يقترب الأردنيون من استحقاقهم الانتخابي في 10 أيلول المقبل وسط حالة من الفوضى في الإقليم وصبر يضرب به المثل للمواطنين على الحكومات وآمال بالتغيير الإيجابي يبنيها الناس على مرجعية تحديث المنظومة السياسية.
الانتخابات المقبلة ليست عادية لا بل استثنائية وتستحق كل الدعم والتحفيز ليس لأنها فقط أول انتخابات ستشهد بواكير العمل الحزبي تحت قبة البرلمان بل لأنها انتخابات في ظل الظرف الإقليمي الذي يعرفه الجميع تعيد تعريف رغبة الأردنيين عموما في البقاء مع وحول مؤسساتهم وسعي السلطات بالمقابل لإعادة إنتاج الشرعية الدستورية التشريعية.
ما نقترحه مسبقا إزاحة التراب قليلا في المساحات الوطنية لتوفير موطئ قدم لسلطة البرلمان والاستعداد بروح إيجابية قدر الإمكان لمساعدة المواطنين على حلمهم القديم في رؤية مؤسسة برلمانية لها دور حقيقي ومنتج وفاعل وطنيا ولها أنياب وأحيانا مخالب لتمثيل الشعب في مواجهة التوازن المطلوب مع السلطة التنفيذية.
حاجتنا كأردنيين تبدو ملحة إلى تجريب فكرة برلمان حقيقي عابر لمعايير الهندسة ولا يهتم بمظاهر الولاء المسمومة وغير المنتجة، وأحسب بأن الدولة الأردنية العريقة الخبيرة التي نؤمن بصلابتها وقوتها جميعا تحتاج في المئوية الجديدة لمؤسسة برلمانية تشريعية صلبة ومتماسكة، ولها بصمة حقيقية في خدمة التنافس بين السلطات لما فيه خير النظام والوطن والمواطن.
ما نحسبه أيضا عدم وجود مبرر من أي صنف الآن لإعاقة حنين الأردنيين لبرلمان قوي يمثلهم حقا، فالمواطن الأردني في المفاصل لا ينبغي المزاودة على خياراته لا بل أثبتت أنه أعقل وأرشد من الكثيرين من الحكومات في الماضي القريب ولا خير بين مرشح أو آخر إلا بالانتماء الوطني الحقيقي المخلص الوفي والقدرة على خدمة المصالح الوطنية.
لا بد من آلية دستورية ومؤسسية لرفع الوصاية عن اتجاهات الناخب الأردني وتمكينه من الاختيار الحر والتجربة والخطأ حتى يصبح محتوى ومضمون التحديث السياسي له قيمة حقيقية على الأرض.
ولا بد من فهم عميق يقود إلى قناعات بعدم وجود أي معارضة بين الأردنيين للدولة في الواقع الاجتماعي والمصلحة الآن تتطلب إفساح المجال للعبارة والمداخلة النقدية لإحداث التوازن المطلوب بين المؤسسات.
نحتاج لبرلمان متطور يقود الرقابة والتشريع على الحكومة التي تتشكل من شخصيات وزارية مرتبطة بنسق ما بالأغلبية البرلمانية
لا توجد معارضة فعلية في الأردن ومسألة تغيير النهج خصوصا في البرلمان والانتخابات توافقت عليها جميع الأطراف وأكبر حزب معارض في البلاد بالمعنى الدستوري للمعارضة هو الذي بح صوته وهو يصدر بيانات يقول فيها بأنه لا يسعى للمغالبة.
جربت فعاليات هندسة الانتخابات عدة مرات في الماضي وانتهت بتشكل ظواهر في المجتمع ركبت أكتاف التمثيل وابتزت الدولة والحكومة والوضع الاقتصادي الآن صعب ومعقد ويحتاج إلى تنشيط وتفعيل دور الرقابة لاحتواء جرعات الاحتقان.
مئات أو آلاف المرشحين للانتخابات المقبلة جميعهم أبناء وطن، وجميعهم موالون وليس بينهم من لا تستطيع الحكومة استيعابه أو التعامل معه.. بالتالي لا مبرر لأي تدخل ولا لأي هندسة ولا مبرر لأي تفصيل أو تقميش.
الميدان يتسع للجميع للأخ المسلم وللغاضب وللهادئ، يتسع للموالي والمعارض بالمواصفة المحلية ومعادلة الوطن والمواطن هي التي تستفيد إذا ما تم بث روح إيجابية حقيقية تحافظ على مصداقية العملية الانتخابية وتوفر مساحة تواجد ومناورة ولو صغيرة وفي المرحلة الأولى لمؤسسة برلمانية تنهض بتطلعات الأردنيين وترفع من شأن وقيمة فكرة المشاركة والتمثيل.
لا مبرر للخوف المسبق والمعلب من اتجاهات تصويت الأردنيين وترك المساحة مريحة لهذه الاتجاهات بداية الحل المنطقي حتى للمشكلات والملفات المستعصية.
نحذر مسبقا من أن التدخل بالانتخابات المقبلة الوشيكة سيأتي بنتائج عكسية تذهب في اتجاه تأزيم المجتمع واحتقاناته وأصحاب الوصفات المعروفة في تعليب وتغليف خيارات الأردنيين عليهم أن يتنحوا قليلا لكي تندفع جميع الأطراف في اتجاه انتخابات حرة نزيهة فعلا وحقا وبكل ما تعنيه الكلمة من معان ولو لمرة واحدة.
تم تجريب كل وصفات العبث والتدخل في الماضي، وعلينا أن نجرب الآن مرة واحدة انتخابات نقية في مرحلة حساسة لخدمة الرؤية المرجعية في التمكين والتحديث.
لا مبرر لأي خوف من الخارطة الانتخابية وإنقاذ سمعة الانتخابات واستعادة مصداقيتها التي هدرتها بعض الحكومات في الماضي محطة أساسية ومهمة ولا تقل شأنا عن هدف نبيل هو تمكين بدايات التحديث الاقتصادي من الانطلاق.
نحتاج لبرلمان متطور يقود الرقابة والتشريع على الحكومة التي تتشكل من شخصيات وزارية مرتبطة بنسق ما بالأغلبية البرلمانية ونحتاج طبعا لحكومة ظل تحت قبة البرلمان تراقب الأداء وتعييد التقييم.
ما نقوله بالخلاصة الأهم أن التدخل بعد الآن مكلف ومخجل ولا مبرر له لا بل يمكن الاستغناء عنه، وعلى اللاعبين الأساسيين في الملف الانتخابي التصرف بإدراك مسبق يؤمن بأن استعادة هيبة الانتخابات وسمعتها ومصداقيتها هدف نبيل جدا يعكس الآن جوهر الولاء والانتماء.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»