كثيرا ما يتملكنا الضيق عندما لا نستطيع رد إهانات الآخرين، أو الاعتداءات غير المبررة. وقد يجنح البعض إلى إعادة الموقف في ذهنه مرات عدة مرددا «يا ليتني قلت كذا» أو «تصرفت هكذا». وغالباً، ما ينسى الفرد السويّ أو المتسامح الإهانة أو الاعتداء، لكنّ هناك آخرين يعتبرون أي إساءة ـ حتى لو كانت طفيفة ـ اعتداء سافرا، ومن الواجب رد الصاع صاعين؛ لإخماد نيران الشعور بالعار الذي لحق بنفس المعتدى عليه.
وقد قام فريق من الباحثين السويسريين بإجراء تجربة لمعرفة ما يحدث في الدماغ عندما ينتقم أحدهم ممن ظلمه أو اعتدى عليه. ففحصوا أدمغة أشخاص بعد تعرضهم للظلم في أحد الألعاب التي أقيمت في المختبر، في إطار التجربة، وأعطوهم الفرصة للانتقام ممن ظلمهم. وفي أثناء ذلك، قاموا بفحص دماغ المظلوم أثناء تصوُّره طريقة تنفيذ الانتقام، وأثناء التنفيذ. والمفاجأة، ملاحظة حدوث نشاط في النواة المذنَّبَة Caudate Neuclus، التي تتحكم في الجزء من الدماغ المسؤول عن المكافآت، أي أن تنفيذ الانتقام كان بمثابة المكافأة التي تسبب السعادة والحبور. الانتقام كما وصفه الفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون (1561- 1626) هو: «أنه ضرب من ضروب «العدالة الجامحة» التي تعزل القانون من منصبه».
ولم يكن فرانسيس بيكون من مؤيدي فكرة الانتقام التي تحقق التشفِّي من الظالم عندما يراه المظلوم يعاني كما فعل به، وأكد على ذلك بقوله: «من يدبِّر للانتقام سوف تظل جراحه الحديثة مفتوحة، التي لولا ذلك لكانت التأمت». ففي بداية الأمر، يصير الانتقام بمثابة التحرر العاطفي من تجربة قاسية؛ لأنه وسيلة تحقيق العدالة، ما يجعل المرء يشعر بالتحسن ـ كما تلح على ذلك الأفلام. وعلى الرغم من ذلك، للانتقام تأثير معاكس، فقد وجد علماء النفس أن الشعور بالرضا فور تنفيذ الانتقام لا يدوم سوى لحظات قصيرة؛ لأنه لا يخمد نيران الظلم في نفس المظلوم، بل يزيد من عدم الشعور بالرضا إزاء ما ارتُكِب في حقه من جُرْم، ما يعطي الفرصة لخلق سلسلة لانهائية للانتقام من المُعتدِي، وقد يزداد الأمر سوءاً عندما يتبادل الطرفان الانتقام من بعضهما بعضا، حيث يتحول الأمر إلى كارثة جميع أطرافها خاسرون. وقد صورت فكرة الانتقام رواية «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما» (1802-1870). وتعتبر الرواية واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي توضح فكرة التلذذ بتنفيذ الانتقام بدم بارد، بناء على خطة محكمة تستغرق سنوات طويلة من التفكر والتدبر؛ لنسج خيوط الانتقام، وإحكام السيطرة على الظالم. وبالفعل، تثمر الخطة في نهاية المطاف، ويحظى المكلوم بنصر مكين.
وقد يظن البعض أن الانتقام بهذه الطريقة لا يسير إلا في أُطُر الروايات والأفلام، لكن بالنظر عن كثب، يلاحظ أنه أشد وطأة وأكثر عنفاً على أرض الواقع، وأن الانتقام لا يسري بين الأفراد، أو العائلات فقط، بل أيضاً بين الحكومات والدول. وذاك الأمر صار نهجا على مرّ العصور، ولا يستثنى من ذلك العصر الحديث.
صارت مقاليد الاقتصاد في أيدي الصين؛ فهي مصنع العالم، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، والجهة التي تلوِّح بمنتجاتها للعالم، فيهرول صوبها؛ للحصول عليها.
قديماً شاع المثل القائل: «الانتقام وجبة من الأفضل تناولها باردة» وقد تناولتها الصين «باردة» وتتلذذ بطعمها حاليا. فمنذ الهزيمة النكراء التي لحقت بها على أيدي البريطانيين 1840-1842 في ما يُعرف باسم «حرب الأفيون» أخذت المملكة الصينية تتهاوى من جراء سلسلة من الحروب التي تم شنها ضدها من قبل أطراف عدة.
كانت الصين إمبراطورية عظيمة وشديدة الثراء، وكانت منتجاتها من البهارات والحرير والخزف تتهافت عليها الدول، وينفقون أموال طائلة للحصول عليها؛ لما لها من سوق رائج وسمعة طيبة. أما امبراطورية بريطانيا العظمى، التي لا تغيب عنها الشمس، راعها كثيراً أن تجد نفسها لأول مرة أسيرة الشراء لمنتجات استهلاكية تستوردها من إحدى الدول. ولم يقف الأمر عند ذالك وحسب، فحين تنبهت وجدت نفسها تنفق من مخزون الذهب والفضة لديها، لتعطيه لدولة آسيوية بدائية، لا تستورد منها أي شيء على الإطلاق، وغير راغبة في شراء أيِّ من منتجاتها البراقة، التي يتهافت عليها جميع دول العالم. ولما استعصى على بريطانيا فتح أسواق الصين لمنتجاتها ـ حتى لا تدخل المزيد من الأموال الإنكليزية في جيوب الصينيين ـ قررت إجبار الصين على الشراء بقوة شن الحرب عليها. ولما تصدت لها الجيوش الصينية الباسلة وطردتها، قررت تدمير الشعب الصيني بأكمله، ونهب أمواله قسراً، عن طريق شن ما يسمى بـ»حرب الأفيون» الأولى والثانية، التي جرّت في أذيالها سلاسل من الحروب قضت على الإمبراطورية الصينية، وجعلت شعبها الهائل العدد لا يجد قوته، وغارقا في المجاعات؛ لدرجة أنه لم تكن تتوافر لديه المياه اللازمة لزراعة الأرز؛ حتى يسد جوعه، بعد ما كان يرفُل في الحرير والذهب والفضة. ومنذ ذاك الحين، تعوّد الصينيون على أكل كل ما يتوافر أمامهم، حتى ولو كان «جيفة». وفي الوقت نفسه، أقسم الصينيون على أنهم سيستعيدون شرفهم وينتقمون من أعدائهم، بعد قرن من الزمان، وأطلقوا على هذه الحقبة «المئة عام من الذل».
وبعد مرور سنوات طوال، سنحت الفرصة للصينيين لتنفيذ خطة الانتقام، وكانت شرارة البدء، الزيارة الودية للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون للصين في منتصف السبعينيات؛ لمدّ جسور العلاقات بين البلدين، في إطار الجهود الأمريكية للقضاء على الفكر الشيوعي المناهض للرأسمالية؛ لأن الصين ذات الفكر الشيوعي، كانت من أنصار الاتحاد السوفييتي المناهض لأمريكا، وأمريكا راغبة في تقويض حلفاء الاتحاد السوفييتي وضمهم إليها، وذلك من أهم ركائزها في الحرب الباردة بينهما. ومن ثم، اعتقد الأمريكيون أنهم بدخولهم الصين وعمل مشروعات استثمارية، لسوف يغيِّر ذلك من الفكر الصيني، ويجعله يتجه للرأسمالية العالمية. وسارت الخطة كما رغبها الجانب الأمريكي تماما، وأخذت الصين في الانفتاح أكثر على أمريكا، إلى أن «التهمت» استثماراتها، واستنزفت أموالها واقتصادها وتكنولوجياتها. وفي تلك الأثناء، انفتحت على أوروبا، وصارت أكبر موِّرد لها، بل صارت منتجاتها الأكثر رواجا. وبالتأكيد، لم يكن من الصعب عليها الانفتاح على الشرق الأوسط.
حاليا، صارت مقاليد الاقتصاد في أيدي الصين؛ فهي مصنع العالم، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، والجهة التي تلوِّح بمنتجاتها للعالم، فيهرول صوبها؛ للحصول عليها. لقد استعادت الصين امبراطوريتها القديمة ومجدها السابق كدولة مصدرة «فقط» لمنتجات لا مثيل لها، بل جعلت شعوب العالم، خاصة العالم الغربي، «يدمن» المنتجات الصينية، التي صارت بمثابة «أفيون» من نوع جديد. فهل سيقف سيف الانتقام عند ذاك الحد؟
كاتبة مصرية
انتقام و ياله من انتقام ، انه انتقام حلال صراحة ، فهذا المارد الصيني الهائل على الاقل انتقامه ناعم وشفيف الى حد الادمان عليه !!!!!!
هل يقارن انتقامها بظلم الامم الاوربية المستعمرة ؟!!!!!
انتقمت الصين من الغرب، فهل دائرة الانتقام سو تتسع لتشمل اليابان؟؟
وماذا يحصل في دماغ السويسري عندما ينتقم من المسلمات المحتشمات اللواتي يرفضن المصافحة وذلك بمعاقبتهن بمنعهن من اللباس المحتشم؟