تتعميكان نوركين، رئيس سرب جوي في سلاح الجو، كان رضيعا ابن نصف سنة عندما بعث رئيس الوزراء ليفي اشكول الى رئيس الاركان اسحق رابين برسالة علنية، فريدة من نوعها؛ لا مثيل لها في تاريخ علاقات الحكومة والجيش في اسرائيل وهي جديرة بالقراءة الموجهة.’ فمضمونها’ كفيل بان يبدو كعرض متحفي في اعقاب الاتفاق هذا الاسبوع بين القوى العظمى وايران على تجميد مؤقت لسعيها نحو السلاح النووي. فالوضع الجديد الذي يتبلور في المنطقة يفرض التحديات على المفاهيم الاساس في العقيدة الامنية، ارث دافيد بن غوريون في ظروف مختلفة جدا. فلسلاح الجو، الذي يعتبر نوركين هو احد أربعة كبار الضباط فيه المعنى يمكن ان يكون انتهاء عصر الضربة الاسرائيلية الاولى. بشرى تحديث مبنى قيادة الاركان في سلاح الجو في السنة القريبة القادمة تفيد بالتكيف للعصر الجديد الذي بدأ لتوه. ‘اشكول، بعد اسبوع من انتهاء حرب الايام الستة، تألم ليس فقط لاضطراره التخلي عن حقيبة الدفاع في صالح موشيه دايان عشية القرار بشن الحرب بل وايضا ادعاء دايان في نهاية الحرب بان الجيش الاسرائيلي لم يبنى كما ينبغي في سنوات اشكول رابين. ففي الرسالة الى رابين والى الجمهور رد اشكول على دايان دون أن يذكر اسمه، بسلسلة لذعات لدرجة التلميح بان ا نجازات الحرب جاءت رغم دايان وليس بفضله. فمعظم الثناء والمديح الشخصي أبقاه اشكول لسلاح الجو ولقادته اللواء عيزر وايزمن، الذي كان من بناة ومصممي قوة سلاح الجو على مدى سنين، والقائد الحالي، اللواء مردخاي هود، الذي اشرف على عمليات السلاح’. ‘حملة ‘موكيد’ لتدمير سلاح الجو المصري في قواعده، اعدها وايزمن ونفذها هود، القائد الذي رشحه وايزمن لخلافته. وايزمن، عظيم أنبياء القوة الجوية في ضوء قيادة سياسية وعسكرية شكاكة، كان مثل موسى على جبل نابو. وبالمقابل من هيئة الاركان، نظر الى مواصلي دربه ينفذون رؤياه. لم تكن الضربة الاولى اختراعا اسرائيليا. وفي العام 1967 كانت مفاجئة بالذات لان نجاعتها ثبتت في حروب سابقة. ولكن نجاح ‘موكيد’ خلق وهما بان سلاح الجو الاسرائيلي كلي القدرة ودفع الجيوش العربية واسيادهم السوفييت الى اعداد حلول لذلك. ‘الغاية الفورية من خطط سلاح الجو للهجوم على المطارات العربية كانت منع تدمير سلاح الجو نفسه. فقد اراد وايزمن ان يعمل لغيره بالضبط ما كان يكرهه. في تموز 1962 اوصى وايزمن ‘باستباق العلاج للضربة، ومهاجمة العدو أولا’، لان الطلعة الاولى ‘هي مرحلة القتال في الجو التي تقرر ويحتمل التي تحسم. هدفنا ومن جهة اخرى هدف العدو ان نوجه في هذه الطلعة كامل الضربة على مطارات وطائرات العدو، على الارض’. وفي الحالة الخطيرة شرح بانه في ‘مبادرة العدو للهجوم، حين يكون المهاجم أولا، من شأنهم (العرب) أن يلحقوا ضررا جما بالطائرات والمسارات’. ‘لقد كانت لسلاح الجو ثلاث قواعد طيران فقط رمات دافيد، حتسور وتل نوف. واحد استنتاجات البحث في تعرض السلاح لهجوم العدو دفع الى اقامة مطار رابع، حتساريم. الاستنتاج الهجومي الذي ورثه وايزمن من سلفه دان تلكوفسكي ولكن باشرافه تطور الى قاعدة كاملة، كان الاهمية العليا للضربة الاولى. وقد تحققت التوقعات وحقق سلاح الجو تفوقا مطلقا في الساعات الاولى من الحرب، منح الجبهة الداخلية العسكرية والمدنية لاسرائيل حصانة شبه تامة من الاصابة واتاح للقوات البرية تحقيق انجازات على الارض، بالتوازي أو بالتدريج في الجبهات الثلاثة في غضون ستة ايام. غير أن ‘موكيد’ لم تصبح سابقة. ففي اعقاب الضربة الاولى في 5 حزيران 1967 فرض على اسرائيل حظر (فرنسي وفي البداية امريكي ايضا). في الازمات التالية، كان الخوف من رد من القوى العظمى للاعتبار الاساس لرئيسي الوزراء، غولدا مائير في تشرين الاول 1973 واسحق شمير في كانون الثاني 1991 في رفضهما اقرار ضربة جوية اولى. في حرب لبنان انتظرت اسرائيل أربعة ايام حتى هاجم سلاح الجو منظومة صواريخ ارض جو السورية. وكان النجاح، في المعارك الجوية ايضا كاملا وساعد في اعادة بناء المكانة الجريحة للسلاح من حرب يوم الغفران. ولكن في الساحة السياسية، المقررة، انتصر حافظ الاسد. ‘منذ حزيران 1982 لم تشارك اسرائيل في حروب ضد جيوش عربية، بل فقط ضد منظمات، ومنذ تشرين الثاني 1985 لم يعلق سلاح الجو في معارك مع طائرات العدو. وفي العقود الاخيرة، بلا ‘موكيد’ اخرى، ولد نوعان من ‘الموكيديين’ الهجوم المفاجيء على المنشآت النووية (العراق 1991 وسوريا 2007) والاحباطات المركزية. غير أن ‘موكيد’ كانت خطوة بدء في معركة كبرى، برية في اساسها، أما الهجمات على المنشآت النووية قرب بغداد، وفي شرق سوريا، بقيت بلا رد وتواصل. ومشاركة سلاح الجو قتل نشطاء الارهاب اللبنانيين والفلسطينيين كان اغتيالا جويا. حسب راحة المخططين الذين فضلوه على الاغتيالات الاكثر أرضية. ‘كما ان الهجوم على صواريخ لحزب الله، حماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني، في لبنان في 2006 وفي غزة في 2008 ومرة اخرى في العام الماضي ليس طموحا كـ ‘موكيد’. فللمنظمات الاف وعشرات الاف الوسائل القتالية الصاروخية. والضربة الاولى لسلاح الجو، مهما كانت منسقة ودقيقة ستقضي في اقصى الاحوال على مئات منها. ومع ان هذا سيوفر ضربة نوعية لقواعد السلاح، اهداف البنى التحتية ومراكز الحكم، ولكن بثمن نزع المبرر اللازم لاسرائيل في المعركة السياسية. والمعنى هو أنه مطلوب استفزاز معادٍ عملية، اختطاف تشكل تحديا قبل الرد الاسرائيلي والعملية الجوية التي تأتي في اعقابها لن تكون، من حيث التعريف، ضربة اولى. نوركين، كرئيس شعبة العمليات في سلاح الجو في 2006، اشرف على تخطيط حملة ‘مشكال سيجولي’ (وزن دقيق) لتدمير الصواريخ بعيدة المدى لحزب الله، على اساس تجربته في حينه وفي حملات معقدة اخرى كتب في بحث في موضوع ‘تأثير ثورة المعلومات على مبنى القيادة والتحكم في القوى الجوية’. وبدا تعبير ‘الصمت المطبق’ الذي تأثر بخطة ‘موكيد’ بدا قديما في عهد تكنولوجيا نقل المعطيات في الشبكات. وسعى نوركين الى تحديث ثلاثة اهداف قيادة العمليات في سلاح الجو الاستخبارات، التخطيط والتحكم في ضوء مهامه المختلفة، مثلا الهجوم على المطارات، الهجوم على وسائل اطلاق الصواريخ المتحركة والاحباطات المركزة. ويمكن أن نضيف الى هذا ايضا قيادة حملة قوة منقولة جوا في العمق، مثل استخدام وحدة سييرت متكال وشلداغ في حملة ‘حاد فيحلاك’ (حاد وسلس) في بعلبك في 2006 من موقع القيادة في سلاح الجو. هذا النوع من الحملات من شأنه أن يحتك بقيادة العمق التي اقيمت في الجيش الاسرائيلي قبل سنتين. وحل محتمل لتقليص الاحتكاك سيكون ترفيع عميد من سلاح الجو ليكون قائد العمق. ” عندما تحدث بن غوريون والقيادة العسكرية في الخمسينيات عن نقل المعركة الى ارض العدو، كانوا يقصدون الدول المجاورة لاسرائيل والتي يمكن الوصول اليها بالسفر، اذا كان يراد البقاء فيها لزمن طويل. اما بالنسبة للدول البعيدة، مثل العراق وايران، فيمكن فقط الامل في العودة الى الديار بسلام. فاذا كانت مصر ترفض العودة الى عادتها الحربية، وسوريا مشغولة بشؤونها وباراك اوباما يسلب من بنيامين نتنياهو ايران، فقد انقضى عصر الضربة الاولى. هذا لا يعني اعفاءً من الاعداد للضربة الثانية التي يساهم وجودها في ردع العدو عن الضربة الاولى. ومن الافضل ايضا الاستباق وتوجيه ضربة سياسية، مبادرة سلام. ليس صدفة أن وايزمن اياه، محرك ‘موكيد’ كان من اوائل من فهموا اهمية مبادرة السادات في تشرين الثاني 1977، للعمل في سبيل السلام مع عناصر امنية ومعارضة المستوطنات والحروب التي يمكن تفاديها من اجل التمسك بالمناطق.