انتخابات لبنان وأربعة أسئلة

حجم الخط
0

يستدعي حدث الانتخابات النيابية في لبنان، التي ستجري بعد حوالي شهر، أربعة أسئلة رئيسية، اثنين منها يتعلقان بالقوى السياسية التقليدية وإمكانية تقليص حجمها، وواحدا يرتبط، بقوى التغيير، والرابع بانعكاس كل ذلك على وقف الانهيار الحاصل وتحقيق العدالة لضحايا انفجار المرفأ.
السؤال الأول، يتعلق بحجم الخسارة التي سيمنى بها التيار العوني المسيحي. فالتحليلات تجمع على أن الأخير تراجعت أسهمه عند المسيحيين، لاسيما الطبقة الوسطى منهم، بعد ثورة تشرين وانفجار المرفأ والانهيار المالي. عدا عن أن التيار نفسه الذي خاض الانتخابات في مرات سابقة وأحدث «تسونامي» لم يعد كما هو. فصهر الرئيس جبران باسيل أحكم قبضته على التيار، وأبعد المعترضين على خلافته، ما أدى إلى انشقاقات وتصدعات في القاعدة الشعبية. شعور باسيل بالخسارة يدفعه حاليا إلى خوض معركة شعبوية ضد القطاع المصرفي، لحشد الرأي العام، الذي يضع ضمن أولوياته الانتخابية، أمواله المحتجزة في المصارف. لكن هذه المعركة التي تبقى غير مقنعة بسبب تفاهم باسيل الطويل مع رياض سلامة حاكم البنك المركزي، تظل الخطة (ب) في استراتيجية باسيل التي تركز على مساعدة الحليف الشيعي، أي «حزب الله». والأخير، وفق تحليلات، يمكن أن يعوض العونيين بعدة مقاعد في المناطق الطرفية، من دون أن يترك ذلك أثرا في جبل لبنان، حيث يوجد العصب الماروني، وتنبع شرعية التيار العوني. ما يعني أن باسيل سيخرج بأضرار أكيدة من الانتخابات، وأثر هذه الأضرار، سيمتد حكماً إلى «حزب الله» الباحث عن غطاء مسيحي لسلاحه.

مقاطعة تيار المستقبل الانتخابات قد تنعكس إيجاباً على طموحات «حزب الله» الساعي لاقتطاع حصته من إرث الحريرية السياسية، ومضاعفة عدد النواب السنّة المؤيدين لسلاحه

السؤال الثاني يرتبط بعزوف تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات والطلب من منتسبيه عدم الترشح، ما يفتح الباب أمام تكهنات حول خريطة التمثيل السني في البرلمان المقبل. فمن المرجح، أن تنعكس خطوة المستقبل بمقاطعة واسعة داخل الطائفة السنية، التي تشعر باختلال في توازن المعادلة الطائفية في البلد، بعد تعليق سعد الحريري نشاطه السياسي. ومع أن العائلات والزعامات المحلية ستحافظ على نفوذها في عدة مناطق، لاسيما عكار، لكن المقاطعة ستصب في صالح شخصيات ضعيفة التمثيل تبعا لمنطق القانون الانتخابي، عدا عن أنها قد تنعكس إيجاباً على طموحات «حزب الله» الساعي لاقتطاع حصته من إرث الحريرية السياسية، ومضاعفة عدد النواب السنّة المؤيدين لسلاحه.
السؤال الثالث يختص بمجموعات الثورة والمجتمع المدني، التي تخوض الانتخابات هذه المرة، بقوائم كثيرة وفي مناطق متنوعة محاولة إحداث خروقات وإيصال أكبر عدد من النواب. غير أن هذه المجموعات لا تملك حتى الآن خطابا سياسياً واضحا حيال سلاح «حزب الله» بعضها تجعل تناقضها معه مركزياً وأخرى تجعله جزءا من تناقضات كثيرة تتعلق بالطبقة السياسية ككل. عدا عن أن إمكانية توحد هذه المجموعات في كتلة تحدث فرقا في البرلمان المقبل، لا تبدو ممكنة، قياسا بالخلافات التي وقعت خلال تشكيل اللوائح. ويمكن أن يكون المثال العراقي مفيدا في هذا الشأن، إذ إن نواب الثورة الذين وصلوا إلى البرلمان بعد الانتخابات الأخيرة، مشغولون بانقساماتهم وبعضم صوّت في أول جلسات المجلس الجديد، لصالح قوى تقليدية خاض الانتخابات أساسا ضدها.
كل ذلك يأخذنا إلى السؤال الرابع بخصوص انتخابات لبنان، وهو سؤال مركب من كل ما سبق، ما تأثير تقلص تمثيل العونيين وتشرذم السنّة وإمكانية خرق مجموعات الثورة على واقع الانهيار في البلد، على الأرجح، ستذوب، هذه التغيرات في ما لو حدثت، في واقع الانهيار وتصبح جزءا منه، بدل أن تكون حوامل لإيقافه. فالغطاء المسيحي لـ»حزب الله» يمكن أن يصبح أضعف، لكن لن ينتهي، والتشرذم السني قد ينتج نوابا لا تمثيل حقيقي لهم وأكثر مطواعية لمعادلة السلاح والفساد، فيما مجموعات الثورة، قد تحدث خرقا ما، لكن استثمار هذا الخرق بالسياسة، يظل مرهونا بضعف أدوات الطبقة السياسية من شراء الولاءات والزبائنية، وامتلاك هذه المجموعات خطابا واضحا تجاه السلاح. وهذان العنصران غير متوفرين حالياً.
كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية