ايران تنتقم من العالم بأسلوب الهواة واخراج القمة يفضح الهروب الجماعي!
توفيق رباحيايران تنتقم من العالم بأسلوب الهواة واخراج القمة يفضح الهروب الجماعي!اود، بدءا، ان اعبّر عن سعادتي لانعقاد القمة العربية في ذلك الزمان والمكان المعروفين لانها انقذت زبائن الفضائيات من الحديث عن مصر والاستفتاء علي التعديل الدستوري، بغض النظر عن النتائج التي كانت معروفة سلفا، وما انتظر العكس الا واهم (هل رأيتم استفتاء عربيا ينتهي بلا او بغير ما اشتهي الحكام؟).سبب الارتياح ان الفضائيات اراحتني ومشاهديها من الحديث عن مصر باجترار وتكرار لا يُطاقان جعلانا نعرف ما قيل ويقال وسيقال، ونحفظ عن ظهر قلب وجوه وكلام المحللين و الخبراء الـ مع والـ ضد الذين قضوا الايام الاخيرة متنقلين بين الاستوديوهات. الشيء الوحيد الذي خرجت به شخصيا من المولد المصري انني اضفت حكومة اخري الي قائمة الحكومات التي تجنّد، ليس فقط رجالها ونساءها، بل كبرياء ووطنية شعبها المغلوب علي امره.من اوتي من الصبر والتجلد ما يكفيه لمتابعة الاستفتاء في القنوات التلفزية المصرية لا شك لاحظ تلك الاغاني شاحذة الهمم التي تناوبت تلك القنوات علي بثها. تستمع اليها وتشاهد كليباتها الملونة بالابيض والاحمر والاسود، فيخيّل اليك ان البلد مقبل علي حرب لا استفتاء.قبل اسابيع عشنا اعراسا مماثلة في تلفزيون الاردن. لم يكن ذلك لمناسبة انتخابات او استفتاء، انما لعيد ميلاد ابو حسين ، الملك عبد الله الثاني، فلا فرق. صور وكليبات انصهرت فيها صور الوطن والوانه بصور والوان الملك فاصبحا واحدا. وتزامنا شاهدنا نفس الطقوس في تلفزيون الكويت مرتين، مرة في ذكري تحريرها من العراق سنة 1991، واخري في الذكري الاولي لتولي الامير صباح الاحمد مقاليد الحكم. وبعد اسابيع معدودة سنبدأ نشهد مثل ذلك في الجزائر التي تقترب من انتخابات نيابية. ثم سنسمع من سورية المتأهبة هي الاخري لاقتراع برلماني.اما آخر ما صُدّر الينا، فكان من السعودية الشمّاء التي، لمناسبة القمة العربية الـ19، تنازلت عن المحرمات ووضعت انشودة تتحدث عن الهمة و القمة و الريادة و القيادة . من ماذا يخشي الناس، او بالاصح الحكام، حتي يجنُدوا طاقاتهم وامكاناتهم لدغدغة عواطف ومشاعر شعوبهم. كدت اقول الخوف من العولمة وزحف الثقافات الاخري، لكن هذا الموضوع اكبر من ان يستوعبه الحكام، واذا استوعبوه، فهم اصغر من ان يقاوموه او يفعلوا شيئا لتأخيره. برغم ان العولمة بما تحمله من رغبة في تغيير الثقافات وبرامج التعليم وفتح الحدود (والنفوس) والاسواق الخ، موجهة اساسا لهذه الامة، لا يبدو ان قادتها يفعلون ما يكفي لحماية ما يمكن حمايته او انقاذه. رغم الكم الهائل من الاحداث فوق رأسها، تصر هذه الامة، حكاما ومحكومين، علي البقاء علي هامش الاحداث بدليل ان مقاومة العولمة التي لا تعني غير المد الامريكي، تجري نظريا وعمليا وفكريا، في اوروبا وامريكا الجنوبية.بقي ان هذه الحكومات تخشي الاصوات المنادية بمقاطعة الانتخابات او المنادية بغير ما يبتغيه اهل الحكم. وبقي ان الحكومات المحتفلة باعياد الميلاد والايام الوطنية تخشي ان تكون الاستجابة اقل من 100%، ما يعطي الانطباع بوجود غضب مخزون هنا او هناك.المكسب الوحيد، كما بدا لي، عندما يتعلق الامر بتصويت او انتخابات، ان هؤلاء الحكام، اصبحوا يحضون شعوبهم علي مجرد التصويت.. المهم عبّر عن رأيك وقل كلمتك. لا يهم ما هو رأيك، المهم ان تشارك به .ملاحم غنائية! مصر ام الدنيا وتقع في منتصف الطريق قريبة الي الشرق والغرب معا، وبها حرية نسبية تتيح للصحافيين والمذيعين قليلا من التحرك وتغطية الاحداث، وبها تسهيلات مادية وتقنية تناسب عمل المراسلين.هذه معطيات تبرر نوعا ما الاهتمام المبالغ فيه ـ تلفزيونيا ـ بمصر، وتجعلني اقول انني لا اذكر ان استفتاء ما في دولة ما (لتكن عربية) حظي بدعاية تلفزيونية ـ من خارج الحدود ـ مثل الذي حظي به الاستفتاء الاخير في مصر (بامكانكم ان تقارنوا مع انتخابات موريتانيا في نفس التوقيت رغم الفرق الهائل سياسيا وديمقراطيا وصدقا). هذا الاهتمام وحده كان يغني عن التهريج الذي وقعت فيه التلفزيونات المصرية ببرامجها وملاحمها الغنائية التي مهما كانت جميلة، تفقد رونقها بمجرد ربطها بالسياسة.مثل القاعدة ايران تتصرف مثل تنظيم القاعدة ، تختطف الناس (بغض النظر عن السبب) ثم تسجل لهم صورا وتنتزع منهم رسائل واعترافات تبتز بها حكوماتهم واهاليهم عبر قنوات فضائية مسخّرة. ما حدث مع البحّارة العسكريين البريطانيين دليل علي تخلف وتعصب من الملالي، تزكيه بغباء قناة تلفزية اسمها العالم .لست مدافعا عن البحّارة المحتجزين، انما محتجا علي طريقة التعامل معهم التي لم تبق فرقا بين القاعدة والحكومات. عندما تصوّر فتاة تعترف بانها ورفاقها دخلوا المياه الايرانية، لن يصدّقك احد لان ظروف انتزاع مثل هذه الاعترافات مألوفة منذ زمن طويل ويمكن تخيّلها. عندما تدفعها الي كتابة رسالة تطلب خروج القوات البريطانية من العراق (كأنه محافظة ايرانية) وتنتقد بلير وبوش (بدل ان تسلّم علي اهلها وتحثهم علي الصبر مثلا)، فانت تحاكي تماما جماعة الزرقاوي وتجعل اطفال مدارس الابتدائي يضحكون عليك. عندما توهم العالم بأن هذه الفتاة لا تفعل شيئا، منذ احتجازها، سوي كتابة رسائل (اكبر منها مضمونا) فانت تكافح لتجعل من نفسك مسخرة امام العالم. عندما تنتزع من فتاة غربية في قبضتك، حق الابقاء علي شعرها مكشوفا فتلبسها جلبابا اسود، وتُبقي لها علي حق التدخين امام الملأ، فانت حتما لا تقدم صورة مثالية عن الاسلام الذي تتشبث به.الذين يسعون لمقارنات، وبينهم محللو قناة العالم (وكلهم علي شاكلتها)، بين بث الجزيرة صور جنود امريكيين مأسورين لدي الجيش العراقي (السابق) في 2003، يضحكون علي ذكاء الناس. فـ الجزيرة لم تكن طرفا مباشرا في الحرب، اما العالم فهي بوق ناعق باسم الحرس الثوري. والذين يتحدثون عن مقارنة بين الدبلوماسيين (العملاء؟) الايرانيين الذين اعتقلهم الامريكيون بشمال العراق قبل اربعة شهور، يتناسون ان لا احد، فيما اعلم، شاهد الي اليوم صورهم مسجونين، يأكلون بشراهة، او يدلون باعترافات مملاة عليهم (لو حدث ان ايران اسرت دبلوماسيين او عملاء غربيين في نفس السياق لشاهدناهم يعترفون بانهم فجّروا برجي التجارة بنيويورك وقتلوا الرئيس كينيدي). والذين يغالطون الناس بالقول ان في بث صور البحّارة المأسورين تطمينات لاهاليهم وحكومتهم، يتناسون ان هناك طرقا اقل تخلفا لتطمين العائلات، اقلها ان يُسمح لسفير او قنصل بلادهم بلقائهم ثم يدلي بتصريح للمناسبة، ويبلّغ عائلاتهم، بالطرق التي يراها مناسبة، بما شاهد وسمع.كأن ايران تريد الانتقام من العالم عبر هذه القضية، لكنها اذ تفعل فبأسلوب هواة سياسة وبابواق هواة اعلام. وما حدث من مشادة حول السفارة البريطانية بطهران ظهر الاحد، هو ثمرة طبيعية لمغامرات هؤلاء الهواة. ربما النتيجة الوحيدة هي ان ايران افلحت في تحويل انظار العالم عن ملفها النووي.مرة اخري تفوّت هذه الامة الكسيحة فرصة لتبييض قليل من ماء وجهها المدنّس بحماقات الرجال. اوان الباي باي ربما هو الاخراج التلفزيوني للقمة العربية، وربما هو تصميم قاعة الاجتماع، فضح غير الجديين من الرؤساء ومرافقيهم داخل تلك القاعة، اذ شاهدهم الناس في خلفية صورة المتحدث، يتسللون الي خارج القاعة.واذا كانت الاجتماعات من هذا النوع تبدأ جادة وصارمة ثم تبدأ في التراخي، ففي قمة الرياض بلغت المغادرة حجما كبيرا عندما كانت الشيخة هيّا آل راشد تلقي كلمتها فشاهدنا رؤساء ووزراء خارحية يغادرون حاملين حقائبهم وملفاتهم (ما يعني باي باي)، وشاهدنا صائب عريقات يقف (ربما متعمدا كي تلتقطه الكاميرات) بالضبط خلف المتحدثة يتكلم مع شخص لا يظهر جيدا ثم يسجل له ملاحظات (ربما ارقام هواتف) في وريقات صغيرة.انت الأرجل! عن القمة العربية مرة اخري: احد القادة العرب الذين لم تركز عليهم كاميرات الفضائيات وعدسات المصورين، ولم يركض وراءهم المراسلون، كان الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته اعلي ولد محمد فال. كان هذا يقيني من البدء، ثم تعزز بتقارير من الرياض قالت ان الرئيس الموريتاني شوهد يتناول عشاءه وحيدا بينما التأم من يظنون انفسهم اشطر واقوي يتبادلون المزاح والقهقهة. بل ورد في التقارير ان الرئيس اليمني علي صالح مازح ولد فال عندما رآه يدخل قائلا اهلا بالولد الذي وعد فاوفي (حتي انت يا صالح؟ هل كنت تنتظر منه ان يفعل مثلك؟).صوتي المتواضع من هذا المنبر المتواضع يذهب باتجاه الرئيس الموريتاني: انت الافضل والاشرف والانظف والارجل بينهم جميعا. كاتب من اسرة القدس العربي [email protected]