انقذوا شيعة العرب

«لا مانع من أن تلقي بي في قاع جهنم، لكنْ لي شرط واحد، ألا أسمع هناك حرفا واحدا من اللغة العربية فيزيد عذابي عذابات».
تلك العبارة جزء من قصيدة ألقاها الشاعر الإيراني مصطفى بادكوبه في همدان عام 2013، يصب فيها جام سخطه على العرب، سائراً على نهج الفردوسي الشاعر الفارسي، الذي يعد أب القومية الفارسية، صاحب ديوان «الشاهنامه»، الذي يطفح بالشعوبية الفارسية المبغضة لجنس العرب، ولم يجد الرئيس الأسبق أحمدي نجاد أفضل منه هدية يقدمها لبابا الفاتيكان.
القرائن أكثر مما تحصى في هذا المقام للدلالة على الشعوبية الفارسية في إيران، التي تبغض الجنس العربي، رغم أن هناك شريحة واسعة من شيعة العرب يدينون بالولاء لإيران.
مرّ شيعة العرب بمرحلتين، الأولى قبل الثورة الإيرانية، وكان شكل الارتباط بينهم وبين إيران مذهبيا علميا، عن طريق التأثر بالمرجعيات العلمية في «قم»، باعتبار إيران الدولة الوحيدة التي يغلب عليها الطابع المذهبي الشيعي، لكنه كان بعيدا عن الارتباط السياسي إلى حد كبير، باستثناء بعض محاولات الاختراق الإيرانية لشيعة العرب في عهد الشاه.
إلى هنا لم تكن هناك غضاضة، فهناك كثير من أهل السنة في البلدان الإسلامية مثلا يعتبرون مرجعيتهم العلمية في دول غير التي يعيشون فيها، كالمرجعيات العلمية في السعودية أو الشام أو الأزهر في مصر.

هناك شريحة كبيرة من الشيعة العرب يعيشون في أوطانهم محبين لها رافضين للنفوذ الإيراني في بلدانهم رغم وحدة المذهب

لكن المشكلة الكبرى كانت المرحلة الثانية التي مرّ بها شيعة العرب، وهي مرحلة ما بعد اندلاع الثورة الإيرانية، التي غيرت من شكل هذا الارتباط، بعد أن جادت قريحة الخميني بنظرية ولاية الفقيه، التي ينوب بموجبها، أكبر فقهاء المذهب الإثنى عشري عن الإمام الغائب وفق التصور الشيعي، وهذه النظرية أتاحت لإيران تصدير الثورة الإيرانية ورفع راية الجهاد التي لا يمكن أن ترفع من دون الإمام الغائب المنتظر من نسل علي رضي الله عنه، ولكن كما أسلفنا حلّ الخميني هذه المعضلة، فجعل الولي الفقيه ينوب عن الإمام.
كما أتاحت هذه النظرية لإيران جمع الشيعة العرب على المذهب، وتحريكهم سياسياً في الوطن العربي، حيث أصبحت الراية العظمى التي تغري الشيعة، عربهم وعجمهم، بالانضواء تحتها، فأصبح كثير من شيعة العرب واقعين تحت الضغط العقدي الذي أوقعهم في تناقضات المذهبية والمواطنة. بموجب ولاية الفقيه، يرسل بعض شيعة المذهب الخُمس إلى إيران، وأعلن حزب الله اللبناني تبعيته المطلقة لإيران، عندما صرح حسن نصر الله بأن الحزب يمثل إيران داخل لبنان، وصرّح عبد الوهاب حسين زعيم تيار الوفاء الشيعي بالبحرين أن تيار الوفاء يؤمن بولاية الفقيه حتى النخاع ويلتزم بها عمليا». ولا يخفى على أحد أن جماعة الحوثي أحد طرفي الأزمة اليمنية الطاحنة، بمثابة ذراع إيراني شأنها شأن حزب الله وغيره من الجيوب الإيرانية في المنطقة على مبدأ ولاية الفقيه، كما أنه لا يخفى دور الميليشيات الموالية لإيران في سقوط أفغانستان والعراق أمام الأمريكيين، ودورهم في القتال إلى جانب نظام الأسد في سوريا.
ولئن كانت هناك شريحة كبيرة من الشيعة العرب موالية لإيران، فهناك شريحة أخرى يعيشون في أوطانهم محبين لها رافضين للنفوذ الإيراني في بلدانهم رغم وحدة المذهب. آخر هذه التيارات الشيعية العربية المنددة بالهيمنة الإيرانية، تيار المرجع الشيعي العراقي محمود الحسني الصرخي، الذي اعتقلته قوات الأمن العراقية مع العديد من أتباعه الشهر المنصرم.
يمثل الصرخي التوجه العربي الشيعي المناهض للنفوذ الإيراني والهيمنة الأمريكية، كما أنه يدعم الانتفاضات العربية ضد الأنظمة الاستبدادية، ويتعرض هو وأتباعه للملاحقات الأمنية إلى حد الاستهداف بالقتل. وسبق للصرخي أن صرح في لقاء مع جريدة «الوطن» المصرية في فبراير/ شباط 2015، أنه لا يوجود خطاب ديني مذهبي شيعي في العراق، فالخطاب الديني في العراق هو خطاب إيراني خالص وبامتياز، ولا علاقة له بالمذهب الشيعي، إلا بالمقدار الذي يخدم فيه سياسة السلطة الإيرانية الحاكمة وأمنها القومي بحسب تصريحه.
ما أود قوله، إن هناك شريحة من الشيعة العرب معارضة للنفوذ الإيراني، فلماذا لا تتبناها وترعاها الدول العربية لتكون في مواجهة إيران على الصعيد الفكري والثقافي والدعوي، بدلا من الصراخ والعويل بسبب الأذرع الإيرانية؟ وهذا يقود بدوره إلى مهمة أكبر وأشمل وأوسع، وهي مهمة انتشال الشيعة العرب الموالين لإيران من براثنها، إيران استغلت المظلوميات الشيعية للظهور بمظهر حماة المنهج، وناصري المظلومين في الأرض، وأججت هذه النزعة واستمالتهم إلى جانبها، وزجت بهم في صراعاتها مع الدول العربية بخديعة كبرى تسمى الولي الفقيه، وخديعة لا تقل عنها وهي احتواء المظلوميات الشيعية ورعايتها والقيام بحقها. الأنظمة الاستبدادية مسؤولة مسؤولية كبيرة عن ولاء بعض الشيعة العرب لإيران وفقدان الشعور بالانتماء، ليس لأنها تضطهد الشيعة خاصة، ولكن لأنها تمارس الاستبداد على الشعوب سنة وشيعة للحفاظ على العروش، فنال الشيعة من الأذى ما نال السنة، لكن هذا شأن الأقليات المضطهدة غالبا، تفسر القمع تفسيراً أيديولوجيا، خاصة إذا وجدت من الخارج من يؤجج هذه النيران. ولأننا لا نملك هنا أن نفرض على الأنظمة الاستبدادية أن تحل مشكلة الجنوح الشيعي العربي إلى إيران عن طريق إرساء مبادئ العدل العام، لكن على الأقل إذا كانت هذه الأنظمة تعاني من ذلك الجنوح، فباستطاعتها أن تدعم المرجعيات الشيعية وتحتويها لاستعادة دورها الذي سلبته إيران، والتي تسعى دائما لتهميش وإلغاء المرجعيات العربية، ورعاية التيارات العربية الشيعية المناهضة للنفوذ الإيراني في العراق والأحواز وغيرها. ومن ناحية أخرى، على النخب العلمية والثقافية والدينية أن تتعامل على مبدأ التفريق بين الشيعة والخمينية في خطابها، وأن تتبنى خطابا متحضرا هادئا مع شيعة العرب بعيدا عن الخطاب العدائي، والتوعية المستمرة بأن الشيعة العرب ضحية الأطماع الإيرانية، فإيران لا يعنيها العرب قاطبة حتى الشيعة، بل هي تعادي الجنس العربي، وذات مشروع قومي مُحمل على رأس طائفي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مرتضى الملكي:

    كَانَ نِظَامُ الشَّاه الإيْرَانِيّ سَيّئًا، لَكِنَّ نِظَامَ مَلَالِي إيْرَان أسْوَأ وَأسْوَأ وَأسْوَأ

    #الصرخي_يغرد_ولايةالفقيه_ولايةالطاغوت
    #صراع_عمايم_العراق_مخطط_ايراني

  2. يقول وائل المحمدي:

    إيران تصنف الإسلام إلى “إسلام إيراني” و”إسلام الآخرين”. الإسلام الايراني الذي تتبناه إيران هو الفهم الإسلامي الصحيح الذي يجب أن يُقدم للعالم. وهو إسلام يراعي الخصوصية الإيرانية في تفسير تعاليم الشريعة، ويتواءم مع تاريخها المذهبي في تبني المذهب الإثني عشري.

    الموضوع هنا أعمق بكثير من تحزب طائفي تقليدي بين الشيعة والسنة. إنه محاولة إيرانية للحفاظ على الشخصية الإيرانية المتميزة التي تأبى الذوبان في إطار ديني واسع يضعها على قدم المساواة مع من لا تزال تعتبرهم أقل منها حضارياً، أي العرب. هذه المحاولة الدفاعية تفهم جيداً أنه لا سبيل لتغيير الهوية الإسلامية للشعب الإيراني، ولكن هناك طريقة أخرى للالتفاف حول هذا الموضوع بكسر الحلقة المشتركة مع العرب، وهي الدين.
    . فالعرب حملوا الإسلام من جزيرة العرب، ولكنهم لم يفهموه جيداً ولم يطبقوه كما يجب. وهكذا حُلت الإشكالية بين اعتناق الرسالة وكراهية الغزاة الذين حملوها.

    وهذا التوجه من الرئيس السابق لم يأت من بنات أفكاره تماماً، بل هو صورة أخرى لما أعلنه الخميني بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران. حينها قسّم الخميني الإسلام في العالم إلى إسلام محمدي وهو في رأيه الإسلام الأصيل الذي تبنته الثورة الإيرانية، والإسلام الأمريكي الذي يتبناه الآخرون.

  3. يقول Ahmed:

    حقدهم دفين منذ زوال كسرى
    هم العدو الأول وهذا يعني أن نجعلهم الهدف الأول في ثورتنا

  4. يقول Mhmed:

    نعم حقد الفرس المجوس علي العرب قديم جدا لكن تعاظم وتضاعف بعد أن دخل أصحاب الفاروق وجنوده ديوان كسرى وداسوا بحوافر خيلهم رؤوس قادتهم وجبروته

  5. يقول مهدي الموسوي:

    احيي صاحب المقال على وعيه واطلاعه الدقيق وتشخيصه لأصل المشكلة ((الحقد الفارسي للجنس العربي)) وكيف اخترق الاسلام واغرقه في وحل الخرافات والاساطير ومنذ القرون الاولى الى ان وصل ذروته في عهد اسماعيل الصفوي وقطفت ثمارة في زمن خميني ومن ورثه ..الاسلام بحلته الشيعية هو اسلام موازي وليس الحقيقي فلاعلاقة له بأهل البيت عليهم السلام الا بالشكليات

  6. يقول ابو براء الحلي:

    ايران حصان خاسر عن قريب ان شاء الله

  7. يقول نورس المشهداني:

    اعتقد ان الانظمة المعادية لإيران لاتحتضن الاحرار ممن يرفض التبعية لإيران لأنها (الانظمة) تتوجس وتخاف من هكذا نماذج متحررة (محمود الصرخي)مثالا

  8. يقول احسان التميمي:

    يمثل المرجع الصرخي التوجه العربي الشيعي المناهض للنفوذ الإيراني والهيمنة الأمريكية، كما أنه يدعم الانتفاضات العربية ضد الأنظمة الاستبدادية، ويتعرض هو وأتباعه للملاحقات الأمنية إلى حد الاستهداف بالقتل

  9. يقول أبو عبد الله العراقي:

    إيران لا يهمها شيعي أو كان سني وآسف على هذه المسميات إيران كل همها هي إقامة دولة فارس وهذا الحقد من قديم الزمان عندما فتح الله ونهزمت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبستشارت علي رضي الله عنه وأرضاه دمتم بأمان

  10. يقول يسار عمران:

    ((لكن على الأقل إذا كانت هذه الأنظمة تعاني من ذلك الجنوح، فباستطاعتها أن تدعم المرجعيات الشيعية وتحتويها لاستعادة دورها الذي سلبته إيران،))
    فعلا نصيحة مهمة لمقارعة الحرب الفكرية التي تقودها إيران والتي من خلالها سيطرت على عقول من تعلق بها فسخرته لخدمتها مقدما في ذلك المذهبية على الوطنية والقومية

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية