تطفو على السّطح بين حين وآخر مسألة علاقة اليهود باللغة العربية!
المقصود، اليهود الذين يعيشون في فلسطين.
لم ينجذب اليهود لتعلّم العربية لأسباب كثيرة، في الأساس بسبب حالة العداء ومشاعر الكراهية تجاه أصحاب اللغة، إضافة إلى طريقة تعليمها في المدارس العبرية، التي اهتمت أوّلاً بالفصحى وقواعدها، وهو أمرٌ مثير للملل، خصوصاً أن اللغة الفصيحة لا تصلح للتعامل اليومي مثل إجراء محادثة بسيطة مع سائق سيارة أجرة أو مع تاجر في السوق!
ارتبط تعلّم العربية المحكية بالأعمال الأمنية، وليس في حبِّ المعرفة واللغة بذاته، أي أنّها لغة العدو، ولغة المستعربين الذين يتخفّون لتسهيل مهمة الفتك بالأعداءـ إلا لدى قلائل تعلموها حُبّاً في المعرفة أو لأن ثقافتهم عربية في الأصل، ويعتبرونها لغتهم الأم.
في بحث أجراه أستاذ في جامعة بن غوريون في النقب عام 2019 (د. يونتان مندل) تبيّن أن 2.4% فقط من اليهود قادرون على قراءة نص قصير باللغة العربية، و1.4% فقط قادرون على كتابة رسالة قصيرة من بضع كلمات في العربية، و0.4% قادرون على قراءة كتاب في العربية.
هذا رغم ازدياد أهمية اللغة العربية بالنسبة لليهود، فالعرب موجودون في كل مكان في حياتهم اليومية، كذلك بعد توقيع اتفاقات سلام مع مصر والأردن ثم اتفاقات أوسلو، ثم تطبيع العلاقات مع دول عربية، إضافة إلى انتشارها والاهتمام بها عالمياً أكثر فأكثر، إضافة إلى أن أهم تراث علمي قديم لليهود في الطب والفلك والفلسفة وحتى في اللغة، كتبه علماء يهود باللغة العربية أو بأحرف عبرية، ولكن بكلمات عربية، خلال ما يسمى العصر الذهبي في الأندلس.
سبب آخر ومهم للجفاء مع العربية، هو سيطرة اليهود الأشكناز القادمين من أوروبا الشرقية على قيادة الدّولة إبان تأسيسها، ومن ثم على الحيز الثقافي في وسائل الإعلام والفنون من غناء ومسرح وسينما وغيرها، والتعامل بفوقية مع ثقافة القادمين من بلاد العرب، وإشعارهم بالنقص والتخلّف، والسّخرية من عاداتهم وتقاليدهم وحتى طريقة لفظهم للكلمات العبرية، خصوصاً باللهجات المغربية أو العراقية، وهذه السخرية برزت على المسرح وفي الاحتفالات العامة وبرامج الساتيرا التي لم تلق اعتراضاً على مضامينها العنصرية إلا بتأخير كبير، الأمر الذي جعل اليهود من أصول عربية يشعرون في غربة حتى مع أذواقهم الفنية إلى درجة الخجل من إظهارها، أما من كتبوا الأدب بالعربية من شعر وقصة ورواية، فقد تضاءلت أعدادهم عاماً بعد عام، لعدم الاعتناء بها من قبل دور النشر في ترجمتها ونشرها، إلى أن انتهى ذلك الجيل الذي كتب بالعربية برز منه يهود عراقيون مثل ساسون سوميخ وسمير نقاش وسامي ميخائيل وشمعون بلاص وغيرهم.
كردّة فعل على الحكومات الأشكنازية المتعاملة بفوقية مع الشرقيين، تحوّلت النسبة الأكبر منهم إلى مخزن أصوات لحزب الليكود المعارض لحزب العمل الحاكم.
إلا أن العربية تفرض نفسها في أرض الواقع؛ أوَّلاً، لأن البشر الناطقين بها موجودون في كل مكان، ويشكلون نصف عدد السُّكان بين البحر والنهر.
إضافة إلى هذا فإن وصول وزراء من أصول شرقية إلى موقع القرار في سلك الثقافة، رغم يمينيتهم السّياسية وعنصريتهم، منحوا الموسيقى والفنون الشرقية حيّزاً أوسع في وسائل الإعلام، ولا يمكن للموسيقى الشرقية أن تكون بدون اللغة العربية.
إلى جانب هذا، فهناك من هم مختلفون، وبدأوا بتعلم العربية في سن مبكرة، والعربية الفصيحة بالذات، وواصلوا دراساتهم في اللغة والبحث في أمهات الكتب العربية.
من بين هؤلاء د. شلومو ألون، وهو من مواليد تل أبيب عام 1944، تعلّم العربية في الثانوية، ثم عمل في تدريسها في المدارس الثانوية اليهودية، ثم درّس في الجامعتين العبرية في القدس وتل أبيب لأكثر من ثلاثة عقود، وكانت دراسته للماجستير عن أبي نصر الفارابي، وهو مؤلف لقاموس عبري-عربي وعبري-عربي، وعضو في مجمع اللغة العربية في حيفا، وقبل عام تقريباً صدر له كتاب بحثي بعنوان «لسان العرب لابن منظور ومكانته في المعجمية العربية».
أجرى البحث في اللغة العبرية بإرشاد البروفيسور آرييه ليفين، أستاذ اللغات السّامية، وترجمه إلى العربية الكاتبة والمترجمة أثير الصّفا.
يتألف الكتاب من ثلاثة عشر فصلاً واستنتاجات وغيرها، ويقع في حوالي 450 صفحة من الحجم الكبير، صادر عن مجمع اللغة العربية في حيفا.
يلفت الانتباه أكثر من غيره الجزء الثاني من الفصل الثاني تحت عنوان «والله أعلم».
عبارة «والله أعلم»، مستعملة في لسان العرب 500 مرة، وهي عبارة نستخدمها عادة للإعراب عن معرفتنا المحدودة، ولكنها تحمل دلالات مختلفة في لسان العرب، فقد جاءت العبارة في:
-حالات يمكن تعريفها بأنها مواطن ضعف تقليدية في المعاجم العربية القديمة أو عدم توفّر الكلمة في بيئة ابن منظور اللغوية والاجتماعية والثقافية.
-كلمات وجدت طريقها من الأسلاف دون تفسير دلالي، ومثيرة للشّك.
-الكثير من الكلمات التي وجدت طريقها إلى اللسان عن طريق القياس.
-عدم دراية ابن منظور بلغات أخرى غير العربية الفصيحة واللهجات.
-عدد لا بأس به من الجذور، هو عبارة عن ابتكارات متخيّلة تفتقر إلى الدقة في النقل على سبيل المثال الجذر (سكندر).
-في الحالات التي يخالف فيها ابن منظور مراجعه الرئيسية، يتّخذ عبارة «والله أعلم» كأنه يقول أنا مؤلف ولست قاضياً.
-الله أعلم، كأداة نقدية هدفها إبراز عدم رضا واقتناع حيال بعض المواد التي أوردها في مؤلفه.
من اللافت في أيامنا وما تحمله من شحناء وعداء متفاقم أن يبحث يهودي يعتمر على رأسه القبّعة الدينية، في لسان العرب، فهو بلا شك على دراية وفي علاقة عميقة مع اللغة العربية، وقد سمعته متحدّثاً بعربية فصيحة بطلاقة خلال الاحتفاء بصدور كتابه هذا.
لا أعرف ما هو معتقد شلومو ألون السياسي، وبرأيي أن بحثاً كهذا يحتاج أن تمارسه بشغفٍ وحبٍّ للّغة، الواضح هو أن المؤلف يعي تماماً أهمية وضرورة اللغة العربية في المحيط العربي الذي يعيش فيه، فهو لا يؤلف لجيله فقط، بل لأجيال المستقبل التي ستقرأ تراثَه، سواء كانوا من العرب أو من اليهود الذين سيتعاملون مع اللغة العربية بالضرورة، ليس كلغة أعداء، بل كلغة لأمة عريقة عابرة للقرون والأزمنة.
الأخت رسيلة : ( ومع كونها عبرية أنبياء الله سيدنا إبراهيم، عليه السلام، أبو الأنبياء جميعاً، وسيدنا موسى، ويوسف ).
هذا ليس صحيحًا البتة.فلغة سيدنا إبراهيم هي البابليّة؛ لأنه ولد ونشأ وعاش في العراق القديم قبل رحيله إلى بلاد الشام.كذلك سيدنا يوسف وسيدنا موسى كانت لغتهما اللغة المصريّة القديمة؛ حيث نشأآ في مصر؛ ولم تكن اللغة العبريّة أصلًا موجودة بعد.اللغة العبريّة ظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد بعد عهد النبيين الكريمين داوود وسليمان؛ مجتزأة من اللغة الآراميّة بفلسيطين واللغة البابليّة في العراق بدليل التلمود البابليّ. أما الخط العبريّ فمقتبس من الخط الآشوريّ المربع.