبلية والنزعات المناطقية أصبحت تفرض أمرا واقعا جديدا، يعيق كل تقدم نحو السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.
كل يوم يشهد اليمن فيه حدثا جديدا يثخن الجراح في خاصرة الدولة الوليدة، رغم أنها ليست هي الدولة المدنية التي كان يحلم بها شباب الثورة، ولكنها على أقل تقدير تمثل ‘دولة التغيير’ التي جاء بها شباب الثورة االى سدة الحكم.
كل يوم ينفذ فيه المخربون أو رجال القبائل او حاملو النزعات الانفصالية أعمال فوضى أو أعمالا تقطّع في الطرق الرئيسة بين المدن أو أعمال تفجير لأنابيب النفظ والغاز او تفجير لأبراج الكهرباء في أي مكان يشكل تهديدا لسلطة الدولة وإسقاطا لهيبتها، حيث أصبحت الدولة الوليدة غير قادرة على حماية نفسها، ناهيك عن حماية مواطنيها وحماية الخدمات العامة فيها.
صباح أمس تم الاعلان عن قيام عناصر قبلية بتفجير أنبوب النفط الرئيسي في منطقة صرواح في محافظة مأرب وتوقف ضخ النفظ عيره، في الوقت الذي تعيش فيه العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية الأخرى في ظلام دامس بشكل شبه مستمر منذ أكثر من أسبوع إثر قيام عناصر قبلية في محافظة مأرب بتفجير أبراج الكهرباء الرئيسية التي تنقل الطاقة إلى العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى ست مرّات متتالية خلال الأسبوع المنصرم.
وقبل عشرة أيام قام مسلح قبلي من محافظة البيضاء بقتل شابين من محافظة عدن في العاصمة صنعاء لا لشيء إلا لأن الشابين سبقا بسيارتهما سيارات موكب عرس قبلي، وحتى اللحظة لم يتم القبض على الجاني وعجزت الدولة عن إنزال عقوبة القصاص عليه، لأن وراءه قبيلة تحميه.
الخدمات العامة في اليمن، وفي مقدمتها الكهرباء والنفط والانترنت والأمن، أصبحت عرضة للتدمير بطريقة ممنهجة ومنظمة، منذ اندلاع الثورة الشعبية على نظام صالح مطلع العام 2011، وهو ما دفع بالحكومة الجديدة إلى اتهام أطراف موالية لصالح بالوقوف وراء هذه الأعمال التي وصفتها بـ(التخريبية)، ولم تستطع إزاءها الحكومة القيام بأي شيء يسهم في إيقاف هذا العبث بمقدرات البلد وبمواردها القومية.
ولم يعد في اليمن شيئ مستقر، لا النظام السياسي ولا الخدمات العامة ولا الأمن ولا الاقتصاد ولا الحياة العامة، فكل شيء أصبح فيه قابلا للانهيار في اي لحظة، بطلقة مسلح، أو بتخريب ممنهج، والذي أسهم بشكل كبير في إضعاف قوة الدولة وتعزيز قوة القبيلة. ويتزامن ذلك مع تصاعد قوى سياسية مسلحة تطالب إما بانفصال الجنوب أو بالحصول على حكم ذاتي في الشمال، أي في محافظة صعده والمناطق المجاورة لها.
ويشعرالمتابع للأحداث في اليمن أن كل العناصر التي تهدد الأمن والاستقرار وضرب الخدمات العامة تصب جميعها من نبع واحد، ومجتمعة حول هدف واحد، وهو الانقضاض على مكامن القوة في الدولة اليمنية الجديدة.
كانت السلطة الوليدة تعتقد أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل هو السبيل الأفضل والدواء الناجع لمعالجة كل القضايا الملحة ولإزالة كل تبعات سقوط نظام صالح، ولكن بدى مؤتمر الحوار الوطني، الذي بدأ في آذار (مارس) الماضي ومن المقرر أن يستمر حتى نهاية تشرين أول (أكتوبر) المقبل، لم يكن سوى حلقة أخرى من المعوقات التي عثّرت التعجيل بتحقيق التغيير الشامل وولادة الدولة المدنية الحديثة، وفقا لمطالب وطموحات وأحلام شباب الثورة.
ويعيش اليمن حاليا فترة انتقالية، من المقرر أن تنتهي مطلع العام المقبل، كان من المفترض أن يتم إنجاز التحول الديمقراطي خلالها، ابتداء من صياغة دستور جديد، والاستفتاء عليه، وانتهاء بانتخاب رئيس جديد وفقا للدستور الجديد ووفقا للآلية الانتخابية الجديدة التي من المقرر أن تكون نزيهة وشفافة ولكن حتى الآن لم ينجز أي شيء من هذه الخطوات الهامة وتم إشغال الشارع اليمني بمؤتمر الحوار الذي يتوقع الكثير من اليمنيين بأنه لن يخرج بأي نتائج حقيقية تلامس الهم اليمني الكبير، وهو تغيير النظام وتغيير الوضع والدخول في واقع جديد يكفل توفير معيشة أفضل ويقضي على الفساد ويضمن الحقوق والحريات للناس.
أغلب الأحلام الثورية تبخّرت، إثر بقاء الحال على ما هو عليه قبل الثورة، مع التغيّر الطفيف هنا أو هناك، والتي لم يلمس نتائجها المواطن العادي، فالفساد لا زل هو المسيطر، والفلتان الأمني لا زال هو السائد والخدمات العامة تسير بالاتجاه المعاكس، رغم التقدم المحلوظ على الصعيد السياسي، بشأن إزاحة أفراد عائلة صالح من الحكم، ومع ذلك لا زال اليمنيون يحلمون ولم تتوقف آمالهم وطموحاتهم في تحقيق أهداف الثورة الشعبية، وأن دماء الكثير من الضحايا لن تهدر ولن تذهب أدراج الرياح.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أبو حلمي من عدن:

    إلى القدس العربي الغراء: ” عدة مرات نرسل لكم تعليقاتنا حول ما يوصف به الحراك الجنوبي السلمي المطالب بالانفصال، في أن مراسلكم من صنعاء دائما ما يوصف الحراك بالمسلح!! ونعلمكم أن الحراك الجنوبي ليس مسلحا، فإن كان كما يصفه مراسلكم بالمسلح، فعليه بالدليل وليوثق ذلك من أي مصدر إعلامي رسمي أو حتى غير رسمي! إن كان الحراك الجنوبي مسلحا كما يدعي مراسلكم، فلماذا لا نقرأ أو نسمع عن القتلى من جنود الأمن مثلا، بينما العكس هو ما يحدث؟ فلا يمر يوم
    إلا ويستشهد أحد شباب الحراك برصاص الأمن المركزي في مدينة عدن في مسيرة سلمية أو فعالية سلمية، بل واستشهدت العديد من النساء في بيوتهن وهن مرضعات أو في مرحلة نفاس الولادة، بعد اقتحام قوات الأمن لمضاجعهن! أرجو من صحيفتكم الغراء الأخذ بالمعلومات الصحيحة، خصوصا وأن من يمدكم بالخبر هو مراسلكم شخصيا!! نحن نحترم صحيفة “القدس العربي”، ونحب قراءتها كل منتصف ليل، ونرى أن من واجبنا إبلاغكم ما قد يخفى عنكم!!
    أرجو النشر، ولكم منا كل الود

إشترك في قائمتنا البريدية