يبدو أن التنبؤات المتفائلة كانت مرة أخرى سابقة لأوانها. والجولة الحالية من المفاوضات حول صفقة المخطوفين ربما تنتهي بالفشل. الوسطاء الأمريكيون يلقون التهمة على حماس، التي قد يرد عليها السنوار سلباً، ولكن الخلاف الشديد داخل الحكومة الإسرائيلية يظهر أيضاً انتقاداً داخلياً لاعتبارات رئيس الحكومة نتنياهو، وقد يسرع تفكك الائتلاف، على الأقل بالصيغة الحالية.
السنوار يتباطأ في رده هذه الأثناء. ولكن حسب معظم التقديرات، سيكون سلبياً أو سيشمل ما فيه الكفاية من التحفظات كي يعتبر هكذا. تؤكد الولايات المتحدة أن العرض الذي قُدم لحماس سخي جداً، كما يبدو من خلال نية الضغط على السنوار كي يتنازل. ثمة شك بنجاحه، الإدارة الأمريكية تقدم لنتنياهو بصورة غير مباشرة ادعاء دفاع مثالي أمام الانتقاد الداخلي.
وفي هذه الحالة، الإشارات التي تأتي من إسرائيل غير مشجعة. كان يمكن إدراك وجهة هبوب الرياح منذ بداية الأسبوع عندما ردت أبواق نتنياهو في وسائل الإعلام رسائل تدين الصفقة الخطيرة. رئيس الحكومة نفسه التقى الثلاثاء أعضاء من متدينين حريديم وطنيين لأبناء عائلات مخطوفين وثكالى. وأصدر في نهايته نتنياهو الذي لا يلتقي إلا مع عائلات المخطوفين من المصوتين لليمين، بياناً حازماً حول نيته احتلال رفح.
سيمفونية التقييد تستمر. بعد تصريحات حازمة للوزيرين سموتريتش وبن غفير، التي سمعت في جزء منها كتهديد مبطن لنتنياهو، انضمت صباح الأربعاء إلى هذه الضجة أوريت ستروك، وزيرة الاستيطان والمهمات الوطنية، وهي الشخصية المثالية للتضامن اليهودي والإنساني، وأعلنت في مقابلة مع “صوت الجيش” بأنه “لا يوجد لحكومة تلقي كل شيء من أجل إعادة 22 أو 33 مخطوفاً في سلة القمامة، أي حق في الوجود”. 22، 33، ماذا يهم؟ (ستروك قالت دفاعاً عن نفسها، إنها تهتم بحياة المخطوفين الآخرين الذين سيتم تركهم وينتظرون النبضة القادمة). على أي حال، يبدو أن نتنياهو يستمع للأقوال ومستعد لتقييد نفسه مرتين: رفض الصفقة (التي يبدو في الأصل أن حماس ترفضها)، وعرض احتلال رفح كحل لكل مشكلاته.
هذه هي المرة الأولى التي يتصرف فيها نتنياهو وشركاءه بهذا الشكل. نفس الصفقة بصيغ مختلفة، ولكن بدون أي تغيير بارز، موضوعة على الطاولة منذ ثلاثة أشهر على الأقل. العائق الرئيسي بقي على حاله. حماس تبحث عن طريق آمن لوقف إطلاق نار كامل وطويل يضمن بقاء حكمها. الحكومة الإسرائيلية ترفض؛ لأن الحرب ستنتهي دون أن تحقق أهدافها. مجال المرونة، إن وجد، يتعلق بصيغة يتم فيها ترتيب الانتقال من وقف نار مؤقت في النبضة الأولى لإطلاق سراح المخطوفين، إلى اتفاق طويل المدى في النبضة القادمة. ولكن رئيس الحكومة يصدر تصريحات عنيفة ويقيد نشاطات طواقم المفاوضات بشكل يقلص أصلاً مسبقاً احتمالات النجاح. والسنوار، لاعتباراته، يضع العقبات من الجانب الآخر.
حول احتلال رفح، يكرر اليمين شعاره القديم وكأن الضغط العسكري وحده هو الذي سيحقق أهداف الحرب – تفكيك حكم حماس وقدراتها العسكرية وإعادة المخطوفين. ولكن حتى الآن، لم يثبت هذا الادعاء. والنجاح المؤثر للجيش الإسرائيلي في هزيمة كتائب حماس في شمال ووسط القطاع يفقد التأثير بالتدريج لأن حكومة نتنياهو – سموتريتش رفضت مناقشة أي عمل سياسي يستكمل الإنجاز العسكري ولم تسمح حتى بمحاولة ظهور أي بديل سلطوي في هذه المناطق. في حين أن السبب الرئيسي في موافقة حماس على صفقة المخطوفين الأولى في تشرين الثاني الماضي كان كما يبدو الحرج الدولي الذي وجدت فيه نفسها عندما وثق رجالها أنفسهم وهم يذبحون وينكلون بالمدنيين الأبرياء في مذبحة 7 أكتوبر. كان للضغط العسكري دور، ولكن يبدو أن السنوار قرر التنازل بعد ذلك عما اعتبر عبئاً، وهو أكثر من 100 مخطوف معظمهم من النساء والأطفال، لأن بين يديه ما يكفي من المخطوفين الآخرين كورقة مساومة.
التعقيد المطلق
بقي في رفح أربع كتائب لحماس، التي يبدو أنها ما زالت تعمل بشكل معقول. وسيستغرق الأمر أشهراً لتفكيكها لأن الجيش الإسرائيلي سيحتاج إلى العمل لتدمير شبكة الأنفاق والحصون تحت الأرض. وبدون الإضرار بها بشكل كبير، فلا يوجد تحييد حقيقي لسلسلة القيادة والسيطرة التي تشغلها حماس. في مدينة غزة، رغم المناورة البرية الواسعة والعنيفة للجيش الإسرائيلي، بدأت منظومة القيادة والسيطرة لحماس في النهوض عقب انسحاب القوات. هذه جهود يجب إدارتها وصيانتها لسنوات كي تصل إلى نتائج حاسمة ولفترة طويلة. لذلك، فإن احتلال رفح لن يؤدي إلى هزيمة حماس رغم أن إسرائيل ستستكمل بذلك، للوهلة الأولى، احتلال كل القطاع؛ لسبب بسيط، وهو أن الجيش الإسرائيلي لن يسيطر على كل المناطق في القطاع في نفس الوقت (حتى في المناطق التي تم احتلالها، يمكن للعدو مواصلة حرب العصابات فيها).
إضافة إلى رفح، ثمة كتيبة ونصف لم تتضرر بشكل كبير في دير البلح والنصيرات ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع. وفي الأشهر الأخيرة، يبدو أن حماس نجحت في نقل مخطوفين إلى أماكن اختباء مختلفة. ولا يوجد سبب لتصديق أن حماس بالانتظار مع جميع المخطوفين المتبقين، بالذات في رفح، قبيل اقتحام إسرائيل. في حين أن دخول الجيش الإسرائيلي إلى منطقة مأهولة ومكتظة مع القصف الجوي، قد يكلف حياة مخطوفين آخرين كما حدث في خان يونس وغزة. هذا قد يحدث نتيجة ضربة خاطئة لإسرائيل، وربما بسبب إعدام المخطوفين، وهي الخطوة التي لم تتردد حماس في اتخاذها من قبل عندما خشي رجالها من عمليات إنقاذ يقوم بها الجيش الإسرائيلي في مناطقهم.
اللهجة الحازمة التي يعظ بها وزراء ومراسلون من أجل احتلال رفح، والتي يعدون فيها بالنصر المطلق، تطرح سؤالاً: ألا يأخذ هؤلاء في الحسبان الخسائر المتوقعة في الطرف الإسرائيلي، من المخطوفين والجنود الإسرائيليين (ولا نريد التحدث عن المصابين الفلسطينيين المدنيين)؟ التحفظ الأمريكي من احتلال رفح ما زال قائماً. المتحدث بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، كرر ذلك فجر اليوم. الإدارة الأمريكية تطلب من إسرائيل تقديم ضمانات لإخلاء آمن لنحو مليون فلسطيني من المنطقة. وهذا لن يكون عملية سهلة أو قصيرة، وبعد ذلك يتعين على إسرائيل التحلي بدرجة من الحذر في استخدام النار، أكبر بكثير من الحذر الذي كان أثناء احتلال أجزاء أخرى في القطاع. وقد نشر في “نيويورك تايمز” بأن الإدارة الأمريكية ستفحص فرض قيود على بيع السلاح لإسرائيل إذا اجتاح الجيش الإسرائيلي رفح.
كالعادة، الوزير غادي آيزنكوت، العضو في مجلس الحرب، يقول أموراً صحيحة. ففي البيان الذي نشره أمس قال إن “الكابنيت حدد قبل نصف سنة أهداف الحرب، اثنان من أعضاء الكابنيت يمارسان الابتزاز بالتهديدات السياسية. هذه ظاهرة خطيرة تضر بأمن إسرائيل الوطني. أنا سأكون شريكاً فقط في حكومة تتخذ القرارات لاعتبارات تنبع من المصالح الوطنية لدولة إسرائيل وليس لاعتبارات سياسية”. هذه أقوال واضحة. والسؤال هو: هل وكيف ستترجم إلى خطوات سياسية؟
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 2/5/2024