بابا مع رسالة تواضع

حجم الخط
0

إن زعيم الكنيسة الرومانية ـ الكاثوليكية، البابا فرانشيسكوس سيزور اسرائيل. وليست هذه في الحقيقة أول زيارة من ‘وريث أول الرسل’ (بطرس)، لكنه كأسلافه له تميزه، هذا الى مليار مؤمن الذين يمثلهم. ويزورنا على الجملة في هذه المرة بابا صدر في فرنسا بعد انتخابه فورا سيرته الذاتية ‘فرانشيسكوس، بابا الفقراء’، فليس من العجب أن يكون ذا شعبية.
يتوقع أن تكون الزيارة الحالية مختلفة إن لم تكن بجوهرها فبصورتها واسلوبها على الأقل، فلن تكون زيارة كزيارة البابا البولندي يوحنا بولص الذي جاء ليسخن العلاقة بين المسيحية واليهودية، أو زيارة بنديكت السادس عشر البابا الالماني الذي كان ينتمي في ماضيه الى شباب هتلر كما كان يوجب ذلك آنذاك القانون في المانيا ونسي أن يفعل ما توقعوا منه أعني طلب المغفرة، والتي كانت زيارة باردة. يزورنا هذه المرة بابا ودود دمث بسيط من اوساط الشعب، اذا شئتم، جاء في الأساس ليفعل ما يفعله على أفضل نحو ممكن وهو أن يوحي للعالم بالصداقة في الأساس.
أصبحت الكنيسة الكاثوليكية تفقد من شأنها في العقود الاخيرة، فالعصر الحديث والحداثة لا يخدمان الكنيسة بصورة خاصة. وفي دول مختلفة مثل فرنسا واورغواي يشهد رجال الدين المحليون كيف تُمكن الدولة من زواج المثليين، ويفسر السلوك الاخلاقي في العالم اليوم تفسيرا جديدا. كان يرأس الكنيسة الى وقت قريب بنديكت السادس عشر، وهو بابا ذي عقلية قديمة ومحافظ لم يكن يلائم ألبتة روح العصر. وناسبت استقالته التاريخية التي لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، الفاتيكان مثل القفاز لراحة اليد. وبشر الدخان الابيض الذي ارتفع من مداخن الغرفة السيستينية في الفاتيكان في 13 آذار 2013 بالعهد الجديد على صورة حديثة بين الكنيسة والمؤمنين. فقد انتخب هذه المرة للمنصب المقدس بابا ‘من أسفل’، وهو واحد كان يسافر في شبابه في الحافلات، بل إنه كان بحسب الكشوف الاخيرة مراوَدا.
لا شك في أن البابا الـ 266 هو بابا من نوع مختلف، دون أن نذكر أنه أول من جاء من قارة امريكا الجنوبية، وهذا في حد ذاته أمر مهم جدا وتاريخي. ولا ينتهي التاريخ هنا. فالبابا الذي ولد في بوينس آيريس في 17 كانون الاول 1936 باسم برغوليو ماريو جورج هو أول يسوعي ينتخب للباباوية أيضا.
إن علامة تعريف فرانشيسكوس هي روايته الغرامية الطويلة المستمرة مع الطبقات الضعيفة من السكان. والحديث عن بابا كان يفضل أن يقضي وقته في مدن المساكن الصفيحية لا في بيوت فخمة لمؤمنين أغنياء كما كانت تُمكنه وظيفته الرفيعة في العشرين سنة الاخيرة أن يفعل.
بيد أنه يجب التفرقة بين الاسلوب والجوهر. ففرانشيسكوس لا يختلف في ايمانه عن سلفه بنديكت السادس عشر، وهو ايضا يؤمن بأن الله لا البابا هو القائد. وأن البابا هو رسول الله فقط. بيد أنه يختار اسلوبا جديدا أكثر انسانية وانفتاحا. وبدأ الاصلاح معه سريعا جدا بالاسلوب على الاقل. فمنذ أن انتخب أصبح ميدان بطرس المقدس الذي يقع قبالة قاعة بطرس المقدس، يمتليء في ايام الاحد.
لم يكن انتخاب الكرادلة لفرانشيسكوس ساذجا، فقد اصبحت الكنيسة في القارة الاوروبية التي يختار البابوات منها على نحو عام ضئيلة الشأن. ولم يكن بنديكت السادس عشر الذي كان يرأس ‘مجمع العقيدة’ (محاكم التفتيش في الماضي) لم يكن ‘يجذب الجمهور’ وكان يلائم المحافظين والمؤمنين المخلصين. وربما بسبب ذلك لم تؤسف استقالته في 28 شباط 2013 الفاتيكان بصورة خاصة.
يعرف فرانشيسكوس كيف يؤثر بكلامه في قلوب الرجال والنساء. فالحديث عن بابا يلائم روح العصر وإن يكن قد يخيب أمل من يتوقع اصلاحا عاما لأنه يوجد حد لما يستطيع بلوغه. وهو يستطيع أن يبين مثلا حدود الاصلاحات فيما يتعلق بمعاملة الكنيسة للوطيين وأن يفعل ذلك في احتضان وحب وربما يكون هنا الاصلاح الأكبر.
هذا الى أن البابا الذي يُعد الغداء لنفسه يعتبر اصلاحا ضخما. إن بابا من اوساط الشعب يأتي لزيارتنا. والرسالة برغم لباسه الفخم هي رسالة تواضع.

هآرتس 21/5/2014

بوعز بسموت

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية