القاهرة ـ «القدس العربي» : ووري جثمان الممثلة دلال عبد العزيز الثرى، وما زالت صحف القاهرة، تفتش في خزانة أسرارها، بينما الإعلامي زوج ابنتها ما زال يقص على المشاهدين تفاصيل معاناة الأسرة قبيل الرحيل.. وبينما المنطقة تعيش على صفيح ساخن وفي ما الأزمات تعصف بالأغلبية الفقيرة كان الخبر “العاجل” الذي اهتمت به العديد من الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 11 أغسطس/آب، سفر ياسمين عبد العزيز لسويسرا لاستكمال العلاج .. ففي زمن الجفاف الإعلامي والتصحر السياسي، واللامعقول المهني، تظل الساحة مرشحة لاستقبال مزيد من الغرائب.
وفي صحف أمس الأربعاء سادت حالة من الترحيب بتصريحات صادرة من واشنطن بشأن سد “الخراب” الإثيوبي، إذ قالت دانا سترول نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، “نعتقد أن لدى مصر هواجس مشروعة، ونعتقد أن المساعدة الأمنية لمصر هي وسيلة أساسية لتلبية هذه الاحتياجات”. وأضافت أن “الإدارة الأمريكية تعتبر أن مصر تؤدي دورا بناء في ما يتعلق بأمن الحدود وبليبيا وبسد النهضة الإثيوبي وبالنزاع في غزة”. وشهدت الصحف مزيدا من المعارك ضد قوى المعارضة، ووجد السلفيون أنفسهم يعودون للواجهة مجددا، إثر الشهادة التي ادلى بها الشيخ محمد حسان أمام المحكمة التي تنظر محاكمة “دواعش أمبابة”. واللافت أن حسان عثر على من يدافع عنه أمس الأربعاء، وإن كان الهجوم على السلفيين تواصل بشكل لافت، إذ تحول كثير من الصحف لساحات معارك لتقطيع أوصالهم ..ومن أخبار القصر الرئاسي: أكد وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، الاهتمام الذي يوليه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، لسرعة توفير قطع الأراضى اللازمة لإقامة مشروعات برنامج تطوير الريف المصري، ضمن المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” في مختلف محافظات الجمهورية.. ومن الأخبار التي تهتم بها الطبقات الكادحة: بدأت مكاتب التموين في المحافظات، تلقي طلبات المواطنين لاستخراج بطاقات تموينية جديدة للمستحقين، ومنهم النساء المعيلات، سواء الأرملة أو المطلقة، وأصحاب معاشات الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة وأصحاب الأمراض المزمنة، وذوو الاحتياجات الخاصة، بدون التقيد بالدخول الخاصة بهم، والقصر الذين ليس لهم عائل أو دخل ثابت.
كما كشفت وزارة الصحة عن 86 إصابة جديدة بفيروس كورونا.. و6 حالات وفاة. ومن أخبار الفنانين: غادرت الفنانة ياسمين عبد العزيز مطار القاهرة الدولي متوجهة بطائرة إسعاف مجهزة إلى جنيف، لاستكمال علاجها في أحد المستشفيات السويسرية. وأشارت المصادر إلى أن حالة الفنانة الصحية كانت مستقرة أثناء نقلها على متن الطائرة، تمهيدا لسفرها.
متى نستريح؟
الذين يتساءلون متى يستريح المصريون، إنما يطرحون ومن وجهة نظر الدكتور مصطفى الفقي، التي كشف عنها في “المصري اليوم” سؤالا افتراضيا في واقع الأمر، فالوجود لا يستقر على حال، وحياة البشر فوق كوكب الأرض ليس لها ضمانات، كما أن الإنسان يحمل في داخله عوامل فنائه وأسباب رحيله، لذلك فقد أصبح من المتعيّن علينا أن نعيش الحياة بالفلسفة التي تقول (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)، وهي الفلسفة ذاتها التي نستشفها من قوله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، ونحن هنا نتساءل: هل هناك شعوب كُتبت عليها أسباب الشقاء وأنواع الضغوط ليحيا أبناؤها حياة لا تخلو من معاناة دائمة وأزمات محكمة، ولكن تنطلق عبقرية البشر لتصنع بذكاء اليدين – على حد تعبير الدكتور سليمان حزين، رحمه الله – الحضارة الملهمة وتضع اللبنات الأولى لما شيّده العقل البشرى منذ فجر التاريخ. ولنا هنا ملاحظتان: أولا: أن الانصهار السكاني والاندماج البشري في مصر مع غياب العنصرية والطائفية والتعصب قد أدى في مجمله إلى حياة لا تخلو من استرخاء، ولا تبرأ من شعورٍ عام بالاستقرار. ليس لدينا أعاصير ولا زلازل ولا فيضانات ولا براكين، إلا في ما ندر، فاستمرأ المصريون الحياة اللينة في معظمها، وأصبحت الكوارث والفواجع أمرا يفوق الخيال لدى المصري، الذي لا يعرف إلا الأرض والنهر ويبحث عن الرزق ويعبد رب الخلق، ولا شك في أن تلك الدعة أدت إلى حالة من حالات الاسترخاء، وصرفت المصري دائما إلى طلب المزيد. ثانيا: إن مصر دولة ينطبق عليها تعبير الوسطية، فهى لا تعرف التطرف في أعماقها، ولكنها تسعى إلى التعدد في أعراقها في عملية مواءمة تلقائية بين المتناقضات التي تحفل بها.
لذة التعب
واصل الدكتور مصطفى الفقي كلامه، مؤكدا أن الذين تخصصوا في التاريخ الاجتماعي لمصر أدركوا عن يقين أن ذلك البلد المعطاء هو حارس حضارات وصانع ثقافات، لا يتوقف عطاؤه ولا يخبو نوره أبدا، ولكن ذلك يجب أن يدعو المصريين والمصريات إلى المزيد من العمل الدؤوب والجهد المخلص لتشكيل دعائم دولة قوية تعيد للدور المصري مكانته وتضع سياساته الوطنية فوق كل الاعتبارات الشخصية، أو المرحلية، إننا نؤمن عن حق بأن مصر هي كنانة الله، وأنها عصِيّة على السقوط ولن تُضام أبدا، ففيها خير جند الأرض، وعلى أرضها تحدث موسى إلى ربه من طور سيناء، بعد أن اكتشف المصري القديم معادلة التوحيد وآمن بالرب الذي يعلو على كل شيء، وعلى أرض مصر أيضا مضى الموكب الصغير للسيد المسيح طفلا يلوذ بهذه الأرض ابتعادا عن بطش الرومان وملاحقة الحاكم الذي يتعقبه هو وأمثاله من الأطفال الأبرياء في أرض فلسطين. وهي أيضا مصر التي صاهرها النبي محمد بالزواج من مارية القبطية القادمة من محافظة المنيا في شمال صعيد مصر. لن يستريح المصريون بين يومٍ وليلة، لأن سنة الحياة هي المعاناة المتصلة، بل إن متعة الوجود ولذة البقاء إنما تأتي كلها من حالة اليقين الكامن بنفس راضية، والعقل الذي لا يتوقف عن التفكير، والقلب الذي يظل يدق إيذانا باستمرار الحياة مهما كانت المتاعب، ومهما تراكمت المصاعب، ومهما تزايدت التحديات.
أهانوها ميتة
السبق الصحافي من وجهة نظر محمد أمين التي كشف عنها في “المصري اليوم” أصبحت له سطوة في عصر التريند، وقد يتسبب في مشكلات سياسية واجتماعية، إذا خالف القواعد والضوابط وآداب المهنة.. ويجب أن تتصدى نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام للمخالفين للقواعد والآداب.. فلا سبق صحافي مع وجود جريمة أخلاقية.. ولا سبق صحافي مع وجود سوء نية. وركوب التريند بدون التقيد والالتزام بدقة الخبر ومراعاة الشعور العام. وما حدث في جنازة الفنانة دلال عبدالعزيز ليس فيه سبق صحافي أبدا.. فقد انتهت الشائعات بموتها، ولم يعد هناك سبق صحافي من أي نوع.. فأي سبق صحافي في دخول كاميرا مع النعش للمقبرة؟ وأي تميز حين تصور لحظة الدفن وإنزالها من النعش للمقبرة؟ ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. لم يكن أحد يصور الجنازات والمآتم والسرادقات.. والغريب أن أصحاب الميت وأهله هم من يسمحون بذلك أحيانا (هذا الأمر لم يتحقق في جنازة الفنانة دلال).. هناك عزاءات رأيتها في مسجد عمر مكرم يتم تصوير كل همسة في المأتم.. هل أهل الميت طلبوا ذلك؟ الله أعلم. هل يريدون أن يسترجعوا الشريط بعد فترة؟ هل يريدون أن يسجلوا من جاء ومن لم يحضر؟ الله أعلم.. لكن المصورين لم يدخلوا المأتم إلا بموافقة.. هل هو استسلام من جانب أهل الميت لطلبات الصحافيين، أم أنها الفشخرة الكدابة؟
كفى ابتذالا
صحيح والكلام لمحمد أمين، ما زالت هناك شخصيات سياسية عامة تتابعها الصحافة، ويكون التصوير في حدود بسيطة وكتابة كلمتين مع الصور.. ولكن ما معنى ملاحقة فنانة في المستشفى بالشائعات، وفي المأتم بالتصوير حتى المقبرة؟ لا أدري ما معنى هذه الصحافة وأي سبق يجرون وراءه؟ فلماذا لا نحصل على سبق صحافي حول تشكيل وزاري أو مناقشة قانون بشأن رغيف الخبز أو أسعار الطاقة؟ هل الصحافة المسموح بها هي الصحافة الاجتماعية، وهذه واحدة من أخطاء التجربة؟ وقال الكاتب إنه يشعر بالضيق من حالات الابتذال التي تحدث من جانب الصحافة.. ويشعر بالإهانة حينما يعتدي أهل الميت على صحافي لأنه يفتقد الكياسة والذوق ومراعاة المشاعر.. وكأننا عدنا مرة أخرى لنوعية الصحافي الذي كان يظهر في السينما زمان، حيث يعاملونه كمرمطون.. لعن الله التريند ومن يجري وراءه.. ولعن الله نوعية من الصحافيين لا تحترم نفسها ولا تعرف قدرها.. فقد أصبح «الاتنين بقرش» كما يقولون.. والسوق، للأسف، تعتمد على هذه النوعية، وتعتقد أن الكل زي بعضه. باختصار، كما قال الكاتب الصحافة ليست هي الإثارة، والدنيا تغيرت، فلم تعد هي صحافة الكلب الذي عض إنسانا، والانسان الذي عض كلبا.. فالصحافة هي الدقة والانضباط في نقل الخبر.. والخبر يعني الحقيقة فقط، وليس الشائعات.. وليس هذا الكلام ضد حرية الصحافة بالمناسبة.. حرية الصحافة مشروطة بالمصداقية، وأن تكون الواقعة صحيحة مستندة لمصادرها الحقيقية.. فالأخبار المجهولة تضر الصحافة أكثر مما تنفعها، ولا تحقق أي مصلحة اجتماعية أو وطنية.
ليته ما يأتي
تظاهرات احتجاجية كما أوضح محمد صلاح البدري في “الوطن” انتشرت في أكثر من مدينة فرنسية خلال الأيام الماضية، اعتراضا على قرار المحكمة الدستورية بفرض ما يسمى بالتصريح الصحي في البلاد.. بهذا القرار سيُسمح فقط لحاملي التصريح الصحي، وهم الأشخاص الملقّحون بالكامل أو الذين يحملون فحصا لكوفيد نتيجته سلبية، أو شهادة التعافي من المرض، بدخول المقاهي والمطاعم وصالات العروض والمعارض المهنية.. أو حتى ركوب الطائرة والقطار والحافلات لمسافة طويلة. التظاهرات خرجت بعد تصريحات الرئيس ماكرون بالبدء في تطبيق قرار المحكمة فورا.. وهو ما اعتبره بعض المواطنين تقييدا لحريتهم الشخصية! في فرنسا تلقى أكثر من 44 مليون مواطن جرعة واحدة على الأقل من لقاح كوفيد.. وهو ما يمثل حوالي ستة وستين في المئة من عدد السكان!
ما زال العالم كله ينتظر الموجة الرابعة.. التي يتوقع الجميع أنها ستحمل النسخة المتحورة الجديدة والمعروفة باسم دلتا.. يتحدث البعض أنها بدأت بالفعل في أوروبا.. الأمر الذي جعل حكومتي ألمانيا وفرنسا تمضيان قدما في إعطاء جرعات منشطة من اللقاحات، اعتبارا من سبتمبر/أيلول المقبل، في تجاهل تام لتوصية منظمة الصحة العالمية بالكف عن ذلك، حتى يحصل المزيد من سكان العالم على التطعيمات الأساسية. أصبح العالم أكثر خبرة في التعامل مع هذا الفيروس اللعين.. في منتصف يونيو/حزيران الماضى نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا بعنوان «the new normal».. أو «الواقع الاعتيادي الجديد».. ليتحول بعدها التعبير إلى واحد من أشهر التعبيرات التي استخدمها العالم في عصر انتشار كوفيد.. ويبدأ الكوكب في توصيف كل أحداثه وأنشطته طبقا لهذا المصطلح، أو طبقا لما فرضه علينا هذا الفيروس اللعين من واقع إجباري.
على الأبواب
وأشار محمد صلاح البدري إلى أننا في مصر يتوقع البعض أن نعاني من الموجة الرابعة في أواخر هذا الشهر، أو بدايات الشهر المقبل.. توجد مؤشرات أولية عن زيادة بسيطة في عدد الحالات حتى الآن، ولكنها لم ترقَ إلى مستوى الأزمة بعد. أصبحنا ننتظر الموجة الجديدة عقب كل موسم للتجمع.. لقد كان الشهر الماضي متخما بالأعياد والإجازات.. المصايف لم تعترف بوجود كوفيد أبدا.. الكل بات يدرك جيدا أننا في انتظار موجة عارمة في نهاية أشهر الصيف.. منذ أيام أعلن موقع غوغل عن تقريره الشهرى لمراقبة الحركة في العالم.. التقرير أفاد بأن مصر شهدت تكدسا كبيرا في مراكز التسوق في العاصمة خلال الشهر الماضي.. وتكدسا بشكل أكثر بكثير في محافظات الصعيد.. وفي المقابل انخفضت نسبة الوجود في المنازل بشكل كبير..لا توجد وسيلة واحدة تصلح للوقاية من تلك الموجة المنتظرة سوى التوسع في تلقي اللقاح.. لم يعد هناك مكان للرافضين أو المتشككين في أنواع اللقاحات، أو حتى للراغبين في نوع بعينه دون الآخر! لقد امتلكنا لقاحنا الخاص بالفعل، أو في طريقنا لذلك خلال فترة قصيرة.. يرى البدري أن بحث وجود تشريع يلزم المواطنين بتلقي اللقاح كذلك التصريح الصحي الذي تم إقراره في فرنسا، أو ما يوازيه في دول العالم الأخرى، قد بات ضروريا، على أن يتم تعميمه على القُطر المصري كله في فترة قصيرة.. بل وفرض عقوبة على من يرفض تلقي اللقاح.. فـ«دلتا» قد صار على الأبواب.. ولا سبيل للهروب منه سوى اللقاح.
بين شيخين
نتحول نحو السلفيين الذين عادوا للواجهة بصحبة مصطفى حمزة في “الأهرام”: جاءت شهادة الشيخ محمد حسان في المحكمة، التي تنظر القضية المعروفة إعلاميا بـ”داعش إمبابة”، مختلفة تماما عن تلك التي أدلى بها رفيقه الشيخ محمد حسين يعقوب أمام المحكمة ذاتها منذ أكثر من شهر تقريبا، وكما توقعت لم يكن حسان مترددا، بل كان منطلقا مفوها كعادته، صال وجال، ولو ترك له المجال لاستطرد أكثر من ذلك، ولكن يضيق وقت المحكمة، فالمجال مجال شهادة لا مجال دعوة. لم يقل الشيخ حسان “لا أدري” بل أجاب عن كل الأسئلة بلا استثناء، على عكس ما فعله الشيخ يعقوب، الذي تعمد الإجابة بـ”لا أدري” على كثير من أسئلة المحكمة، لدرجة أنه قال عن نفسه إنه جاهل، لم يدّع حسان الجهل بما يعلم، فقال رأيه في الإخوان وحازمون والقاعدة وداعش والسلفيين، والسلفية الجهادية، وأنصار بيت المقدس والجماعة الإسلامية، والسرورية، وشرح مصطلح “الطائفة الممتنعة”، الذي ادعى يعقوب الجهل به، مثلما ادعى الجهل بتنظيمات إرهابية يعرفها القاصي والداني. اعترف الكاتب بإعجابه بالشيخ حسان حينما اعترف بتأييده لجماعة الإخوان كمرشحة لقيادة مصر بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، بل زاد على ذلك أنه كان يراهم الأنسب والأصلح نظرا لخبرتهم السياسية، وهذا اعتراف يشكر عليه، لأنه يحمل في طياته ميلا كان دفينا لجماعة الإخوان، التي يرى أن أصل نشأتها دعوي ثم تحولت للسياسة، على خلاف حقيقة الجماعة، التي ربما لا يعلمها الشيخ حسان، أو يتغافل عنها، وهي أن النشأة من الأصل سياسية وليست دعوية، وإنما اتخذت الدعوة مطية للوصول إلى السلطة.
أرض جديدة
الهجرة سلوك غريزي يتسم به البشر وكل كائن حي، والإنسان كما يرى حسين خيري في “الأهرام” تتملكه دائما رغبة في التطور، ويبحث باستمرار عن الحياة الكريمة والاستقرار، ليضمن بقاءه وشعوره بالأمان، ومنذ نشأة الإنسان لم يعرف الاستقرار، وكلما طابت له الحياة على أرض سرعان ما يراوده الشعور في العثور على الأفضل. والبقاء في مكان لفترة طويلة يُفقد الإنسان حيويته ونشاطه، وقد يخبو لديه مع الوقت العشق للوطن، وهو شبيه بالمياه الراكدة الآسنة، وتتجدد دماؤه مع الانتقال إلى أرض جديدة مزدهرة بالأمن والنماء. ولا تنبت الثمار إلا بنثر البذور على الأرض، وحامل البذور لا يحق له الاستقرار في مكان واحد، وصحابة الرسول “صلى الله عليه وسلم” كانوا كحامل البذور، ولذا اعتادوا الهجرة بغية نشر دعوة الٍإسلام، وفي كل ديار يقيمون فيها يسعون إلى نشر مكارم الأخلاق والتسامح، من خلال معاملاتهم مع أهل الديار التي حلوا بها، وقد فاضت أرواح الكثير منهم بعيدا عن الأرض الأم. وكانت الحبشة الوجهة الأولى لهجرتهم، غير أنها لم تكن صالحة بأن تكون مركزا للدعوة، نتيجة لاختلاف البيئة الثقافية واللغة، ولبعدها عن مركز بداية الدعوة ومقر البيت الحرام. واستمر الرسول “صلى الله عليه وسلم” في عرض دعوته على القبائل العربية، حتى استقر به الحال وأرسل مصعب بن عمير إلى المدينة، وكان داعيا وفقهيا عظيما.
هجرة شرعية
لم تكن هجرة رسولنا الكريم “صلى الله عليه وسلم” كما أشار حسين خيري غير شرعية، فأرسل أهل المدينة مع مصعب بن عمير 73 رجلا وامرأتين، وأعلنوا الترحيب به، وتعهدوا بفتح أبوابهم لاستقباله هو وصحابته، وجمعت الهجرة النبوية بين هجرة المكان وهجرة الذات، وتجسدت الثانية في الفرار من الفتن، وقال فيها النبي “صلى الله عليه وسلم”: “المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه”. وليست مغادرة الوطن وترك الديار والأهل بالأمر الهين على النفس، والهجرة بمنزلة تضحية كبرى، بيد أن الثواب يتعاظم بقدر هدف التضحية، فما بال الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله، وكانت هجرة الحبيب نصرا للإسلام طبقا لقوله تعالى: “إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين”. يرى الكاتب أنه لا تعارض بين الهجرة وحب الوطن، فقد خرج الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقلبه يعصره الألم والأسى، ويقول في وداع بلده “مكة المكرمة” آملا في العودة: “والله إنك لأحب أرض الله إليّ وأحب أرض الله إلى الله ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت”. ولم تكن هجرة خير البرية “صلى الله عليه وسلم” مغامرة غير محسوبة، فقد أمر صحابته بالهجرة بعد أن استوثق من رسوخ الإيمان في قلوب أهل المدينة، وتعهدهم بالدفاع وحماية الرسول في بيعة العقبة الثانية، وكانت الإجراءات تجري في سرية تامة، ووضع لها خطة محكمة، ولم يترك فيها أمرا إلا وبحثه؛ سواء كان صغيرا أو كبيرا خلال رحلة الهجرة. وحينما ترد كلمة مدينة في القرآن الكريم تشير إلى البيئة الطيبة لنشوء المجتمع المدني بمؤسساته، ويقترن اسمها بالتنوع السكاني من النواحي الدينية والفكرية والعرقية.
موتوا بغيظكم
مع أول انطلاقة لفعاليات منافسات أولمبياد طوكيو، وخسارة بعض اللاعبين المصريين في عدد من اللعبات وخروجهم من المنافسة مبكرا، سن المتربصون، كما أكد دندراوي الهواري في “اليوم السابع” سكاكينهم، وأجهزوا على البعثة المصرية، تريقة وتسفيه وتسخيف وتشكيك. ظاهرة التشكيك والتسخيف، على مواقع التواصل الاجتماعي، تنقسم كما قال الكاتب إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول، عبارة عن كتائب تشكيك، تقف وراءها جماعات وتنظيمات، مسخرة ذباب إلكتروني على السوشيال ميديا، يعمل ليل نهار على التشكيك في كل مؤسسات الدولة، وقرارتها وإنجازاتها، مستخدمين نظرية «الدوشة تقنن أوضاع»، فتجد حالة من حالات الزخم في توجيه سهام الشك في قرار أو مشروع تحققه الحكومة. النوع الثانى، خبراء “القلوووظ” من الذين منحوا أنفسهم كل الحقوق الحصرية في فهم كل شىء، يتحدثون في الفيزياء والكيمياء والطب والهندسة والفلك وعلوم البحار والعلوم العسكرية والعلوم الشرعية والقانون والسياسة والاقتصاد والفن والرياضة وعلم النفس والفلسفة والمنطق والرسم والشعر والأدب والإعلام، بجانب قراءة الفنجان ووشوشة الودع، وربما يفتي البعض منهم بأنه يجيد لغات الطير والتحدث مع النمل، لذلك يصدرون فتاوى في كل شىء. النوع الثالث، المتأثرون لاإراديا بالبوستات على فيسبوك، والتويتات على تويتر، والفيديوهات على يوتيوب وتيك توك، بدون التأكد من حقيقة ما يتضمنه البوست أو التويتة، أو الفيديو، وجدنا هذه الأنواع الثلاثة، يدشنون حملات التشكيك والتسخيف من أبطالنا المشاركين في أولمبياد طوكيو، في بداية انطلاق اللعبات المختلفة، وفشل بعض اللاعبين في تحقيق أي مركز متقدم، وكانت الحملات سخيفة، ومدعية، رغم خروج المسؤولين في اللجنة الأولمبية المصرية، يؤكدون أن الحكم متسرع، وحملات الهجوم والتشكيك والتسخيف غير المبررة، إلا أن هؤلاء القابعون خلف الكيبورد، يقذفون بآراء بائسة وجاهلة على مواقع التواصل الاجتماعي. وبمرور الوقت، ووسط حملات التشكيك المخيفة، جاء الرد من الأبطال ورُفع علم مصر 6 مرات على منصات التتويج. الميداليات الست كشفت بوضوح شديد جهل وبؤس مدعي الفهم، وكتائب التشكيك.
هل ينجحون؟
ما هي فرص نجاح قمة دول الجوار، وبعض دول المنطقة التي ستعقد في بغداد نهاية هذا الشهر؟ أجاب عن ذلك عماد الدين حسين في “الشروق”: فرص النجاح أمر صعب جدا، ويحتاج من الدول الإقليمية والكبرى أن تتخلى عن أطماعها، وأن تقبل بالحصول على جزء من أي كعكة وليس كامل الكعكة، وهو أمر صعب التحقيق. فنظرة سريعة على علاقات دول جوار العراق ببعضها بعضاً تكشف حجم الأزمة التي تعيشها المنطقة. دول جوار العراق هي إيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت، ولو تمكن العراق من مجرد جمع قادة هذه الدول وجها لوجه في بغداد، فإنه سيكون قد حقق اختراقا دبلوماسيا كبيرا، يمكن أن يقود إلى حلحلة للعديد من الأزمات المستعصية، التي تفاقمت في السنوات الماضية بصورة خطيرة. السعودية لديها مشاكل صعبة جدا مع إيران، لكن الرياض بدأت تستعيد علاقتها الجيدة مع العراق. وتركيا كما قال الكاتب لها مشاكل ضخمة جدا مع كل المنطقة تقريبا ما عدا قطر، وقواتها تحتل جزءا من الشمال السوري، وتقصف شمال العراق بصورة شبه منتظمة. وسوريا لديها مشكلة داخلية كبرى، إضافة لخلافات مع السعودية، وبالطبع مع تركيا. ومصر لديها مشاكل مع تركيا التي تدخلت في الشأن المصري بصورة غير مقبولة منذ عام 2011، وكذلك في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية ومنها سوريا والعراق. العراق لديه علاقات قوية مع سوريا، والبلدان واجها عدوا مشتركا هو “داعش” والعديد من التنظيمات المتطرفة. وللبلدين علاقات أكثر من وثيقة مع إيران.
رجل مريض
وأكد عماد الدين حسين على أن العراق تمكن من تجاوز الكثير من المطبات والعقبات والتحديات، لكنه ما يزال يواجه الإرهاب الأسود، كما أنه لم يتمكن حتى الآن من التغلب على عقبة الميليشيات المسلحة، التي تهدد هيبة الدولة، ويحاول أن يقرب بين إيران ودول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات. لكن سوريا ما تزال غير قادرة حتى الآن على فرض سيطرتها على بعض مناطق البلاد، بسبب الدعم التركي والأمريكي للعديد من التنظيمات المتطرفة أو المتمردة. وتابع الكاتب رأيه قائلا: إيران أيضا لديها العديد من المشاكل والأزمات مع غالبية دول الخليج وبعض الدول العربية. وبالتالي فإن مجرد تصور وجود الرئيس الإيراني، أو حتى أي مسؤول كبير ووجود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكان واحد مع قادة ومسؤولي دول الخليج ومصر وسوريا والأردن، سيكون حدثا فريدا. مرة أخرى أمر القمة لم يحسم بعد ويتأكد بصورة نهائية، وإذا عقدت فسيكون السؤال هو في أي مستوى من التمثيل سوف تشارك الدول المدعوة، وهل ستقبل بقية الدول الحاضرة وجود الرئيس السوري بشار الأسد؟ وبعدها سيكون السؤال الأساسي: هل هناك رغبة حقيقية من دول الإقليم في الدخول في مرحلة تهدئة، بديلا لسياسة المحاور والصراعات والسؤال الأهم: هل دول الجوار العربية ستقتنع بعلاقات مع الدول العربية، تقوم على أساس المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية؟ أم أنها تتعامل مع المنطقة العربية باعتبارها «الرجل المريض»، الذي يفترض أن يتم تقسيم كعكته؟ وماذا ستفعل إسرائيل التي ستكون أبرز المستائين والمتضررين من عقد هذه القمة، وأخيرا هل ينجح الكاظمي في تحويل العراق إلى ساحة للمصالحة بين العرب وكل من تركيا وإيران، بدلا من كونه ساحة للصراع بينهما؟
يشبهون بعضهم
منذ أيام التقى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالصحافة المحلية، وقد تابع علاء عريبي في “الوفد” ما صرح به عن الشأن المحلي للجزائر، وهو يتشابه كثيرا مع بعض ما يجري في مصر وأغلب البلدان العربية. تبون تحدث عن الشائعات ومحاولة زرع الفتنة بين الجزائريين، والنيل من الجيش الوطني، وتحدث عن الوضع الاقتصادي، والحريات، والدستور، والمعتقلين السياسيين. تبون كما يراه الكاتب مثل جميع الحكام يعد الجيش الوطني للبلاد هو عمود الخيمة أو عمود الوطن، هو درع الوطن وحامي حدوده وضامن سلامة مؤسساته والضامن للحريات، وهي حقيقة، سبق وأقر بها الرئيس السيسي والرئيس قيس سعيد منذ أيام وجميع الأنظمة، الجيش هو عمود الوطن بالفعل، لكن ليس وحده، العمود الحقيقي للوطن يتكون من الجيش والشرطة، صحيح المساحة الأكبر والأقوى من العمود للجيش، لكن للشرطة جزءاً لا يستهان به ويتمثل في حماية الأمن الداخلي للوطن وضمان حقوق المواطن وحرياته، ومحاولة النيل من الجيش أو الشرطة هو محاولة ضرب الوطن وزرع الفتن والصراعات والحروب الداخلية، وفتح الباب للتدخل والسيطرة على مقدرات الوطن. الرئيس الجزائري بحث في موضوع الاحتياطي الأجنبي، الذي يقدر بحوالي 44 مليار جنيه، ومحاولة تنميته، مشيرا إلى عمليات الاستيراد، وأنه يجب عدم فتح باب الاستيراد والصرف الأجنبي سوى على ما تحتاجه البلاد بشكل أساسي، وهو ما سبق وقرره الرئيس السيسي، وتعمل الحكومة على تنفيذه، وللإنصاف هذا الملف يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة للسلع غير الأساسية، نحن نسمع عن استيراد سلع هامشية بملايين الدولارات، مصر في حاجة لها، مثل طعام الكلاب، والشيكولاتة والمكسرات وغيرها من السلع، ومنع استيرادها لفترة لن يوقف الحياة، يجب أن نفكر في وقف استيراد بعض السلع لمدة عام أو اثنين لتوفير ما ينفق من ملايين الدولارات. تبون مثل قيس سعيد الرئيس التونسي، أكد على الحريات، وأن الدستور هو الضامن الحقيقي لها، وأن السجون الجزائرية تخلو تماما من المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي، وأن الحريات مكفولة للجميع.
غدر الصديقة
«الحقيني.. حوشيهم عني» لعلها كانت آخر كلمات نطقت بها نجلاء التي سردت مأساتها فكرية أحمد في “الوفد”، وهى تستغيث بصديقتها الوحيدة نورهان في تلك الليلة الظلماء الأخيرة، داخل عيادة كفر الدوار، صرخاتها «الحقيني» وطعنات الغدر تثخن جسدها الرقيق، واليد السوداء الآثمة تلتف حول رقبتها تزهق فيها أنفاس الحياة، هذا المشهد الدموي المرعب لم يرق له قلب صديقتها، لتتحرك وتوقف الجريمة قبل إكمالها، قلبها المليء بالغيرة والحقد، حولها إلى وحش، فوقفت بدم بارد تتابع عملية القتل والطعن والخنق، بل أشارت بيدها للقتلة الذين تآمرت معهم ليكملوا جريمتهم، وقد زين لها شيطانها أنها بمقتل صديقتها، ستحتل مكانها في العمل في العيادة، مجرد عمل عادي وبسيط، ليس فيه مركز ولا سلطة أو نفوذ، ولا أعتقد أن الفوز بالعمل وحده كان الدافع للجريمة، بل دوافع أخرى نفسية منها الغيرة من صديقتها التي تدرس وتعمل، ولعلها الغيرة من سيرة صديقتها الطيبة التي يحبها الناس لعملها الخير، ولعل هناك أسبابا أخرى ستكشف عنها التحقيقات. أضافت الكاتبة: ما حدث في التصنيف القانوني، جريمة جنائية، ولكن في التصنيف المجتمعي والنفسي، أكبر من ذلك، جريمة ضد كل القيم والأخلاق والمعايير الإنسانية، جريمة الصديقة التي كانت تبدو وفيّة ومحبة ومخلصة، فإذا بها من الداخل عكس ذلك تماما، تتمنى كل الشر لصديقتها، وتحلم بإزاحتها عن الحياة لتحتل مكانها في الرزق، جريمة ثقة لم يعد لها وجود، وأمان ضاع، ووجوه شياطين وذئاب ترتدي أقنعة بشر، جريمة بدران وأدهم الشرقاوي، الذي باع صديقه وسلم رقبته ليفوز بمكسب ضئيل في الدنيا، إنها ليست مجرد جريمة عادية للأسف، لأنها تضعنا في مواجهة مع أنفسنا لنطلق سؤالا محددا: بمن نثق؟ الأنثى عندما تضيق بها مشاكل الحياة، تلجأ لصديقة مقربة، تستودعها أسرار حياتها، وغالبا تكون هي «صديقة العمر» كما توصف، ومؤكد يفعل الرجل كذلك، الصديق، فالصديق هو السند والملجأ وقت الضيق، الصديق لفظة مستمدة من الصدق، والمصداقية في النصح والعمل والقول، وورد معنى الصديق في القرآن الكريم مرتين فقط مما يدل على ندرة المعنى رغم وجوده، وذلك على النقيض من كلمة صاحب التي وردت أكثر من مرة، لأن الصاحب مجرد رفيق مكان، طريق، فترة زمنية أو موقف، وقد يكون طيبا أو سيئا.