انتخاب جلعاد إردان نائبا لرئيس الجمعية العامة – ملاحظات توضيحية

انتخبت الجمعية العامة يوم الثلاثاء رئيسا جديدا لدورتها المقبلة السابعة والسبعين، التي تباشر أعمالها ثالث ثلاثاء من شهر سبتمبر المقبل. والرئيس الجديد هو الهنغاري كسابا كوروشي، الذي انتخب بالتزكية، إذ أن التبادل الجغرافي للمنصب في الدورة المقبلة من نصيب دول أوروبا الشرقية. وكوروشي دبلوماسي هنغاري يعمل لصالح بلاده منذ حوالي 40 عاماً، وخدم خلالها في ليبيا والإمارات وإسرائيل واليونان ونيويورك ممثلا دائما لهنغاريا. ويشغل حالياً منصب مدير الاستدامة البيئية في مكتب الرئيس الهنغاري.
وفي الجلسة نفسها انتخبت الجمعية العامة 16 نائبا للرئيس يمثلون المجموعات الجغرافية الخمس، بالإضافة إلى خمس من الدول دائمة العضوية ليصل العدد إلى 21 نائبا للرئيس. والمجموعات الجغرافية الخمس هي: مجموعة دول أوروبا ودول أخرى، والمجموعة الآسيوية، والمجموعة الافريقية، ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ومجموعة دول أوروبا الشرقية. ومنصب نائب الرئيس لا يشمل إلا إدارة الجلسة في غياب الرئيس، وإذا قسمت الجلسات التي يغيب فيها الرئيس ووزعتها على النواب الواحد والعشرين، فقد لا تزيد عدد الجلسات التي يرأسها أي نائب عن ثلاث أو أربع جلسات.
من بين المنتخبين للمنصب الشرفي ذي الأهمية المعنوية الممثل الدائم للكيان الصهيوني جلعاد إردان، ممثلا عن مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى. وهو معروف بصلفه وسجله الأسود في موضوع تأييد الاستيطان وحجز جثامين الشهداء واستهداف المدنيين وغير ذلك الكثير. وفي سؤال وجهته للمتحدثة باسم رئيس الجمعية العامة بولينا كوبياك، في المؤتمر الصحافي اليومي الأربعاء، حول أهلية هذا الشخص لمثل هذا المنصب الشرفي وهو الذي وقف يوم 29 أكتوبر 2021 على منبر الجمعية العامة ومزق تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونثر قصاصاته أمام الحضور قائلا: «عار عليكم عار عليك عار عليكم». فردت السيدة كوبياك بجملة يتيمة وصحيحة «هذا قرار الدول وليس قرار الجمعية العامة».

إسرائيل تنتهك القانون الدولي وتكافأ عليه

هذه ليست المرة الأولى الذي ينتخب فيها مندوب إسرائيلي لمنصب رفيع، فقد تكرر انتخابها لمنصب نائب رئيس الجمعية العامة عدة مرات منذ انضمامها لمجموعة الدول الأوروبية ودول أخرى عام 2000. كانت إسرائيل قد أطلقت حملة دعائية في الأمم المتحدة وخارجها ونشرت إعلانات في الصحف الأمريكية الكبرى مثل «نيويورك تايمز» مفادها أن هناك عنصرية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، إذ ما معنى أن كل دول العالم منضوية ضمن مجموعات جغرافية إلا إسرائيل، وبالتالي فلا يمكنها أن تنتخب لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة أو أي عضوية في إحدى اللجان الدائمة أو غير الدائمة. كما أن كل دول العالم تخضع لنظام المحاصصة الوظيفية في الأمانة العامة إلا إسرائيل. نجحت هذه الحملة بدعوة الدول الأوروبية لضم إسرائيل «مؤقتا» إلى «مجموعة دول أوروبا الغربية ودول أخرى» ليصبح عددها آنذاك 27 دولة بما فيها كندا وأستراليا ونيوزيلندا، بينما تتمتع الولايات المتحدة بعضوية مراقب فقط. لكن المؤقت أصبح دائما واستقرت إسرائيل في هذه المجموعة، ثم ما لبثت المجموعة نفسها في جنيف أن ضمت إسرائيل إلى عضويتها عام 2013 وبالتالي رفعت كل القيود التي كانت تمنع إسرائيل من الترشح والترشيح في كل منظومة الأمم المتحدة بلا استثناء. في عام 2005 انتخبت إسرائيل لأول مرة نائبا لرئيس الجمعية العامة في دورتها الستين. كان المندوب الإسرائيلي واحدا من بين 18 نائبا، وكان العُرف، وليس القانون، الساري آنذاك ألّا يترأس المندوب الإسرائيلي أية جلسة عندما يأخذ الكلمة أحد المندوبين العرب كي يتحاشى أحدهما أو كلاهما الحرج، لكن ذلك الانتخاب اعتبر بالنسبة لإسرائيل إنجازا عظيما لأن فيه كسرا للمحرمات. وتمادى كوفي عنان الأمين العام آنذاك، وبالغ بالترحيب بإسرائيل في افتتاح الدورة قائلا: «إن أنصار إسرائيل يشعرون بأن إسرائيل تعامل بخشونة وتطبق عليها معايير لا تطبق على خصومها. وفي غالب الأحيان أن هذا القول صحيح، خاصة فيما يتعلق بأجهزة الأمم المتحدة». بدأت إسرائيل تعمل بهدوء من خلال أصدقائها في المجموعة وعلى رأسهم كندا وأستراليا والولايات المتحدة، بهدف إعادة تأهيل إسرائيل لتعامل كدولة عادية من دول المجموعة. كما أن فرنسا العاشقة الدائمة لإسرائيل بدأت تتبنى ترشيح إسرائيل نيابة عن المجموعة في اللجان والمجالس المختلفة، تحت حجة كسر المقاطعة العربية والإسلامية. لقد جاء ضم إسرائيل للمجموعة ليعطي إسرائيل منبرا مهماً ضمن دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى صديقة، خاصة كندا وأستراليا ليمكنها من الدخول في العديد من المواقع الأساسية المهمة في منظومة الأمم المتحدة.

أوروبا التي تدعي أنها النموذج في احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فلا غضاضة بأن يسمح لها بأن تكون فوق القانون الدولي

حاولت إسرائيل عام 2002 و2003 و2005 التسلل للجان حقوق الإنسان، لكنها فشلت في الحصول على الأصوات اللازمة، وانتخبت لأول مرة عام 2003 في لجنة نزع السلاح، ودخلت لجنة مكافحة المخدرات في العام نفسه. وفي يوليو 2005 عـُين محام إسرائيلي، ديفيد شاريا، في منصب مستشار قانوني للمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، وهي لجنة مهمة تشرف على أعمال فريق دولي يقدم المشورة لمجلس الأمن حول جهود مكافحة الإرهاب. وهو موقع رفيع وحساس. تابعت إسرائيل مجهوداتها بدعم من دول المجموعة، التسلل إلى اللجان المهمة والمقصودة في ذاتها. فقد انتخبت إسرائيل في 18 يونيوعام 2014 نائبا لرئيس اللجنة الرابعة، أو اللجنة السياسية الخاصة بتصفية الاستعمار بغالبية 74 صوتا، والمكلفة بمراجعة موضوع احتلال إسرائيل للأراضي العربية ومسألة اللاجئين الفلسطينيين وميزانية وكالة الأونروا، بالإضافة إلى مسائل تصفية الاستعمار. فكيف من يمارس الاستعمار يتكفل بمسألة تتعلق بتصفية الاستعمار. وإن دل هذا على شيء فإنما يفضح نفاق القارة الأوروبية، التي تدعي أنها النموذج الأعلى لاحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، إلا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فلا غضاضة بأن يسمح لها بأن تكون دولة فوق القانون الدولي. ثم تقدمت إسرائيل خطوة إلى الأمام عندما انتخبت بتاريخ 29 أكتوبر 2015 بغالبية 117 صوتا إيجابيا من بينها مصر لضم إسرائيل للعضوية الكاملة في لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي ومقرها فيينا. ولم يصوت ضد القرار يومها إلا ناميبيا. كما تم انتخاب إسرائيل بالاقتراع السري يوم الإثنين 13 يونيو 2016 لرئاسة أهم لجان الجمعية العامة وهي اللجنة القانونية. وقد حصل المندوب الدائم لإسرائيل داني دانون، على أصوات 109 من مجموع 177 دولة شاركت في الاقتراع. وقد امتنع عن التصويت 23 دولة ووجدت 14 ورقة غير قانونية. ولعل وصول إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية والمعنية بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات الدولية كان قمة إنجازاتها في منظومة الأمم المتحدة.
اللوم يجب أن يوضع على التفكك العربي، فعندما كان التضامن العربي في أقوى صوره بعد حرب 6 أكتوبر 1973 استطاع العرب أن يقنعوا العديد من دول العالم بقطع علاقاتها مع إسرائيل، بل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودعوتها عام 1974 للجلوس كمراقب في الجمعية العامة. وتمكنت المجموعة العربية في السنة التالية من اعتماد قرار داخل الجمعية العامة يعتبر «الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية». تغيرت الدنيا بعد اتفاقية كامب ديفيد والحرب العراقية الإيرانية واحتلال العراق للكويت عام 1990. تقسم العرب أشلاء وطوائف وتم إلغاء القرار المذكور عام 1991 في سابقة تاريخية. بعدها بدأ العد العكسي للتضامن العربي الحقيقي لينتهي الأمر بصعود إسرائيل وتعزيز مواقعها، خاصة وهي ترى الوضع الذي لحق بأمة العرب بعد ما جرى من حروب بينية وصراعات طائفية وحروب أهلية واحتلالات أجنبية. لم يبق أمام إسرائيل إلا دخول عضوية مجلس الأمن، فقد تقدم المندوب الإسرائيلي الأسبق دان غيلرمان عام 2005 بطلب لدى مجموعة «دول أوروبا الغربية ودول أخرى» بطلب ترشيح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة. وقيل له يومها إن المقاعد المخصصة للمجموعة محجوزة لمدة طويلة ولا نستبعد أن تعود وتجدد الطلب في ظل دعم دولي كبير يشمل بعض دول التطبيع العربي.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مليكة خلاف:

    يا للعار،، عندما يصبح الجلاد ضحية،، لقد انقلبت الموازين بدعم من دول تدعي الديمقراطية و تحاول بكل الوسائل شرعنة الاحتلال الصهيوني في فلسطين، لكن الامر ان يتم تزكيته على مستوى هيءة اممية يفترص انها مسؤولة عن تطبيق القانون الدولي،، و عليه فلاغرابة ان نقرا المزيد من الفضا ءح في قادم الايام،،

  2. يقول مليكة خلاف:

    عندما يصبح الجلاد ضحية تلك هي الطامة الكبرى،، ماذا ننتظر من هيئة دولية متكونة من دول مساندة للاحتلال الصهيوني تزكي اردان،، اصبحنا لا نتفاجا المزيد من الفضايح في قادم الايام

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية