انشغل باكراً بوصول ثياب التبرعات لمن يحتاجها واستحق جائزة «تكريم» للمبادرين الشباب عمر عيتاني: «فابريك أيد» هدفها الأقمشة وتأمين الملابس لمن يحتاجها بسعر رمزي

زهرة مرعي
حجم الخط
1

بيروت ـ «القدس العربي»:  قراءة سيرة نجاح فردي لشاب من لبنان أمر مفرح. فسيرة الحياة واستمراريتها في هذا الوطن الصغير معقدّة. وكل حق طبيعي للفرد يلزمه تذكية الطائفة أو القبيلة، إن نال مكرُمة رضاهما. عمر عيتاني تميز وهو تلميذ في المدرسة، ومن ثمّ طالب في الجامعة بفكر نيّر توجه نحو الملابس وكيفية الإستفادة منها دون هدر مطلقاً. في المدرسة أسس مع زملائه شركة «فيزيو» كي تذهب الملابس التي لا نحتاجها إلى هدفها الصحيح. وفي الجامعة كانت شركة «فابريك أيد» المستمرة بنجاح كبير حتى الآن.

توسع مشروع عمر عيتاني وهو يتابع مع عشرات الموظفين جمع تبرعات الملابس، وتوضيبها وعرضها في محال منتشرة في المناطق الشعبية وتحمل اسم «سوق الخْلَنْج» وبيع القطعة بين 2000 و10000 ليرة لبنانية. المشروع الجديد والقريب جداً فروع في الأردن، ومن ثمّ مصر.
عمر عيتاني شاب مميز بأفكاره استحق العديد من الجوائز منها جائزة بطل الأرض الشاب لغرب آسيا من الأمم المتحدة سنة 2019 لعمله على الحد من نفايات النسيج. وأحدث جوائزه من مبادرة «تكريم» العربية حيث حصد جائزة «المبادرون الشباب».
مع عمر عيتاني هذا الحوار:
○ الجوائز تتوالى عليك واحدة فرنسية وأخرى من الأمم المتحدة اللتان توجتا بجائزة «تكريم» العربية. ماذا يعني لك ذلك؟
•إنها جوائز تؤكد أهميّة ودور المؤسسات الاجتماعية في منطقتنا العربية. التفتت هذه المؤسسات إلى دورنا وحضورنا في العمل الاجتماعي بعد تسليط الضوء عليه. فنحن ومن خلال مؤسستنا نتمكن من تنفيذ العديد من المشاريع التي تعود بالفائدة على مجتمعنا. ننال الجوائز ونستمر بالعمل والنمو، وفي الوقت عينه نعمل لصون استقلالية عملنا.
○ شركة «فابريك أيد» هل كانت وليدة الصدفة؟
•انطلقت «فابريك ايد» كعمل تطوّعي تشاركت فيه مع أصدقائي في الجامعة. كان هدفنا ان نتبرع بالملابس لمن يحتاجها. واكتشفنا سريعاً كم من الصعب ان تلبّي تبرّعاتنا حاجة الناس الذين رغبنا باستهدافهم في عملنا هذا. والسبب بسيط ومهم في الوقت نفسه، ويتمثل باختلاف الأذواق، والقياس، وطبيعة أعمال الناس المستهدفين. بالتدريج بان لنا جلياً الإقبال على نشاطنا التطوعي هذا، وقررّنا ان نطوّر عملنا.
○ كيف تطورت الشركة وكبُرت وزاد عدد العاملين فيها؟
•ثقة الناس بنا وبأعمالنا هي التي ساعدتنا على التوسّع. وبعد الانهيار الاقتصادي في لبنان بشكل خاص، زادت حاجة الناس الى إقتناء ملابس بأسعار مناسبة.
○ كم تشغلك مخلفات الإنسان من نفايات وملابس واستهلاك غير منطقي؟
•نستهدف بعملنا كل ما هو أقمشة. لدينا مشاريع كثيرة لإعادة تدوير نفايات الأقمشة لتتحوّل إلى قطع جديدة. بهذه الطريقة استطعنا ان نستعمل كل أنواع الثياب بطريقة مناسبة بدون ان نتلف أي قطعة من القماش.
○ ما هي هذه المشاريع؟ وماذا تصنّعون من القماش؟
•نصنّع الملابس وحاجيات أخرى من كل ما يتبقى من أقمشة. على سبيل المثال فإن محلاتنا الأكثر انتشاراً في المناطق اللبنانية الشعبية والتي تحمل اسم «سوق الخْلَنِج» عجزت عن تصريف حوالي 2000 بدلة رجالية. والسبب أن الحياة اليومية لهؤلاء الناس لا تحتاج لهذا النوع من الملابس. نجمع الملابس بطبيعة الحال من الحاويات المنتشرة في لبنان والتبرعات الآتية من الجاليات العربية في الإمارات العربية وأوروبا وغيرها. ولدى فرز تلك الملابس فإن 80 في المئة منها يذهب إلى محلات «سوق الخْلَنِج». وهذه المحلات تتواجد في عكّار، وطرابلس، ووادي الزينة، وبرج حمود. وأسعار معروضاتها رمزي للغاية، ويتراوح بين2000 و10000 آلاف ليرة لبنانية للقطعة. بحدود 6 في المئة من الملابس فقط لا تُصرّف في تلك المحال، فيكون مصيرها العرض في محلات تحمل اسم «ساكنيد بيس» لتباع بسعر أغلى، والهدف دعم محلات «سوق الخْلَنِج» مادياً، من بدل إيجار وأجور عاملين وعاملات. ومن رحم ما عجزنا عن بيعه في المحلين المذكورين سابقاً كما البدلات الرجالية الـ2000 التي تتميز بتصميم قديم جداً، ولد لدينا مشروع «ريبليد». وهذا المشروع يتمثّل بإعادة صناعة ملابس جديدة، من تلك العتيقة وغير المرغوبة. وميزة الملابس المُعاد تصنيعها أنها تقع تحت تصنيف يومية الحاجة والاستعمال. وهذه المصنوعات نسوّقها خارج لبنان كونها تتميز بقماش جيد جداً لجهة النوعية. ويعود الربح الذي نحققه منها لإفتتاح محال جديدة لـ«سوق الخْلَنْج». أما الجينز الممزق، والتيشرت القديم، والشرشف، وبيوت الوسادات وسوى ذلك، فهذه ما نعيد صياغته من جديد ليصبح حقائب صغيرة، وبيت للأقلام وغير ذلك. وهي تباع للمحلات وربحها يعود كذلك لدعم «سوق الخْلَنْج».
○ كم يبلغ عدد السلال التي تجمع الملابس في بيروت الآن؟
•لدينا أكثر من 150 حاوية تجميع في لبنان حتى الآن. كما نتلقى أيضاً تبرعات من الملابس مرسلة من الجاليات اللبنانية في الخارج، أو عبر شراكات عقدناها مع شركات عالمية.
○ هل اللبنانيون مستهلكون للملابس حسب خبرتك في شركتك؟
•نعم هناك استهلاك كبير للملابس في لبنان. حتى في هذه الظروف الصعبة وهي الأصعب في تاريخنا نلحظ وجود طلب على الملابس والمستعمل منها بشكل خاص. فالرغبة بالتغيير تشغل الكثيرين. نحن نتواجد في مناطق ظروف الحياة فيها صعبة للغاية والناس تقصد محلاتنا. كنت أتحدث مع شاب «كهربجي» قال لي «عيب أن اذهب إلى منازل الناس لإصلاح الكهرباء يومياً مرتدياً القميص نفسه ولهذا أقصد محلاتكم».
○ إذاً كيف انعكست الأزمة الاقتصادية عليكم؟
•واجهنا مشاكل على صعيد التجميع نتيجة تراجع حجم التبرّعات. لكن الأزمة سمحت لنا ان نفتح متجر «سوق عكاظ» وهو اليوم أحد أهم المشاريع التي نعمل عليها. إنه متجر مستقل عن التبرعات كلياً ويستهدف الطبقة المتوسطة.
○ أين يقع «سوق عكاظ» وما هي آلية عمله؟
•نشتري الملابس المستعملة من الناس، ونعرضها في المحال التي تحمل هذا الإسم. وما نحصّله من أرباح يسدد بعض مصاريفنا. أرباح محال «سوق عكاظ» منفصلة تماماً عن ملابس التبرعات. وهو مخصص للطبقة المتوسطة التي قد ترغب ببيعنا بعض ملابسها، وقد تشتري من عندنا الملابس التي تتميز بأنها «براند». تنتشر محال «سوق عكاظ» في الحمرا، وفرن الشباك، وجونية وقريباً المنصورية وصيدا.
○ وماذا عن الإقبال؟
•ممتاز جداً، فنحن نعرض في «سوق عكاظ» الماركات العالمية. كما أن الناس بدأت ترغب ببيع ملابس لا تحتاجها، خاصة ملابس الأطفال التي تتبدل سريعاً بفعل النمو. وهذه القطع تخضع للتنظيف والكوي ويضاف إليها مصاريف المحل لتباع بسعر معقول جداً.
○ لكن شركة «فابريك أيد» وجدت لمساعدة محدودي الدخل؟
•صحيح. محلات «سوق الخْلَنْج» تتواجد في مناطق مهمّشة بهدف مساعدة أهل المنطقة الذين يعيشون في نطاقها على اقتناء ما يحتاجون أو يرغبون من ملابس بأقل الأسعار. ويمكن لكل من يرغب ان يستفيد من محلاتنا أيضاً.
○ كيف أمّنت المال في انطلاقتك الأولى؟
•من خلال المشاركة بمسابقات تستهدف دعم الشركات الناشئة. ربحنا مبالغ صغيرة ساعدتنا على الانطلاق.
○ كم عدد العاملين في شركتكم؟
•حالياً 94 موظفاً/فةً والأمل أن يرتفع الرقم إلى ما يفوق الـ200 نظراً لحاجة المحال التي سنفتتحها لليد العاملة. وجديدنا المقبل سوقان جديدان لعكاظ، في لبنان في كل من المنصورية وصيدا. ونحن بصدد إفتتاح فرعين لـ«سوق الخْلَنْج» في الأردن وواحد لـ«عكاظ». مكاتبنا الرئيسية في لبنان ولدينا مكاتب في الأردن، وقريباً سنكون في مصر.
○ العبء البيئي من الملابس والنفايات على أنواعها هل يصدمك حجمها؟
•الأرقام كبيرة ومفزعة. لقد زاد استهلاك الثياب 400 في المئة في الـ 20 سنة الماضية. وأكثر من نصف الملابس المستهلكة تصل إلى حاويات القمامة من دون ان يعاد تدويرها.
○ أين أصبحت شركة «فيزيو» لإدارة النفايات التي أسستها عندما كنت في المدرسة؟
•شركائي في «فيزيو» تفرقوا بعد الشهادة الثانوية. وكان عليّ اتخاذ القرار بين ان أتابع دراستي الجامعية أو متابعة العمل لتطوير «فيزيو». أقنعتني نصيحة من أهلي بأن أتابع دراستي الجامعية، وأن يكون هدفي المستقبلي فور التخرّج إعادة إنشاء شركة «فيزيو». وكان أن أسست شركة «فابريك ايد» وانا بعد على مقاعد الجامعة، وهي تحمل أهدافاً شبيهة بشركة «فيزيو» وها نحن مستمرون.
○ مع رحيل آلاف الشباب عن لبنان بفعل الأزمة وعدم الإيمان بالسياسيين. هل خطرت لك الفكرة؟
•كلا، لم تخطر لي الفكرة مطلقاً. فالحاجة ماسة لأن نكون في وطننا وخاصة الآن. يتمتع عملي بخاصية تمكنني من ان أخدم وطني وأهله، وان أساهم في التغلب على هذا الواقع السيئ في لبنان.
○ ماذا تقول للشباب في لبنان؟ هل من أمل؟
•طبعاً الأمل موجود دوماً. وبرأيي أن المبادرات الصغيرة لها مستقبلها الكبير في لبنان وكل المنطقة العربية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فريد عبدالله:

    مشروع رائع. أحسنتم.
    كيف يمكننا التواصل معكم لدعم مشروعكم في ألاردن؟

إشترك في قائمتنا البريدية