من أصل واحد وخمسين مرشحا للانتخابات الرئاسية في سوريا، المزمع إجراؤها في السادس والعشرين من هذا الشهر، لم يتبق سوى ثلاثة مرشحين “لهم حق الترشح”.
حسب نص الدستور (أن يكون المرشح حاصلاً على توقيع 35 نائبًا من مجلس الشعب للترشح، من والدين سوريين بالولادة، وأتم الأربعين سنة عند الترشح، أن لا يكون متزوجا من غير سورية، ومقيما في سوريا عشر سنوات دون انقطاع قبل تاريخ الترشح) “، رئيس النظام بشار الأسد بالطبع يحق له الترشح لولاية رابعة ( لأنه حصل على موافقة كل أعضاء المجلس). وأتم الأربعين (في ولايته الأولى تم تعديل الدستور ليتوافق وسنه الذي لم يتجاوز الخمس وثلاثين سنة)، رغم أن الدستور الحالي ( دستور 2012) ينص: ( رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذيّة ينتخب لمدة سبع سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة، وأن لا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي “شائن كما اعتبر الدستور رئيس الجمهورية غير مسؤول عن أعماله في إطار ممارسة صلاحياته التي نصّ عليها الدستور إلا في إطار “الخيانة العظمى”). بما أن الدستور السوري ” مطاط “، وقابل للتعديل السريع حسب الحاجة فإنه يمكن أن يجد كل التبريرات التي تتيح للرئيس المنتهية ولايته الترشح لولاية رابعة. ولا يحاسبه على جرائمه بحق الشعب السوري، ولا يعتبر جلب دول أجنبية للتدخل في الشأن السوري، وميليشيات من شذاذ الآفاق والمرتزقة لقتل الشعب السوري خيانة عظمى.
سوريا المفيدة
مسرحية الانتخابات ستقتصر على المناطق التي يسيطر عليها النظام، وهي، كما خطط لتحريرها من الثوار الذين سيطروا عليها قبل أن يطلب المدد من حلفائه الروس والإيرانيين: “سوريا المفيدة” (خط المدن: دمشق، القطيفة، النبك، حمص، الرستن، حماة، المعرة، حلب. والتي تضم حوالي عشرة ملايين نسمة ما تبقى من السوريين في هذه المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي تبلغ حوالي 60 في المئة من مساحة سوريا)، وبقي خارج إطار السيطرة منطقة الرقة بأكملها مع نفطها، ومائها، وقمحها، ومنطقة إدلب بأكملها مع زيتونها وزيتها. وهاتان المنطقتان لن تشاركا في هذه المسرحية لأن الأمر لا يعنيهما أبدا. فإدلب التي تسيطر عليها ميليشيات مختلفة من المعارضة المسلحة وأكبرها هيئة تحرير الشام ( النصرة سابقا) يهمها بالدرجة الأولى الحفاظ على هذا المكتسب وتحويله مع الوقت إلى كيان منفصل لا يخضع لسلطة النظام، وربما تحول إلى إمارة إسلامية، وعدم المشاركة في انتخابات النظام هو تكريس لهذا الواقع. رغم كل محاولات الروس وقوات النظام الفاشلة لإعادتها إلى بيت الطاعة. فمنذ السيطرة على المنطقة من قبل المعارضة المسلحة في العام 2015 تم انتخاب مجالس محلية تدير شؤون حوالي أربعة ملايين سوري (معظمهم من النازحين من مناطق مختلفة في سوريا) تحت إشراف تركيا، وتحاول المعارضة السياسية المتمثلة بالائتلاف التواجد في المنطقة دون نجاح يذكر. وباتت المنطقة كما وصفها البعض غزة أخرى في سوريا.
شرق الفرات أو منطقة الاستقلال الذاتي
قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تتكون في معظمها من الأكراد، تسيطر على شرق الفرات الشمال الشرقي السوري، (ما بين نهري دجلة والفرات)، وهي تعادل ربع مساحة سوريا تقريبا. ويبلغ عدد السكان في هذه المساحة حوالي 2.5 مليون نسمة.
هذه المنطقة تتمتع بحكم ذاتي بدعم أمريكي وهي تسيطر على معظم الإنتاج النفطي. وهي بالطبع لن تشارك في هذه الانتخابات، لأنه مجرد أنها قبلت المشاركة فمعنى ذلك أنها تقبل بسلطة النظام، وهذا ينافي سياستها الرامية في نهاية المطاف للانفصال. وعدم مشاركتها هو تأكيد على ذلك، لكن رفض تركيا لأي كيان كردي على حدودها الجنوبية يجعل المسألة مؤجلة، ويبقى الوضع الراهن على ما هو عليه بانتظار تغير الظروف.
التجديد لشرعية مهترئة
في واقع الأمر فإن بشار الأسد الباحث عن شرعية جديدة ” ديمقراطية ” أمامه خياران: إما أن يستمر في الحكم عبر استفتاء صوري كما كان يفعل مورثه، أو يخوض انتخابات ملفقة محسومة النتائج سلفا لصالحه أمام منافسين معينين من قبل أجهزته ليتسنى له تعويم النظام من ناحية، والاستمرار في ضرب المعارضة “الإرهابية ” حسب وصفه بدعم من حليفيه، والظهور أمام العالم الخارجي بصفة الرئيس الشرعي المنتخب.
وهذه الصفة ربما ترضي الروس الذين يبحثون عن وسيلة لإعادة الإعمار التي سيكون نصيبهم منها نصيب الأسد لتعويض المبالغ الكبيرة التي خسروها في دعم النظام، وبعض الأنظمة العربية التي تسارع لتطبيع علاقاتها مع النظام، وفتح سفاراتها في دمشق بدفع من موسكو التي تحاول أيضا جاهدة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وتكون ذريعة أيضا لبعض دول اللجوء كالدانمارك لطرد اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى سوريا بحجة أنها باتت آمنة. لكن البحث عن هذه الشرعية تصطدم برفض الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات على النظام، والاتحاد الأوروبي الذي ينأى بنفسه عن نظام تتهمه منظمات دولية، وتقارير حقوقية باستخدام السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري.
كاتب سوري