انتصار الجنسية الاسرائيلية

حجم الخط
0

‘من المفهوم من تلقاء ذاته أن من حق الجمهور العربي في اسرائيل أن يرفض فكرة ‘تبادل الاراضي’ بصيغة افيغدور ليبرمان (التي هي فكرة باطلة بوضوح)؛ لكن ما الذي تشهد عليه حقيقة أن الجمهور العربي يريد أن يرفض هذه الفكرة؟ كان للالبانيين في كوسوفو ايضا حق كامل في التمسك بجنسيتهم الصربية، وما كان يحق لأحد أن يسلبهم إياها؛ بل هم الذين طرحوها في القمامة للتحرر من السلطة الصربية. أما العرب في اسرائيل فيتمسكون بجنسيتهم الاسرائيلية ويفضلون حكما اسرائيليا على حكم فلسطيني ـ حتى حينما يكون الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة بعد اتفاق سلام لا يفترض أن ينتقلوا هم اليها بل يفترض أن تأتي هي اليهم.
ليس من المؤكد أن دولة قومية ما حظيت في يوم من الايام بمثل هذا التعبير عن الثقة بجنسيتها وبنظامها (لا بسياستها على الخصوص) من قبل أقلية قومية في زمن صراع قومي شديد. إن السياسة الاسرائيلية لا يحسن وجهها في هذه القضية لكن الجنسية الاسرائيلية يحسن وجهها. فالقوميون اليهود والعرب ينافس بعضهم بعضا بلغة خطابية حماسية وتثبت الجنسية الاسرائيلية المشتركة بين اليهود والعرب أنها أهم كثيرا وأنها أعظم قيمة وأقوى مما اعتيد أن يُظن. فالاقلية والاكثرية معا أسلم عقلا مما يتوقع في وضع مجنون.
إن موقف الجمهور العربي هذا لا يناقض ألبتة التصور الذي تقبله اكثريته الكبيرة وهو أنه جزء من الشعب الفلسطيني. ومن كاليهود يعلم أن الشخص يمكن أن يؤيد أبناء شعبه في دول اخرى وأن يرى دولة اخرى أنها الوطن القومي لشعبه وأن يبقى مع ذلك يعيش خارج حدودها. ولا يناقض هذا الموقف ايضا الانتقاد ـ مهما يكن لاذعا ـ للواقع الاسرائيلي وللسياسة الاسرائيلية. لكنه يناقض عددا من التصريحات الحماسية المعروفة التي تصاحب هذا الانتقاد احيانا. فمن حق انسان أن يأتي فيقول: ‘أنا فلسطيني بطاقة هويتي الاسرائيلية فرضت علي وأنا أفضل أن أكون خاضعا لنظام فصل عنصري ولسلطة قمع فاشية عنصرية استعمارية ـ أفضل كل ذلك بشرط ألا اضطر الى العيش تحت سلطة فلسطينية’.
ولا يستطيع من يحقق حقه الديمقراطي في التعبير عن هذا الموقف أن يمنع الآخرين من تحقيق حقهم الديمقراطي الذي هو الاستهزاء حين سماع هذا الكلام.
سيقول يهود كثيرون إن ‘كل ذلك بسبب التأمين الوطني’، لكنه أكثر من التأمين الوطني. من الواضح أن انجازات الدولة الاقتصادية والاجتماعية جزء من عظمة الجنسية الاسرائيلية وجاذبيتها.
لكن استطلاعات كثيرة للرأي تُبين منذ سنين أن بضع عشرات في المئة من المواطنين العرب (بين 40 الى أكثر من 50 بالمئة) يقولون ـ حتى في الظروف القاسية اليوم ـ إنهم يفخرون بأنهم اسرائيليون وإنهم وطنيون اسرائيليون. وهم يقولون مع ذلك ايضا كلاما قاسيا على الأذن اليهودية، وهو ما يثبت أن أجوبتهم صادقة وأن الوضع مركب وأن علاقتهم بالدولة مركبة ايضا.
‘أفخر بأني اسرائيلي’، هذه مقالة قوية أكثر كثيرا من مقالة ‘مهما يكن اليهود سيئين فان النظام العربي يتوقع أن يكون اسوأ، ومن الجيد أن يوجد تأمين وطني’. إن حقيقة أن صورة العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة مركبة وليست سيئة ببساطة هي انجاز كبير ـ للطرفين ـ في الظروف القائمة. فلو كانت هذه العلاقات سلبية فقط لأصبحت حياتنا جميعا يهودا وعربا، جحيما بسهولة. إن لمواطني اسرائيل من اليهود والعرب ما يكفي من العقل لعدم الوصول الى هناك. يفترض أن يطمح وزير الخارجية الاسرائيلي الى أن يشعر سكان المثلث شعورا أكبر بأنهم اسرائيليون لا أن يقترح أن يكفوا عن كونهم اسرائيليين.

‘هآرتس 26/1/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية