انتبه الأقوام التويتريون والفيسبوكيون إلى أن الفريق أول عوض بن عوف كان مديرا للاستخبارات العسكرية قبل أن يصير وزيرا للدفاع ثم يقود الانقلاب العسكري في السودان، تماما كما أن عبد الفتاح السيسي كان مديرا للاستخبارات العسكرية قبل أن يصير وزيرا للدفاع ثم يقود الانقلاب العسكري في مصر، علما أن بن عوف انقلب على عسكري أتى هو نفسه للحكم بانقلاب، بينما انقلب السيسي على مدني أتى للحكم بانتخاب ديمقراطي حر لا سابق له (ولا لاحق، حتى اليوم) في التاريخ المصري.
وفي الانتباه إلى هاته التقاطعات، على صعيدي السيرة المهنية والعادات، أو المواهب، الانقلابية بين بن عوف والسيسي، ما فيه من تنبيه من مغبة تشابه المسارين السوداني والمصري والإفضاء إلى النتيجة ذاتها، أي إجهاض الثورة أو تحويل وجهتها لصالح الدولة العميقة وقوى النفاق والردّة (التي درج الخطاب العام على تسميتها بقوى الثورة المضادة)، ولو أن في إصرار الشباب السوداني على رحيل جميع شخصيات النظام الجاثم على صدر البلاد طيلة ثلاثين سنة رحيلا نهائيا ما يبشّر بأن الألاعيب والحيل العسكرية، من قبيل محاولات تمرير حكاية المجلس الانتقالي، وتعليق الدستور وحل المجالس النيابية، الخ.، لن تنطلي؛ تماما كما أن تذاكي المؤسسة العسكرية الجزائرية لم يجد نفعا مع الشباب الجزائري الثابت بالمرصاد.
الفريق أول عوض بن عوف كان مديرا للاستخبارات العسكرية قبل أن يصير وزيرا للدفاع ثم يقود الانقلاب العسكري في السودان، تماما كما أن عبد الفتاح السيسي كان مديرا للاستخبارات العسكرية قبل أن يصير وزيرا للدفاع ثم يقود الانقلاب العسكري في مصر
على أن من التقاطعات ذات الدلالة الأبلغ سياسيا وثقافيا أن سقوط البشير في السودان قد وقع يوم بدأت الانتخابات العامة في الهند! أما الحقيقة التى يحيل عليها هذا التزامن، الذي يبدو كأنه مبرمج بقصديّة تاريخية ماكرة، فهي بسيطة ومعروفة، ولكنها قلّما تقدّر حق قدرها عند تفسير تناظر المصائر بين الهند من ناحية وبين الدول الإسلامية، بدءا بالجارة باكستان، من ناحية أخرى. وتكمن هذه الحقيقة في بعد المسافة السياسية والثقافية التي تفصل الحكم المدني الديمقراطي عن الحكم العسكري الانقلابي.
