انقلاب السودان وأوراق التوت المتساقطة

حجم الخط
11

لم تعد تنطبق على الفريق أول عبد الفتاح البرهان صفة رئيس مجلس السيادة في السودان لأنه بالأمس قاد انقلاباً كامل الأوصاف، بشراكة معلنة مع محمد حمدان دقلو قائد «قوات الدعم السريع» ونفر من الجنرالات وضباط الأمن والشرطة. وكما هي العادة المتأصلة لدى جميع قادة الانقلابات العسكرية حرص البرهان على تغطية الحدث بسلسلة من أوراق التوت الصفراء التي تساقطت سريعاً فلم تفلح في تغطية الهوية الفعلية لإجراءات فاضحة مثل إعلان حال الطوارئ وحلّ مجلسَيْ السيادة والوزراء واختطاف رئيس الحكومة عبد الله حمدوك وزوجته واعتقال عدد من الوزراء حفاة في ثياب النوم وتجميد أعمال لجنة التمكين وإقالة جميع ولاة الولايات والتعهد بتشكيل «حكومة كفاءات وطنية مستقلة».
والسهولة التي اتصفت بها أعمال تنفيذ الانقلاب أثبتت أن الأجهزة العسكرية والأمنية والشرطية في السودان لم يطرأ عليها أي تغيير إصلاحي جوهري ينأى بها عن الخضوع للدولة العميقة أو يزودها بصلاحيات ملموسة تتيح لها مقاومة الدوس على الشرعية، التي كانت حتى ساعة انقلاب الأمس متمثلة في الوثيقة الدستورية. ولم يكن خالياً من المغزى العميق حرص البرهان على تسمية «قوات الدعم السريع» بالاسم في بيانه المتلفز الذي حاول خلاله إقناع الرأي العام السوداني بأن ما يشهده البلد ليس أكثر من «خطوات» تستهدف إنقاذ السودان من «خطر وشيك».
فهذه القوات كانت وتظل علامة فارقة على استمرار تراث القمع والتسلط والاستبداد والفساد الذي أرساه نظام عمر حسن البشير، ولقد تعاقبت الأدلة على أدائها دور الواجهة العسكرية لقوى الثورة المضادة، ولم يكن غريباً أن واحدة من أبرز نقاط الخلاف بين المكونين المدني والعسكري داخل المجلس السيادي كانت رغبة البرهان والجنرالات في تجنيب «الدعم السريع» أي مساءلة على جرائم صريحة ارتكبتها بحق متظاهرين سلميين خلال محطات مختلفة من الفترة الانتقالية. كذلك لم يكن مفاجئاً أن المفارز التي اعتقلت الوزراء وممثلي المكونات المدنية كانت خليطاً من منتسبي الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، على نحو أعاد التذكير بتركة «الدفاع الشعبي» وتنظيمات حزب «المؤتمر الوطني» الأمنية زمن البشير.
ولقد توفرت لانقلاب الأمس مقومات نجاح نابعة أيضاً من تقصير بعض مكونات الجناح المدني في المجلس السيادي، سواء بسبب انقساماتها التي أخذت تتزايد وتتعمق خلال الأشهر الأخيرة، أو بسبب غموض برامج بعض أطرافها واحتدام الصراعات البينية على هذا الخط أو ذاك، أو انشقاقاتها التي تعاقبت وتفاقمت وبلغت درجة تشكيل مكونات موازية داخل «قوى الحرية والتغيير» ذاتها. وأما الأخطر في هذا الصدد فقد كان ابتعاد غالبية الأجنحة المدنية عن نبض الشارع الشعبي السوداني ومطالبه وشعاراته الكبرى، والاكتفاء بمقارعة الجناح العسكري أو التماهي مع هذا الجنرال أو ذاك، فضلاً عن التصارع على منصب هنا أو منصب هناك.
الأخطار المحدقة بالسودان كياناً وشعباً وثورة مدنية ليست قليلة، ولا يلوح أن العاجل فيها سيقتصر على مواجهات بين عسكر وشعب أو شارع وشارع أو عنف مفتوح مقابل احتجاج سلمي، في بلد اعتاد جيشه على الانقلابات، وندر أن جنرالاته تطهروا من شهوة السلطة والتسلط.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي مناع:

    امريكا والغرب لن يقبلوا بنظام ديمقراطي يكون للشعب المشاركة في الحكم وهم لذلك يدعمون العسكر ليسيطروا على القرار في الدول العربية واذا كان نظام اخر يتهمونه بالارهاب للتدخل وانقلاب العسكر

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    لقد غدر عبفتاح بالعلمانيين بالسودان كما غدر عبفتاح بهم بمصر!
    هذه هي نتيجة الحقد على الإسلاميين!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    ثورة 25 يناير بمصر لم تنجح لولا دخول الإسلاميين فيها, ومعركة الجمل شاهد!
    وثورة السودان لن تنجح إن كان الإسلاميين خارجها!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    تبادل الأدوار بين العلمانيين والعسكر يؤدي إلى بقاء ديك واحد فقط!
    هل رأيتم ديكان يتقاسمان الحكم؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول عبدالله:

    عبد الفتاح السيسي وعبد الفتاح البرهان!!! حتى المستبدون يتشابهون في الأسماء. الكوارث لا تأتي فرادى مع الأسف.

  6. يقول شيخ العرب:

    لا زلت اتذكر ان بعض وسائل اعلام دولة خليجية كانت تصف ما حدث في مصر مع الاخوان هو انقلاب عسكري( وهو كذلك) والان لا ذكر لهذا التوصيف…ارجو ان لا يكرر الامر مع ما يحدث في السودان…الرسالة الاعلامية نبيلة يا سادة

  7. يقول تيسير خرما:

    بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة الأعمال والصناعة والأغلبية الصامتة والأقليات تفضلهم على الفوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بثقافة عربية إسلامية سمحة جامعة مع تمسك بهوية وطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، والأجدى للغرب مراجعة سياساته وتعديل معاييره لتتعامل بمرونة مع تقاليد وأعراف كل شعب على حدى وتغيير مندوبيها الذين لا يحترمون ثقافة وكرامة وسيادة وملكية الشعوب الأصلية.

  8. يقول سامح //الأردن:

    *(السودان) قبل انقلاب العسكر كان مفلسا
    ويتسول.. فهل يتغير حاله بعد الانقلاب الغادر؟
    مجرد سؤال يطرح نفسه.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد مستبد.

  9. يقول ابوعمر:

    انقلاب السودان وحقيقة العصابات المسلحة أو مايسمى ظلما وعدوانا(الجيش )…عصابات تحمي قادة الارهاب والاجرام ..والذين بدورهم يحمون مصالح سادتهم الغربيين….كذبت يا من قلت يوما أن(الجيش) سليل الشعب وابنه الذي يحمي شعبه….

  10. يقول alaa:

    البرهان وشلته قتلوا وتلوثت ايديهم بدماء شعبهم وذهب هذا الي لقاء العدو حتي يرضي عنه ويساعده في الاحتفاظ بالسلطة — واجب محاكمته شعبيا

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية