انتخابات إسرائيل الرابعة… تعادل بين معسكر نتنياهو ومعسكر مناهضيه.. والقضية الفلسطينية “مغيّبة”

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

تتصاعد التفاعلات، والتحركات والاصطفافات في الحلبة السياسية الإسرائيلية استعدادا لخوض انتخابات برلمانية هي الرابعة في غضون عامين، تزامنا مع إغلاق ثالث تفرضه عدوى كورونا، مما يعكس مدى عمق الأزمة السياسية الملازمة لدولة الاحتلال.

يشار إلى أن إسرائيل ذهبت لانتخابات عامة رابعة بعد تفجر أزمة ثقة بين طرفيْ حكومتها ” أزرق- أبيض ” برئاسة وزير الأمن بيني غانتس، وحزب “الليكود” بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي تنكر لاتفاق الائتلاف بينهما ولاتفاق التناوب على رئاسة الوزراء، علما أن مراقبين كثرا توقعوا أن يواصل نتنياهو نهجه في الكذب على حلفائه، لكن غانتس فضّل الدخول معه تحت شعار “التأثير من الداخل” وعدم  الذهاب لانتخابات رابعة.

في نهاية المطاف، اضطرت إسرائيل للذهاب لانتخابات رابعة كما توقع مراقبون، وخرج غانتس خاسرا كل شيء. فيما تبدو مهمة نتنياهو في البقاء في الحكم هذه المرة أصعب؛ بسبب تمرد أوساط في حزبه ومعسكره، لكن ضعف خصومه وتجربته الغنية في العمل السياسي دفعت بعض المراقبين للقول إنه من المبكر نعيه والتحدث عنه بلغة الماضي، وأشاروا لعدم تحقق شعارات إسقاط نتنياهو في الجولتين السابقتين “الثالثة ثابتة” و”الرابعة قابعة” وإن كان هناك من يقول اليوم هذه ستكون “الخامسة حابسة” في إشارة لسقوط نتنياهو عن الحكم وشق الطريق لمحاكته بتهم فساد خطيرة وربما حبسه.

وضمن هذه الاصطفافات، يستمر الإعلان عن أحزاب وقوائم جديدة، حيث أعلن رئيس بلدية تل أبيب روني خلدئي عن حزب “إسرائيليون” عن عزمه المشاركة مع وزير القضاء المستقيل من كتلة “أزرق- أبيض” آفي نيسان كورن، وشخصيات أخرى تشمل شخصية عربية لم يكشف عنها بعد. وتمنح استطلاعات رأي جديدة هذه القائمة 7-8 مقاعد.

وفي مؤتمر صحفي، أعلن خلدئي عن اهتمامه الكبير بمكافحة الفساد والسعي للتخلص من حكم بنيامين نتنياهو. وقال إنه سيكون حزب اليسار الصهيوني، بيْد أنه لم يتطرق بكلمة واحدة للقضية الفلسطينية. أما حزب “العمل” الذي كان يعتبر رمز اليسار الصهيوني، فهو لا يعبر نسبة الحسم في كافة استطلاعات الرأي، غير أن هناك مساعي لإنعاشه من خلال تحالف جهات من خارجه منها عضو الكنيست عوفر شيلح الذي انسحب من حزب “هناك مستقبل” برئاسة يائير لابيد.

كما أعلن مدير عام وزارة المالية الإسرائيلية السابق زليخا، عن إقامة حزب جديد يدعى “حزب الاقتصاد الجديد” والذي سيضع القضايا الاقتصادية- الاجتماعية في صدارة أولوياته. وفي معسكر اليمين ما زال حزب المنشق عن “الليكود” الوزير السابق غدعون عزرا يشكل الحزب الثاني بعد “الليكود” في كل استطلاعات الرأي.

في المقابل يتواصل حزب “أزرق- أبيض” برئاسة وزير الأمن بيني غانتس بالتفكك، فبعد انتقال بعض وزرائه ونوابه لحزب غدعون ساعر “أمل جديد” وانشقاق وزير القضاء آفي نيسان كورن عنه، أعلن أمس عدد من نوابه الانشقاق، وسبقهم بذلك أيضا أحد أقطابه وزير الخارجية غابي أشكنازي الذي أعلن تنحيه عن السياسة لفترة معينة على الأقل. ونقلت الإذاعة  العبرية العامة عن أشكنازي أبرز شخصيات حزب “أزرق أبيض” قوله إنه يدرس إمكانية اعتزال الحياة السياسية وعدم الترشح في الانتخابات.

انهيار أزرق أبيض

وقال أشكنازي في رسالة إلى أعضاء “أزرق- أبيض” إنه “لن يترشح لمعركة الانتخابات القريبة في إطار الحزب، وإنه يفعل ذلك بمشاعر مختلطة ورأس مرفوع، وبالأساس بشعور بالكرامة والفخر بطريقنا المشتركة”. وأضاف: “وضعنا معا بديلا لحكم نتنياهو والليكود. قررنا تحمل المخاطرة، وسعينا معا من أجل التأثير من الداخل ومن خلال اعتبارات المسؤولية القومية. ولأسفي أنه لم نجد الشريك الملائم”.

وتواصل الاستطلاعات المتتالية الكشف عن تدهور “أزرق- أبيض” وتتنبأ له بمستقبل بائس بعدما كان أكبر الأحزاب الإسرائيلية قبل شهور. وحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة “معاريف” أمس، فإن قائمة “أزرق- أبيض” برئاسة وزير الأمن، بيني غانتس، لا تتجاوز نسبة الحسم لو أجريت الانتخابات اليوم.

وبحسب الاستطلاع، ستحصل القائمة على 2.6% من الأصوات، وهو نفس ما ستحصل عليه القائمة الاقتصادية الجديدة التي أعلن عن تشكيلها البروفيسور رون زليخا. كما لا يتجاوز حزب “العمل” الذي ساهم في تأسيس دولة الاحتلال وولد قبلها وحكمها حتى 1977 نسبة الحسم بحصوله على 1.1% فقط من الأصوات.

ويُجمع عدد كبير جدا من الباحثين على أن تدهور حزب “العمل” وربما تفككه بالكامل هو نتيجة مسيرة أحداث متراكمة آخرها سلوك رئيسه وزير الاقتصاد عمير بيرتس الذي تنكر لوعوده قبيل الانتخابات الأخيرة بعدم الانضمام لأي حكومة برئاسة نتنياهو. وقد أقسم بشاربيه بألا يفعل ذلك، لكنه سرعان ما تخلص من شاربيه ومن وعوده، مما أفقد الحزب مصداقيته وبقية شعبيته.

الليكود ما زال في الصدارة

ولا يطرأ تغيير كبير على قوّة باقي الأحزاب الصهيونية. فتصدّر الليكود القائمة بحصوله على 29 مقعدا، تليه قائمة “أمل جديد” برئاسة القيادي المنشقّ عن الليكود، غدعون ساعر، بـ17 مقعدا، تليهما “هناك مستقبل” برئاسة يائير لابيد، بـ14 مقعدا، وترتفع هذه القائمة بمقعدين في حال انضمّت الوزيرة السابقة، تسيبي ليفني، إليها.

وتراجعت قائمة تحالف أحزاب اليمين برئاسة وزير الأمن السابق، نفتالي بينيت، إلى 13 مقعدا، ولم تنجح جهود بينيت الأخيرة وطرح اسمه مرشّحا لرئاسة الحكومة في وقت الانهيار الانتخابي لقائمته منذ دخول ساعر المعترك السياسي. وتحصل القائمة المشتركة على 11 مقعدا، وهو العدد الذي استقرّت عليه في استطلاعات الرأي منذ أسابيع، متراجعة عن 15 مقعدا في الكنيست الحالي، إثر الخلافات بين مركّباتها.

أحزاب جديدة

أما قائمة “الإسرائيليّون” التي أعلن خلدئي ونيسان كورن عن تأسيسها الثلاثاء الماضي، فحصلت في الاستطلاع على 8 مقاعد. فيما حافظ الحزبان اليهوديان المتزمتان “شاس” و “يهودتو هتوراة” على قوتيهما.

ويُستدل من كافة استطلاعات الرأي، أن  الصراع على الحكم في دولة الاحتلال بات محصورا بين اليمين واليمين، ولم يعد هناك خيار حقيقي لرموز أحزاب الوسط واليسار الصهيوني، مما يعكس الانزياح الكبير نحو اليمين في إسرائيل. وقد استبدلت حالة التعادل التقليدية بين مرشحي اليمين ومرشحي الوسط- اليسار الصهيوني في الجولات الانتخابية الثلاث، بحالة تعادل جديدة بين معسكر نتنياهو ومعسكر مناهضيه، مما ينذر بالتورط في جولة انتخابات خامسة خلال هذا العام.

ورغم الانشقاقات والتحالفات ضده، يحتفظ نتنياهو بفرصة هامة للبقاء في الحكم، نظرا لالتزام مؤيديه بدعمه رغم فساده وفشله في معالجة عدوى كورونا، ونظرا لعدم وجود مرشح متفق عليه لرئاسة الحكومة سواه، خاصة أنه من المتوقع أن يلوّح بالمزيد من اتفاقات التطبيع مع دول عربية وإسلامية جديدة تكسبه شعبية إضافية، تمكنه من تخطي الكتلة المؤيدة لزعامته حاجز الـ60 نائبا.

في المقابل يستفيد نتنياهو من حالة التشظي وكثرة الأحزاب في الوسط واليسار الصهيوني، مما يعكس الأزمة السياسية العميقة في إسرائيل. وهناك من يعتبرها أكثر عمقا واتساعا، ويصفها بالأزمة الأخلاقية وتبدد القيم لحساب المصالح، وتغليب “الأنا” على الـ”نحن” الإسرائيلية، وتفضيل مصلحة الزعيم والحزب على مصلحة الدولة.

وهذا ما يقود لغياب القضية الفلسطينية عن الانتخابات التي تكاد  تدور بين أشخاص فقط دون نقاش حول قضايا داخلية ملحّة كالبطالة والفقر ودولة الرفاه وغيرها، علاوة على تغييب الفلسطينيين والاحتلال وكأنه مفقود. وتحذر بعض الأوساط الإسرائيلية من هذا التجاهل؛ لأنه سيكرس واقعا سياسيا سيفضي بالضرورة لدولة ثنائية القومية تنتهي بدولة عربية كما حذر رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، وهو من أبرز مناوئي نتنياهو. وقد أعلن أمس عن استعداده لترؤس حزب “العمل” شريطة ألا يتم ذلك من خلال منافسة وانتخابات داخلية بل بالتعيين.

تراجع المشتركة

كما يتضح من الاستطلاعات وتصريحات قادة الأحزاب الإسرائيلية، أن الكثير من الأحزاب الصهيونية تحاول العودة مجددا للشارع العربي والفوز بقسط من الأصوات، في ظل منافسة انتخابية تبدو دقيقة وعليها ينطبق القول “الساق على الساق”.

وتُظهر كافة الاستطلاعات تراجع المشتركة من 15 مقعدا إلى 10 أو 11 مقعدا فقط نتيجة فقدان للعمل الجماعي الحقيقي وخلافات داخلية متراكمة تفجرت من جديد حول قانون تقويم المثليين، إضافة للتوجهات السياسية التي يطرحها رئيس كتلة الحركة الإسلامية داخل “المشتركة” النائب منصور عباس، الذي يرى أنه لم يعد هناك فارق بين يمين ويسار في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وبالتالي يقترح التعامل مع كل طرف إسرائيلي، شريطة أن يخدم  معالجة القضايا الملحّة للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، مثل العنف وانتشار الجريمة والبطالة وهدم المنازل العربية خاصة في النقب، والفقر وغيرها.

وتُظهر استطلاعات رأي كثيرة، رغبة فلسطينيي الداخل بالتركيز على قضايا مدنية وعلى ضرورة إبداء القائمة المشتركة مواقف براغماتية أكثر كما يطرح منصور عباس نفسه رغم الملاحظات على طريقة عرضه وتصريحاته الإشكالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية