أبرز الأحداث الاقتصادية على الصعيد العالمي والعربي
عالميا: العالم يصبح أفقر بحوالي 7 تريليون دولار
ستغادر الصين عام 2020 وهي الدولة الوحيدة بين الاقتصادات الرئيسية الأفضل حالا، والأغنى عما كانت عليه في عام 2019. الصين ستنمو بمعدل 1.9 في المئة حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بينما سينكمش الاقتصاد العالمي ككل بمعدل 4.9 في المئة. بذلك فإن العالم سيصبح في الأول من كانون الثاني/يناير المقبل أفقر بقيمة تبلغ حوالي 7 تريليون دولار، بينما ستكون الصين أغنى بحوالى 300 مليار دولار على الأقل بفضل معدل النمو الموجب، كما ستستفيد أيضا من ارتفاع قيمة اليوان. وقد زادت قيمة اليوان خلال النصف الثاني من العام الحالي بنسبة 7.6 في المئة وهو ما يزيد الناتج المحلي للصين مقوما بالدولار بقيمة سنوية تبلغ 1.1 تريليون دولار. هذا يعني عمليا أن الناتج المحلي للصين في نهاية العام الحالي سيرتفع إلى 15.2 تريليون دولار في حين أن الناتج في الولايات المتحدة سينخفض إلى 20.5 تريليون دولار، بخسارة تريليون دولار تقريبا، نتيجة لانكماش الاقتصاد بنسبة 4.3 في المئة وما يقرب من 20 تريليون دولار فقط إذا أخذنا في الاعتبار معدل انخفاض الدولار في سوق العملات الدولية.
هذه المقارنة تظهر كفاءة كل من الإدارة الاقتصادية البلدين في مواجهة الأحداث الكبرى التي تعرض لها الاقتصاد العالمي عام 2020 وأخطرها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والعالم، التي أضعفت احتمالات النمو، ثم تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، التي هبطت بالاقتصاد العالمي من حيز النمو الهش إلى منطقة الهبوط، وأزمة أسواق الطاقة التي هبطت بأسعار النفط إلى منطقة سلبية لأول مرة في التاريخ، كما أدت إلى انزلاق أسعار الغاز المسال إلى ما دون تكاليف الإنتاج. وقد تركت الأزمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي ككل آثارا متفاوتة من منطقة إلى أخرى. على سبيل المثال فقد استفادت الدول المستهلكة من هبوط أسعار النفط والغاز، بينما انكمشت إيرادات الدول المصدرة. وفي العالم ككل انتشرت البطالة، وزادت حدة التفاوت في توزيع الدخل، خصوصا بعد أن حصلت الشركات الكبرى والمؤسسات المالية في الدول الصناعية على النصيب الأكبر من حزم تمويل النشاط الاقتصادي لتجنب تداعيات الإغلاق الاقتصادي الجزئي أو الكلي في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار وباء كوفيد – 19 الذي سيكمل عامه الأول وقد تجاوز عدد الذين اصيبوا به على مستوى العالم 80 مليون شخص، بينما يقترب عدد الوفيات من مليونين من الضحايا حسب الإحصاءات الرسمية.
الحرب التجارية والتكنولوجية
على الرغم من أن عام 2020 بدأ بإشارات إيجابية على صعيد الحرب التجارية عندما توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري مرحلي في 15 كانون الثاني/يناير يمثل المرحلة الأولى من خطة إنهاء الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأعظم في العالم، إلا أن الرئيس الأمريكي الذي خسر انتخابات الرئاسة الأخيرة ليفشل في سعيه للفوز بفترة رئاسة ثانية، اتجه إلى توسيع نطاق الحرب التجارية لتشمل مجالات التكنولوجيا والمعاملات المالية والاستثمارات بما في ذلك حظر تكنولوجيا شركة هواوي رائد تكنولوجيا الجيل الخامس في مجالات تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات الرقمية، وحظر تسجيل أسهم شركات الابتكارات التكنولوجية الصينية في أسواق الأسهم الأمريكية.
ولقد تضمن اتفاق المرحلة الأولى لتسوية النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين برنامجا للتراجع عن فرض الرسوم التجارية الانتقامية من الجانبين؛ إذ تضمنت الإجراءات التي فرضتها الولايات المتحدة رسوما تجارية انتقامية على ما يقرب من 550 مليار دولار من الصادرات الصينية للولايات المتحدة، بينما ردت الصين على ذلك بفرض رسوم تجارية انتقامية على ما يقرب من 185 مليار دولار من الصادرات الأمريكية للصين.
وكان من أهم الالتزامات التي تعهدت بها الصين في اتفاق المرحلة الأولى التجاري، زيادة وارداتها من القمح والذرة واللحوم وفول الصويا والغاز المسال والنفط الخام من الولايات المتحدة، وذلك في مقابل أن تبدأ واشنطن في التراجع عن الرسوم التجارية الانتقامية المفروضة على صادرات السلع الصينية. كما التزمت الصين أيضا بحماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، وعدم إجبار الشركات العاملة في الصين على نقل التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى تنظيم قواعد تبادل اليوان الصيني مع الدولار، حيث أن الولايات المتحدة وجهت اتهامات للبنك المركزي الصيني بالتلاعب في سوق النقد الأجنبي لتخفيض أسعار اليوان، وذلك بغرض تحقيق مزايا سعرية الصادرات الصينية. ونتيجة للسياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي الصيني حاليا فإن قيمة اليوان مقابل الدولار ارتفعت بنسبة 7.6 في المئة خلال النصف الثاني من العام الحالي، فأصبح الدولار الأمريكي الواحد يشتري 6.5 يوان صيني بعد أن كان يشتري حوالي 7 دولارات فقط في نهاية النصف الأول من العام.
أزمة أسواق النفط والغاز
بدأت أزمة أسعار الطاقة في العالم بحرب تجارية شنتها المملكة السعودية على روسيا، بهدف انتزاع نصيب أكبر من السوق. وأعلن الوزراء السعوديون المسؤولون عن المالية والنفط أن بلدهم يستطيع الصمود في حرب الأسعار حتى إذا هبط سعر النفط إلى ما دون 10 دولارات للبرميل. لكن السعودية لم تستطع أن تصمد في حرب النفط عام 2020 تماما كما فشلت من قبل عام 2014 حيث خسرت جزءا من نصيبها من السوق العالمي، كما خسرت بسبب هبوط الأسعار التي لم تستطيع التعافي إلى مستوياتها السابقة حتى الآن.
وقد اضطرت السعودية إلى تخفيض الاستثمارات العامة بما في ذلك استثمارات أرامكو ، كما لجأت إلى زيادة الضرائب والرسوم المحلية على المواطنين والمقيمين، إضافة إلى زيادة الضرائب والرسوم التي كان معمولا بها بالفعل قبل الأزمة النفطية. وشملت الإجراءات المالية التي اتخذتها الحكومة لتعريض الهبوط في أسعار النفط، السحب من الاحتياطي النقدي، ومن صندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى ضغط الإنفاق العام، بما في ذلك الإنفاق الاستثماري. وقد أسفرت التطورات الاقتصادية السلبية التي تعرضت لها الدول المصدرة للنفط إلى هبوط معدلات النمو الاقتصادي إلى منطقة سلبية (إنكماش) بنسبة يقدرها صندوق النقد الدولي بحوالي (-) 5.4 في المئة للمملكة السعودية وبنسبة (-) 4.1 في المئة للجمهورية الروسية الاتحادية. في المقابل فإن الدول المستوردة للنفط مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية استطاعت تحقيق وفورات ضخمة بشراء عشرات الملايين من البراميل من النفط الخام ومن الغاز الطبيعي. وتقدر أوبك والوكالة الدولية للطاقة ان المخزون الاستثنائي الذي تحتفظ به الدول المستهلكة في آسيا وأوروبا سيترك تأثيره على الأسعار خلال العام المقبل 2021.
اتساع العجز المالي والمديونية
تتوقع مؤسسة ستاندرد آند بوورز العالمية أن يقفز حجم الديون العالمية بنهاية العام الحالي 2020 إلى 200 تريليون دولار بزيادة 10 في المئة عن العام الماضي. وتعود هذه القفزة في حجم الديون العالمية إلى زيادة ديون الدول الصناعية الغربية التي توسعت في الاقتراض المحلي والخارجي لتمويل برامج التحفيز الاقتصادي، لتستحوذ وحدها على أكثر من نصف الزيادة في الديون العالمية. وقد اضطرت هذه الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكندا وفرنسا وبريطانيا إلى التوسع في الاقتراض للتغلب على تداعيات توقف النشاط الاقتصادي جزئيا بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد. وطبقا لهذه التقديرات فإن نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي للعالم تبلغ حوالي 265 في المئة، وهو ما يمثل ضغطا كبيرا على قدرة الدول المدينة في التوسع المالي لتمويل احتياجات انعاش الأنشطة الاقتصادية. ومع ذلك فإن الدول الأقل مديونية ما تزال تستطيع الاقتراض لتمويل النمو والتغلب على الصعوبات الاقتصادية التي من المتوقع أن تستمر حتى الربع الأول من العام المقبل.