شولتس سيُرشح لولاية ثانية، وسط دعم شخصيات بارزة مثل وزير الدفاع بوريس بيستوريوس. ورغم تدني شعبيته، يبدو شولتس الخيار الوحيد للحزب لتجنب المزيد من الانقسامات والظهور كقيادة موحدة.
برلين ـ «القدس العربي»: تعيش ألمانيا فترة اضطرابات سياسية مع اقتراب الانتخابات العامة المبكرة، بعد انهيار حكومة «إشارة المرور» التي كانت تضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي «SPD « والحزب الديمقراطي الحر «FDP « وحزب الخضر. قرار الإقالة الذي اتخذه المستشار أولاف شولتس تجاه وزير المالية السابق كريستيان ليندنر كان الشرارة التي دفعت نحو انتخابات مبكرة مقررة في شباط/فبراير المقبل.
أزمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي
يحاول الحزب الاشتراكي الديمقراطي احتواء الانقسامات الداخلية الناجمة عن الأزمة، حيث اجتمعت قياداته البارزة، مثل ساسكيا إسكين وماتياس ميرش، إلى جانب وزير العمل هوبرتوس هيل، في محاولة لتوحيد الصفوف. ومع ذلك، فإن الانتقادات التي وجهها شباب الحزب، ووصفهم الوضع بـ«الهراء السياسي» تعكس حالة التوتر والانقسام الحادة التي تهدد استقرار الحزب.
من جانبه، أعلن الزعيم المشارك للحزب لارس كلينجبايل أن شولتس سيُرشح رسميًا لولاية ثانية، وسط دعم واضح من شخصيات بارزة مثل وزير الدفاع بوريس بيستوريوس. ورغم تدني شعبيته، يبدو شولتس الخيار الوحيد للحزب لتجنب المزيد من الانقسامات والظهور كقيادة موحدة.
صعود حزب الخضر
في ظل تراجع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يسعى حزب الخضر للاستفادة من هذا الفراغ السياسي. وتشير استطلاعات الرأي إلى نمو ملحوظ في شعبية الحزب، حيث يقترب من تجاوز الاشتراكي الديمقراطي في التأييد الشعبي.
روبرت هابيك، نائب المستشار الحالي والمرشح المتوقع عن حزب الخضر، يعتمد على استراتيجيات ذكية لتعزيز مكانته. وإعادة ترشيحه لدائرة فلنسبورغ-شليسفيغ تعد خطوة رمزية لتأكيد تواصله مع قضايا محلية، بينما يركز أيضًا على تعزيز القضايا الوطنية الكبرى.
وعلى الرغم من أن حزب الخضر لا يزال بعيدًا عن الحصول على أغلبية برلمانية، فإن هابيك يبدو متفائلًا. وقد صرّح بأن الوقت قد حان للتطلع إلى الأمام، مؤكدًا أنه يمتلك رؤية يمكنها توحيد الناخبين وراءه.
ويخطط روبرت هابيك خلال حملته الانتخابية لتقديم رؤيته وتحليله الشامل للتطورات العالمية وتأثيرها على ألمانيا. سيتناول هابيك نتائج الانتخابات الأمريكية بفوز دونالد ترامب، العلاقات مع الصين، والحربين المستمرتين في أوكرانيا والشرق الأوسط، وما تفرضه هذه القضايا من تحديات على بلد يعتمد اقتصاده بشكل أساسي على التصدير.
ويسعى هابيك أيضًا إلى طرح أفكار جديدة تعكس رؤيته للمستقبل، رغم أن هذه الأفكار تتقاطع في جوانب عدة مع برنامج ائتلاف «إشارة المرور». وقد صرّح قائلًا: «حققنا خطوة كبيرة نحو تحويل الطاقة إلى طاقة نظيفة في هذه الدورة التشريعية، وفي الدورة القادمة سنعمل على جعلها ميسورة التكلفة. علينا أيضًا أن نركز على خفض تكاليف الإيجار وتعزيز بناء مساكن بأسعار معقولة للجميع».
فشل تحالف إشارة المرور
كان انهيار تحالف إشارة المرور نتيجة لخلافات حادة حول تمويل المشاريع الكبرى، وخاصة تلك المتعلقة بحماية المناخ. وأوضح هابيك أن الحكومة واجهت نقصًا في التمويل بعد أن قررت المحكمة الدستورية الاتحادية منع استخدام 60 مليار يورو كانت مخصصة سابقًا لمواجهة جائحة كورونا.
هذه التحديات أدت إلى فقدان الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف لشعبيتها، وجعلت الحكومة تبدو عاجزة عن تحقيق وعودها. هابيك، الذي يشتهر بخطابه الصريح، وصف الوضع بأنه «نتيجة مخيبة للتاريخ».
وفي أول اختبار سياسي له منذ الإعلان عن إجراء انتخابات عامة مبكرة، يريد المستشار الألماني أولاف شولتس دعم الأحزاب الشريكة إقرار حزمة من مشاريع القوانين المهمة قبل موعد الانتخابات المقرر في شباط/فبراير المقبل. من بين تلك القوانين المقترحة، زيادة إعانات الأطفال ورفع الحدود الضريبية، وهي خطوات تهدف إلى تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين في ظل الأزمات المتلاحقة. وأكد شولتس في خطابه أن «الألمان لا ينبغي أن يُجبروا على الاختيار بين الأمن والرفاهية».
يتزامن هذا التحول السياسي مع فترة حرجة لأكبر اقتصاد في أوروبا، الذي يعاني من انكماش اقتصادي للعام الثاني على التوالي. تتضاعف التحديات مع تصاعد المخاوف بشأن الحروب التجارية العالمية، وعودة دونالد ترامب إلى واجهة المشهد السياسي في الولايات المتحدة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي وتأثير ذلك على تنافسية الشركات الألمانية. كما يضيف استمرار الغموض حول الحرب في أوكرانيا مزيدًا من التعقيد إلى المشهد، ليضع الحكومة الألمانية أمام اختبارات صعبة قد تحدد مستقبل البلاد في السنوات المقبلة. فيما تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم المعارضة، بقيادة فريدريش ميرتس من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ما يزيد من الضغط على المستشار وحزبه الاشتراكي الديمقراطي.
تحديات حزب فاغنكنشت
على الجانب الآخر، يظهر حزب «BSW» الذي أسسته سارة فاغنكنشت كلاعب جديد في الساحة السياسية. وقد حقق الحزب نجاحات أولية ملحوظة في ولايات ألمانيا الشرقية، إلا أنه يواجه صعوبات كبيرة على المستوى الوطني.
ويعاني الحزب من نقص الموارد المالية والتنظيمية، بالإضافة إلى انتقادات لتوجهاته السياسية. وعلى الرغم من أن فاغنكنشت تحاول تقديم حزبها كبديل للقوى التقليدية، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبيته ليقترب من حاجز الخمسة بالمئة، وهو ما يهدد مستقبله السياسي.
حزب البديل
تشير التطورات الحالية إلى مرحلة جديدة في السياسة الألمانية، حيث تتصارع القوى التقليدية والجديدة على قيادة البلاد. وبينما يحاول الحزب الاشتراكي الديمقراطي إصلاح أزماته، وحزب الخضر يعزز مكانته، وحزب فاغنكنشت يسعى لإثبات وجوده، بيد أن حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي المتطرف يرى في هذه الانتخابات أيضا فرصة له من أجل تعزيز نفوذه.
وبعد انهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا، دعا حزب «البديل من أجل ألمانيا» إلى وقف تسليم الأسلحة والمساعدات المالية لأوكرانيا، حيث عبّر الرئيس المشارك للحزب، تينو شروبالا، عن قلقه بشأن استمرار دعم كييف خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الاتحادية المقررة في شباط/فبراير 2024. وقال شروبالا في تصريحاته: «أحذر من أن استمرار تزويد أوكرانيا بالأسلحة في الأشهر المقبلة سيؤدي إلى المزيد من استنزاف ميزانية الحكومة الفيدرالية، ما سيضر بالاقتصاد الألماني في وقت حساس».
وكانت ألمانيا قد تسببت في استقطاب داخلي حاد على خلفية هذه المساعدات العسكرية والمالية، حيث أن هناك تزايدًا في المعارضة داخل بعض الأوساط السياسية والشعبية لهذه التدخلات. ويرى حزب «البديل من أجل ألمانيا» أن الدعم المستمر لأوكرانيا يضاعف من معاناة الاقتصاد الألماني الذي يعاني بالفعل من تبعات الحروب التجارية وأزمة الطاقة، وهو ما يجعل الحزب يركز على ضرورة تغيير السياسة الخارجية للدولة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات المقبلة قد تكون نقطة تحول بالنسبة لحزب «البديل من أجل ألمانيا». في الانتخابات الاتحادية السابقة في ايلول/سبتمبر 2021 حصل الحزب على 10في المئة من الأصوات، إلا أن الوضع الحالي يوحي بزيادة كبيرة في شعبيته. وفي استطلاعات الرأي التي أُجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ارتفعت نسبة تأييد الحزب إلى حوالي 17 في المئة، ما يعكس زيادة في تأثيره على الساحة السياسية الوطنية.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات، فقد يتسنى لحزب «البديل من أجل ألمانيا» تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات المقبلة، لا سيما إذا استمرت القضايا الاقتصادية والأمنية في صدارة اهتمامات الناخبين. ويرى المحللون أن هذا الحزب قد يصبح قوة سياسية ذات وزن أكبر في البرلمان الألماني، ما قد يؤثر بشكل كبير على تشكيل الحكومة المستقبلية في حال عدم تمكن الأحزاب التقليدية من تحقيق توافق داخلي قبل الانتخابات. يبقى السؤال الأهم: من سيكون القادر على تشكيل تحالف جديد يقود ألمانيا نحو مستقبل أكثر استقرارًا؟