إذ تتميز الهند على معظم دول العالم الثالث بأنها لم تعرف حكم العسكر مطلقا. فقد كانت الهند في طليعة الدول الآسيوية والإفريقية التي حصلت على الاستقلال وشكلت قوة جديدة في القرن العشرين، هي حركة عدم الانحياز التي برزت للوجود في المؤتمر الأفرو-آسيوي الأول في باندونغ عام 1955. وكان زعيمها جواهر لال نهرو هو الذي بادر إلى صياغة القضية التي لا تزال إلى اليوم من أخطر القضايا التي تتحكم في مستقبل العلاقات الدولية: ما الأجدر بالأولوية: قضية السلام التي يحددها ميزان القوى بين الشرق والغرب؟ أم قضية التنمية التي تحددها شروط التعامل بين الشمال والجنوب؟
وكانت الحكمة السائدة آنذاك أن بلدا يبلغ تعداد سكانه مئات الملايين لا يمكن حكمه إلا بقبضة من حديد على الطريقة الصينية أو السوفييتية. ولكن الهند لم تصب بعدوى التوتاليتارية الصينية ولم تسقط في فخ الرداءة العسكرية رغم أنها كانت تعاني، ولا تزال، مختلف معضلات بلدان العالم الثالث، من مرض وفقر وجهل، ورغم أنها رزحت تحت نير الاستعمار زمنا أطول من بقية البلدان الآسيوية، حيث استمر الاحتلال البريطاني حوالي قرنين من 1757 حتى 1947. ولكن النخبة الهندية نجحت في استيعاب خطوب الماضي بروح إيجابية، فلم تقتصر غنيمة الحرب التاريخية، بالنسبة إليها، على تملّك اللغة الانكليزية (علما أن الأديب الجزائري كاتب ياسين هو صاحب القولة الشهيرة بأن اللغة الفرنسية هي غنيمتنا من الحرب مع الاستعمار)، وإنما شملت غنائم أخرى أصبحت من المكونات الثابتة في الثقافة السياسية لدى النخبة أوّلا، ثم لدى عموم الشعب.
وقد سبق للمفكر المغربي الفذ عبد الله العروي أن كتب أنه شهد عام 1950، أيام كان طالبا في باريس، محاضرة ألقاها السياسي والمؤرخ الهندي سردار بانيكار قال فيها إن أهم ما غنمته الهند من الاستعمار البريطاني هو ثقافة سيادة القانون واستقلالية القضاء. وهذا هو المعنى الذي أكده، أوائل القرن الحادي والعشرين، رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ، الذي درس الاقتصاد في جامعتي كمبردج وأوكسفورد، عندما قال إن ما غنمته الهند من الإرث الاستعماري هو دولة القانون، وحرية الصحافة، واحترافيّة قطاع الخدمة المدنية والوظيفة العمومية.
كاتب تونسي
مقال رائع ومنور ومفيد أفضل بكثير من كل المقالات التي نشرت في القدس العربي هذا اليوم رغم استقطابها ألكم الأكبر من تعليقات القرّاء والقارئات.. !! مزيدا من الشكر للكاتب مالك التريكي.. !!
ما ورد أسفل عنوان (انتخابات الهند وانقلابات السودان) من نظرة لمالك التريكي في المقارنة، هو حر بها،
ولكن أنا أختلف تماما، فعقلية من يضحك على من، في لعبة الثلاث ورقات (فهلوة الفوضى الخلاقة)، ويقبل أن يشترك بها،
وفي هذا المجال تم تكريم رئيس وزراء الهند (مودي) في قمة الحكومات العالمية عام 2018 في دبي- دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنه نجح في زيادة الإيرادات،
من خلال طبع عملة جديدة، لا يتم إبدال توزيعها مع العملة القديمة، بدون تسجيل كل المبالغ في حساب الرقم الوطني،
لزيادة مدخول/إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم والجمارك، دون أي تحسين في الخدمات،
وتم قتل 100 ألف إنسان بسبب بيروقراطية النظام في عملية تبديل العملة؟! فأين القانون والعدالة في ذلك؟!
فموضوع نشر ثقافة التعاملات المصرفية، إن كان في السودان أو مصر أو النهد، الهدف منه، هو العمل على زيادة الإيرادات/مدخول الدولة،
كما هو حال موضوع تطوير العملية التعليمية المعلن، في حين هدفه الإقتصادي، تقليل مصاريف طباعة المناهج التعليمية،
وهذا بالتأكيد على حساب الخدمة التعليمية، التي ليس لها مكان من الإعراب إقتصاديا،
لدى عقلية الموظف/العالة غير المُنتج، لأي منتج ذو عائد اقتصادي، مربح للإنسان والأسرة والشركة المنتجة وبالتالي الدولة.
مثل الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، فمن يضحك على من، أو من هو أخبث من من،
والإشكالية لحساب من، الموظف أم المسؤول أم الجهل الإقتصادي؟!??
??????