تشعر أوساط المستقبل بأن فريق حزب الله والتيار الوطني الحر يمارسان لعبة لتعميق الهوة بين الحليف السنّي والمسيحي عبر فبركة الأخبار ودس الدسائس وإظهار الحرص المغشوش تجاه الحريري.
بيروت ـ «القدس العربي»: بعيداً عن التشكيك الدائم باحتمال تطيير انتخاب المغتربين اللبنانيين في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج سواء عبر تقديم اقتراح قانون معجل مكرّر لإلغاء اقتراعهم في الدوائر الـ 15 داخل لبنان واستحداث دائرة خاصة بهم في الخارج، أو عبر القول إن لا اعتمادات مالية لدفع رواتب البعثات الدبلوماسية فكيف الحال بتنظيم إجراء انتخابات في هذه السفارات؟ فإن بعض القوى السياسية وأفرقاء المجتمع المدني ماضون في التحضير للعملية الانتخابية. وإذا كان الرئيس سعد الحريري اختار تعليق العمل في الحياة السياسية وعدم الترشح إلى الانتخابات هو و«تيار المستقبل» فإن الحلفاء القدامى والمفترضين مع التيار الأزرق ماضون في حشد القوى ومحاولة التوافق على لوائح مشتركة لخوض الانتخابات تحت شعار مواجهة الهيمنة الإيرانية على لبنان.
ويأتي في طليعة هذه القوى حزبا القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي اللذان لديهما دوائر مشتركة خصوصاً في منطقة الجبل الممتدة بين الشوف وعاليه وبعبدا إضافة إلى دائرة البقاع الغربي راشيا على أن يجيّر مناصرو الحزبين أصواتهم للمرشحين من الحزب الآخر في دوائر أخرى مثل بيروت الثانية أو المتن الشمالي أو زحلة. وقد لفتت زيارة عضوي «اللقاء الديمقراطي» أكرم شهيب ووائل أبو فاعور إلى مقر رئيس حزب القوات سمير جعجع في معراب موفدين من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للبحث في التحالفات الانتخابية وخصوصاً في دائرة الشوف وعاليه التي تضم 13 نائباً 5 في عاليه و8 في الشوف. وتضم هذه الدائرة 4 نواب دروز و5 نواب موارنة ونائباً أورثوذكسياً وآخر كاثوليكياً ونائبين سنيين. وقد نجح التحالف الأخير عام 2018 بين الاشتراكي والقوات والمستقبل في حصد 9 مقاعد مقابل 4 مقاعد حصل عليها تحالف رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال ارسلان والتيار الوطني الحر، فيما لم ينجح رئيس حزب التوحيد وئام وهاب في تأمين حاصل انتخابي للائحته وكذلك لم تنجح لائحتان للمجتمع المدني.
وكان اللافت في تصريح النائب أكرم شهيب بعد زيارة جعجع التأكيد على «احترام خصوصية الساحة السنية وعدم القفز فوق هذه الخصوصية في أي استحقاق» لتفادي أي محاولات يقف وراءها حزب الله لدق إسفين بين «المستقبل» و«القوات» من خلال الترويج لسعي القوات لوراثة التيار الأزرق بعد انسحاب الحريري. وكان لافتاً ما أورده الإعلام المقرّب من حزب الله عن تسجيل صوتي لجعجع تسلّمه الحريري من جهاز أمني لدولة عربية كبرى يتحدث فيه رئيس القوات مع مجموعة حزبية لديه، ويستخدم ألفاظاً تعبّر عن ارتياحه للتخلّص من الحريري ويقول «نحن نعرف كيف سنأتي بجماعته إلينا، ولدينا وسائلنا».
وإذا كانت القوات اللبنانية سارعت إلى نفي مثل هذه الأخبار «الكاذبة والمضلّلة» وقرّرت الادعاء على مروّجها، فإن النفي الأبرز جاء على لسان نائب رئيس «تيار المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش الذي أعلن أنه تواصل مع الرئيس الحريري الذي أكد له أنه «لم يصله أي تسجيل».
وبدا أن الحملة الإعلامية التي قادها بعض المسؤولين في التيار الأزرق ضد جعجع واتهامه بالتحريض على الحريري غداة إعلانه تعليق عمله السياسي، تراجعت في اليومين الماضيين مع صدور توضيحات من معراب وصلت إلى أوساط «المستقبل» ومع شعور هذه الأوساط بأن فريق حزب الله والتيار الوطني الحر يمارسان لعبة مكشوفة لتعميق الهوة بين الحليف السنّي والحليف المسيحي منذ حركة 14 آذار عبر فبركة الأخبار ودس الدسائس وإظهار «الحرص المغشوش» تجاه الرئيس الحريري بعد تطفيشه من رئاسة الحكومة عام 2011 ومنعه من تشكيل حكومته عام 2021. وكان بعض المقرّبين من بيت الوسط واضحين في أنهم لن يضيّعوا البوصلة ولن يدعوا أحداً يستدرج أصواتاً من التيار للاستمرار بمهاجمة القوات، فيما حزب الله الذي هو أصل المشكلة يقف متفرّجاً ومنشرحاً على مشهد التراشق بين حليفي الأمس السياديين.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حزب الله وقياديون في الحزب باشروا حملة علنية ضد القوات اللبنانية، واستنكروا خوض القوات الانتخابات تحت عنوان مواجهة مشروع حزب الله. وأطلق قاسم الاتهامات بالقتل والإجرام بحق القوات، ما جعل رئيسها سمير جعجع يرد عليه من دون تسميته مذكّراً بسلسلة الاغتيالات التي نفّذها الحزب وعلى رأسها اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وهكذا سيكون المشهد الانتخابي من الآن ولغاية شهر ايار/مايو منقسماً بين فريقين: أحدهما يخوض الانتخابات تحت لواء رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان ومواجهة مشروع حزب الله وسلاحه وبناء الدولة، والثاني يخوض الانتخابات تحت لواء المقاومة التي حرّرت لبنان وتحمي كرامته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ولن تكون بكركي بعيدة عن قول كلمتها الفصل في التوقيت المناسب تماماً كما فعل البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس صفير الذي دعم توجهات فريق 14 آذار/مارس عام 2009 ما أتاح لها الفوز بالأغلبية النيابية في مجلس النواب، بعدما كان الجنرال ميشال عون استفاد من خطاب البطريرك صفير العالي النبرة عام 2005 إثر التحالف الرباعي الذي رأى فيه البطريرك استكمالاً لزمن الوصاية السورية ووضع اليد على حصة المسيحيين التي تقرّرت لهم في اتفاق الطائف وهي 64 نائباً. وإذا كان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يرفع شعار الحياد لأنه يرى فيه خلاص لبنان من محاولات جرّه إلى صراعات المنطقة، فهو لن يجد حرجاً في دعم خيار من يواجهون محاولات الهيمنة على البلد وتغيير هويته وتعكير علاقاته المتينة بالدول العربية وتحديداً الخليجية، ويترقّب كثيرون كلمة البطريرك الراعي في عيد مار مارون يوم الأربعاء حيث سيشارك رئيس الجمهورية ميشال عون في القداس في كنيسة الجميزة مع ترجيح مشاركة رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي.