‘إن التفكير الذي يقوم على أشواق القلب هو بخلاف التفكير الذي يقوم على الواقع الحقيقي، مرض شائع كثيرا، وهو يصيب اناسا من اوساط الناس، ومستثمرين في البورصة وساسة. ويكون في الأكثر مصحوبا بالنوايا الفضلى.
إن التاريخ مليء بأخطاء مأساوية كانت نتاج تفكير قام على أشواق قلبية. يجب فقط أن نتذكر رئيس وزراء بريطانيا نيفل تشمبرلين، ورئيس وزراء فرنسا ادوار دلادييه في ميونيخ 1938، اللذين أصرا رغم جميع الدلائل التي أشارت الى عكس ذلك، على الايمان بأن كل ما يعني هتلر هو اقليم السوديت في تشيكوسلوفاكيا، وأنه في اللحظة التي يحصل فيها عليه سيسود السلام العالم، أو يوسف ستالين الذي رفض أن يُصدق، رغم الأدلة القاطعة أن المانيا تستعد للهجوم على الاتحاد السوفييتي، وأمر الجيش الاحمر بعدم اتخاذ خطوات دفاعية؛ وقبل اربعين سنة رفضت القيادة الاسرائيلية أن تأخذ في حسابها شهادات حاسمة أشارت الى نية المصريين والسوريين مهاجمة اسرائيل، وفضلت الاعتماد على أشواق قلبها. وماذا عن الايمان بأن ياسر عرفات تخلى عن الارهاب وأصبح شريكا في السلام؟
إن التوق الى السلام يجعل الناس يتركون طريق التفكير العقلاني ويتخلون عن الفحص الدقيق للواقع، ومن ثم اتخاذ قرارات بناء على أشواق القلب. وحينما يواجه الناس تهديد الموت والخراب يمكن أن نفهم لماذا يفضلون تجاهل كل اشارات التحذير. يمكن أن نفهم لماذا رفض يهود وارسو تصديق المبعوثين الشباب الذين أرسلتهم إليهم الجبهة السرية اليهودية في فلينا، بعد المذبحة في بونار لتحذيرهم مما ينتظرهم. وبعد ذلك بنصف سنة بدأ النقل من غيتو وارسو الى تربلينكا.
ويؤدي بنا هذا الى الابتسامة على شفتي رئيس ايران الجديد حسن روحاني. أي تغيير هذا قياسا بسلفه محمود احمدي نجاد مُنكر المحرقة، الذي هدد دائما بمحو اسرائيل عن وجه البسيطة. من ذا لا يريد أن يُصدق أن نواياه خيّرة وأنه لا يقوي العداوة للولايات المتحدة واسرائيل، وأن بناء القنبلة الذرية هو أبعد شيء عن تفكيره؟ فلماذا اذا لا تُخفف العقوبات قليلا وتعطى الدبلوماسية أملا؟ أليس هذا شوقا قلبيا مفهوما؟
بيد أن الرجل الذي يقرر الامور في طهران، كما يعلم الجميع، ليس الرئيس بل آية الله علي خامنئي، الذي يتلقى روحاني الأوامر منه. والايرانيون مشغولون بجهد كثيف يكلف مليارات لصنع سلاح ذري وصواريخ بالستية، وفي الوقت الذي يتمنى فيه روحاني لباراك اوباما يوما طيبا، تستمر آلات الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم على الدوران. إن العقوبات التي فُرضت على ايران فقط تضر باقتصادها، ويحتمل أن تجعل الايرانيين يستقر رأيهم على ترك برنامج تطويرهم للسلاح الذري.
هذه هي الحقائق البسيطة التي عرضها بنيامين نتنياهو بصورة مقنعة على الجمعية العمومية للامم المتحدة. وغضب من يعانون أعراض الأشواق القلبية، لأن نتنياهو يُفسد المزاج الطيب الذي سببته ابتسامات روحاني. لكن الجميع، ولا سيما الايرانيين، يتناولون كلام نتنياهو بجدية. فهم يعلمون أنه توجد دولتان فقط هما الولايات المتحدة واسرائيل، عندهما القدرة العسكرية على توجيه ضربة ناجعة الى مشروع سلاحهم الذري، وأن هذه القدرة هي التي تدعم العقوبات الاقتصادية، وتُحدث امكانية أنه قد لا تكون حاجة الى عمل عسكري. وكل هذا صحيح ما لم يتم التخلي عن العقوبات قبل أن يوقف الايرانيون عمل آلات الطرد المركزي، وينقلوا اليورانيوم الذي خصبوه الى خارج حدود بلدهم. وهذا الشيء لا الأشواق القلبية هو الذي سيُبعد الخطر الذي يهدد العالم ألا وهو السلاح الذري الذي سيملكه خامنئي.
موشيه آرنس
هآرتس 8/10/2013