اوباما مشغول ببوتين عن نتنياهو

حجم الخط
0

ما أهم شيء كان قاله الرئيس اوباما لرئيس الوزراء نتنياهو في لقائهما المغلق أمس في البيت الابيض؟ اليكم تخمينا: لم يكن ذلك متصلا بمستوطنات عدوانية أو بعقوبات اخرى أو بتعبيرات من بيت هيلل باسلوب ‘اذا لم يكن الآن فمتى’ مما أثير في المقابلة الصحفية التي اجراها اوباما مع الصحفي جفري غولدبرغ. كان اوباما يستطيع أن يقول بدل ذلك: ‘بحياة بيبي، إصنع لي معروفا. غدا حينما تتحدث في ايباك كن لطيفا فلست في حاجة الى ان تهيج كبار مسؤولي اللوبي واعضاء مجلس النواب الذين سيأتون للاستماع اليك باشارات ثخينة الى زعامتي المستخذية’.
وذاك لانه بين موعد اجراء المقابلة الصحفية مع غولدبرغ وموعد نشرها مات العالم واحترق البحر وصعدت الاسماك الى الاشجار بالنسبة لاوباما. ونشك في ان يكون الرئيس الامريكي اختار ان يتشاجر علنا مع رئيس الوزراء الاسرائيلي في هذا الوقت لو انه علم مسبقا ان العالم سيهيج حوله وان الارض ستزلزل في اوكرانيا. ففي الوقت الذي يتلاعب به فلادمير بوتين في الساحة الدولية يمكن أن يرى هجومه على نتنياهو وقد اصبح يرى ذلك حالة كلاسيكية لحكيم على ضعفاء واشتغالا بالغث بدل الاشتغال بالسمين.
ولذلك سمع الكلام أمس الذي قاله اوباما ونتنياهو على عظم الساعة واهمية السلام كأنه وصية شخصين مدروسة لان من الواضح لهذين الاثنين ان العالم والرئيس ايضا لم يعودا كما كانا من قبل. ‘نحن نشهد الاحداث الجغرافية السياسية الاعظم تأثيرا منذ عمليات 11 ايلول’، قال أمس وكيل العلاقات الخارجية إيان بريمر، الذي صك مصطلح ‘جي أو’ كي يصف وضعا تفقد فيه الدول الغربية من تأثيرها ويبقى العالم بلا قيادة حقيقية. ويتفق الخبراء جميعا على ان الازمة في اوكرانيا تعرض اوباما لاكبر تحد في فترة ولايته ولا سيما في مجال السياسة الخارجية، وان القرارات الحاسمة التي يواجهها قد تبت مصير منزلته في التاريخ. وفي هذا الوضع لا تستطيع رام الله ودمشق وطهران فقط ان تنتظر بل ان سلوكها في المستقبل متعلق الان بقدر كبير بنتائج المعركة في اوكرانيا.
وهكذا كتب أمس ايضا الوسيط السابق دنيس روس الذي كان مستشارا لاوباما، في مقالة نشرها في صحيفة ‘نيو ريبابليك’. فقد قال ان زعماء الشرق الاوسط ينظرون الى استعداد روسيا لتجاهل معايير دولية والعمل صدورا عن قوة عظمتها وهذه هي العملة الوحيدة المهمة بالنسبة اليهم. وسيصعب على امريكا ان تطور حوارا جديدا مع زعماء المنطقة اذا لم تُر أنها صاغت استراتيجية ناجعة تؤكد ان عدوان بوتين على اوكرانيا ستكون له آثار.
ان اوباما ووزير خارجيته كيري مشغولان الان بصوغ هذه الاستراتيجية فقط وهما محتاجان لذلك الى ان يظهر مجلس النواب الامريكي وحدة ساعة طواريء بدل الاستقطاب الراتب الذي رمز اليه أمس السناتور الجمهوري جون مكين الذي هاجم في مؤتمر ايباك سياسة اوباما الضعيفة. وسيطلب الى مجلس النواب الامريكي ان يوافق على رزمة مساعدة سخية لاوكرانيا كما قال اوباما أمس مع نتنياهو وان يوافق بعد ذلك ايضا على عقوبات اقتصادية إن لم تكن على طهران فلتكن على موسكو على الاقل.
ليست واشنطن في الحقيقة ‘مدينة ازمة واحدة’ كما يزعم الساخرون منها على نحو عام لكن المواجهة العسكرية في اوكرانيا ليست مجرد ازمة اخرى، فمن المحتمل ان تقرر العلاقات بين القوى العالمية في السنوات القريبة وان تضعضع استقرار دول الكتلة الشيوعية السابقة وان تحدث في اسوأ السيناريوهات كل المخاوف ونشوب حرب اقليمية. ان الامريكيين لا يتخلون في الحقيقة عن صوغ اتفاق الاطار مع الفلسطينيين أو عن محاولة التوصل الى اتفاق ذري مع ايران لكنهم مشغولون الان بالاساس وليس نتنياهو هو المشكلة في هذا الاساس.
تذكر الامور عند قدماء المسيرة السياسية بالضرورة لزيارة نتنياهو لواشنطن قبل 16 سنة حينما صرفت ازمة مفاجئة انتباه الرئيس بيل كلينتون ونفت عن نتنياهو خطر المواجهة. بيد ان الحديث كان آنذاك عن فضيحة حول مونيكا لفنسكي، وصار الامر في هذه المرة اكثر جدية بكثير.

هآرتس 4/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية