واشنطن ـ «القدس العربي» ـ من رائد صالحة: دمر الجيش التايلاندى عبر انقلابه العسكري، في الاسبوع الماضي، ما تبقى من النظام الديمقراطي الهش في البلاد، ومن المرجح ان يستمر الحكم العسكري لفترة اطول وبقسوة اكثر من انقلاب عام 2006 حيث فرضت القوات المسلحة التايلاندية بالفعل الرقابة على وسائل الاعلام وبدأت في وضع رجالات السياسة والصحافة رهن الاعتقال او في السجن .
وتمثل عودة تايلاند للحكم العسكري خبرا سيئا لبلدان جنوب شرق اسيا التى كان ينظر لها كامثلة رائدة في مجال الديمقراطية في العالم النامي حيث تم تصنيف هذه الدول في وقت متاخر قبل عام 2000 في مرتبة « دول حرة» او « دول حرة جزئيا» من قبل منظمة مراقبة فريدوم هاوس مثل ماليزيا واندونسيا والفلبين وسنغافورة وتايلند، وبشكل اكثر غرابة . كانت دول مثل كمبوديا ومينامار تحاول اتخاذ خطوات كبيرة نحو الديمقراطية، وعلى النقيض من حركة التاريخ توقفت الديمقراطية في المنطقة بعد عام 2000 حيث ذهبت الدول الاكثر اقتصادية واسترتيجية الى الاتجاه المعاكس، وعلى مدار السنوات العشر الماضية شهدت تايلاند انحدارا سريعا وشديدا للديمقراطية بحيث اصبحت، الان، محكومة من قبل المجلس العسكري، وتراجعت المؤسسات الديمقراطية في ماليزيا وحاول الائتلاف الحاكم منذ فترة طويلة تضيق الخناق على المعارضة وتدمير النظام الحزبي الناشئ . وتلاشت الامال في كمبوديا وميانمار نحو احداث تغيير ديمقراطي دراماتيكي ولم تتبقى سوى الفلبين واندونسيا على الطريق الصحيح ولكن حتى في هذين البلدين الديمقراطية مهددة من خلال استمرار الكسب غير المشروع وعدم ثقة الجمهور في المؤسسات الديمقراطية ناهيك عن استمرار تدخل الجيوش بالسياسة.
يقول المحلل جوشوا كورلانتزيك بان التراجع عن الديمقراطية في جنوب شرق اسيا يثير قلقا بالغا لانه يعكس اتجاها عالميا يناهض التغيير السياسي نحو الديمقراطية كما ان الاثار المترتبة على هذا الانحدار ستكون كبيرة وستعنى بكل وضوح العودة الى ما كانت عليه الامور قبل عقود من الزمن حينما كان يعيش الناس تحت انظمة استبدادية وبالتالي حياة اقصر واقل صحة بدون حقوق لغالبية الشعب
وتنظر الولايات المتحدة الى المنطقة اليوم بقلق بالغ مع تزايد الاستبداد وحالة عدم الاستقرار، ورغم محاولاتها الحفاظ على حلف مع تلك البلدان الا ان الانتقادات المتزايدة لسلوك الشركاء وخاصة في تايلاند وسنغافورة وفيتنام قد تؤخر محاولة انشاء محور المحيط الهادئ الذي ما يزال من اكبر محركات النمو العالمي ومحاولة انشاء اكبر منطقة تجارة حرة في التاريخ.
ويهدد الانحدار الديمقراطي التعاون بين الولايات المتحدة ودول جنوب شرق اسيا حيث اظهر التاريخ بان واشنطن قادرة على العمل بشكل اكثر فعالية مع الديمقراطيات الاخرى كما هو واضح مع دول منظمة حلف شمال الاطلسي، وعادة ما يؤدى الحكم الديمقراطي الى التحرر الاقتصادي على المدى الطويل خاصة امام الاستثمار الاجنبي لان الاصلاحات الاقتصادية لا تنفذ فقط عبر قرارات، واذا استمر التراجع الديمقراطي فان ذلك سيؤدى الى تهديد خطير للتعاون الامني الامريكي في شرق اسيا وتقويض فرص النمو والترابط الاقتصادي مما سيتسبب في اضطرابات سياسية خطيرة تصل الى حركات تمرد .