لم تشفع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها غزة منذ أكثر من عشر سنوات، والتي نتج عنها توقف كامل لعجلة الاقتصاد، في إنقاذ ما آل إليه مصير مئات التجار ورجال الأعمال الذين تكبدوا خسائر مالية هائلة انتهى بهم الحال إلى السجون بأحكام قضائية نتيجة افلاسهم وبالتالي عدم مقدرتهم على تسديد الديون المستحقة عليهم. واضطر عشرات كبار التجار إلى الهرب خارج حدود غزة خوفاً على سمعتهم ومن إلقاء القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية تاركين خلفهم سندات ديون بمبالغ كبيرة مستحقة لمواطنين وشركات عاملة، واستسلم آخرون للمحاكم وأعلنوا إفلاسهم نتيجة ضغط الشكاوى الموجهة ضدهم.
واضطر التاجر (م.ح) 52 عاماً من سكان غزة إلى تسليم نفسه للجهات القضائية بعد أن تراكم عليه مبلغ ديون وصل إلى 420 ألف دولار أمريكي، حيث اتجه التاجر قبل 3 أعوام للعمل في مشاريع استثمار الأبنية السكنية، ونتيجة لتدهور الأوضاع وتوقف سوق العقارات بشكل كامل تراكمت عليه الديون لأصحاب مصانع الباطون وشركات الكهرباء وغيرها، فلم يكن أمامه إلا أن يشهر إفلاسه أمام الجهات المختصة وتسليم نفسه خوفاً من الاعتداء عليه.
وقال التاجر لـ”القدس العربي” أنه غير قادر تماما على تسديد الديون وأن عائلته باتت مشردة بعد أن قامت الأجهزة الأمنية بحجز أملاكه بما فيه بيته. وطالب الجهات الحكومية بمساعدته ومساعدة كافة التجار الذين خسروا تجارتهم وسمعتهم في الأسواق، وباتوا يقضون حياتهم في السجون.
إلى ذلك اتجه علي جاد الله صاحب محلات لبيع الأحذية إلى تسريح عماله وتحصيل ما له من ديون على زبائنه وترك المهنة ودفع ما عليه من ديون الأصحاب للتجار لتفادي الوقوع في خسائر تلقي به إلى السجن بعد أن أدرك أنه قريب من الوقوع في أزمة نتيجة انهيار عجلة الاقتصاد وغياب القدرة الشرائية من قبل المواطنين.
وأوضح لـ”القدس العربي” أن عشرات التجار لم يحالفهم الحظ في تحقيق أرباح والارتقاء بواقع اقتصادي أفضل، بل أنهم رغم رؤيتهم للانهيار المتدرج في الاقتصاد أصروا على العمل الذي يستنزف أموالا كثيرة دون جني أرباح لإبقاء سمعتهم عالية في السوق باعتبارهم من كبار التجار، إلى أن وصل بهم الحال إلى دخول السجون أو الهرب.
وأضاف، أن أكثر المشاكل التي واجهت التجار وجعلتهم مكتوفي الأيدي أمام الأزمات التي تعصف بهم، هي الشيكات المؤجلة التي لم يستطيعوا سدادها في موعدها جراء إفلاسهم وغياب السيولة النقدية لديهم، وهذا ما يؤشر إلى تزايد أعداد التجار المعرضين للخسارة نتيجة تراكم الشيكات في البنوك وعدم وجود رصيد في الحسابات.
وأظهرت إحصائيات رسمية صادرة عن سلطة النقد الفلسطينية أن إجمالي عدد الشيكات المرتجعة خلال النصف الثاني من عام 2018 بلغ قرابة 17 ألف شيك بقيمة مالية بلغت 47 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الشيكات المرتجعة خلال عام 2017 كله 28 مليون دولار.
وبين مدير العلاقات العامة في غرفة غزة التجارية ماهر الطباع، أن “اقتصاد القطاع يمر في حالة موت سريري” منوهاً إلى أن تراجع عدد الشاحنات التي تدخل القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، أبرز دليل على الوضع الاقتصادي الكارثي في غزة، حيث كانت تدخل قرابة ألف شاحنة في اليوم خلال الأعوام السابقة في حين لا يتجاوز العدد 200 شاحنة يومياً.
وقال الطباع لـ”القدس العربي” أن ثمة أزمات طالت شرائح الموظفين أطاحت بالواقع الاقتصادي وأبرز هذه الأمور تلقي موظفي سلطة رام الله نصف راتب منذ أكثر من عام إضافة إلى تلقى موظفي غزة رواتبهم بشكل متقطع وبنسب متدنية، وهذا العجز الكبير في نسب صرف الرواتب أثر على الحركة الشرائية لدى المواطنين في الأسواق والمحال وما رافقه من تكدس البضائع في مخازن التجار وفسادها وتكبدهم الخسائر.
وأضاف أن غرفة غزة التجارية حاولت ولا تزال مساعدة التجار ورجال الأعمال في تسديد الديون عنهم وإخراجهم من السجون، إلا أن تراكم الأعداد يجعل من محاولة تسوية كامل الذمم المالية أمرا في غاية الصعوبة، داعياً إلى حملات واسعة تحث الناس على المسامحة والمساعدة لتسوية المشاكل المالية.
ورغم الارتفاع المتزايد في أعداد من سجنوا على ذمم مالية، لا تملك جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في غزة رقماً دقيقاً لعدد الذين تم سجنهم خلال 2018 إلا أن بعض الإحصائيات من الجهات الأمنية أظهرت أن عدد الموقوفين يتراوح بين 400-600.