يعتبر جهاز الأمن الإسرائيلي اليوم المقبل يوماً حاسماً في المواجهة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. فقد مصر زادت مساء أمس جهودها لتحقيق وقف لإطلاق النار بين الطرفين. وفي القطاع تم الإبلاغ أمس عن 24 قتيلاً في هجمات سلاح الجو، بينهم أربعة مدنيين. منذ تصفية القائد الكبير في الجهاد، بهاء أبو العطا، تم إطلاق 400 صاروخ تقريباً من القطاع نحو إسرائيل. مساء أمس تم الإبلاغ عن إعدادات في القاهرة لقدوم وفد رئيسي للجهاد الإسلامي من دمشق، برئاسة رئيس المنظمة زياد النخالة. الانطباع الذي تولد في إسرائيل هو أن عدداً من رؤساء الجهاد سيفضلون إنهاء المواجهة قريباً، إزاء الأضرار الكبيرة التي تكبدتها المنظمة: قتل أبو العطا وموت 20 عضواً من المنظمة وضرب مواقع لتخزين الصواريخ.
تعاني المنظمة من مشكلات في سلسلة القيادة والسلطة بعد موت القائد الكبير الذي قاد تقريباً النشاط العسكري للجهاد في القطاع. وبامتناع حماس عن الانضمام للقتال قلص حجم الضرر الذي سببه قصف الجهاد. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق واستمرت الخسائر الفلسطينية، فإن الضغط على حماس سيزداد من أجل الانضمام إلى القتال.
امتنعت حماس حتى الآن عن الانضمام إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل. هذه النقطة المركزية التي تحدد الآن وجه المواجهة. من دون حماس وبعد المس بمركب أساسي في سلسلة القيادة للجهاد، فإن رد المنظمة الصغيرة شامل وواسع، لكنه حتى الآن غير فعال بشكل خاص. كل شيء يعتمد كالعادة على إصابة الصاروخ المنفرد، لكن التصعيد حتى أمس لم يخرج عن السيطرة تماماً.
حماس بعيدة عن أن تكون متعاونة مع إسرائيل، فلها مصالحها الخاصة، وهذه تملي، كما يبدو، استمرار التهدئة من خلال الرغبة في التوصل إلى تسوية في المدى البعيد، بحيث تكون مقرونة بضخ الأموال القطرية وتسهيلات في الحركة من مصر وإسرائيل. طالما لا يوجد مصابون من حماس نفسها ولا توجد إصابات شديدة في أوساط المدنيين الفلسطينيين، فإن حماس لا ترى نفسها ملزمة بالرد. في المقابل، لا تعمل حماس على كبح الجهاد، لكن بدون تعاون لوجستي وعملياتي مع حماس فإن الجهاد يجد صعوبة حتى الآن في إيقاع رد مدو على إسرائيل.
ما زالت الدافعية قائمة: إضافة إلى أبو العطا فإن معظم الفلسطينيين الذين قتلوا أول أمس في القطاع هم نشطاء من الجهاد. لذلك، من المعقول أن جهود الانتقام ستستمر، سواء من خلال صلية ثقيلة من الصواريخ بتوقيت أقل توقعاً أو في محاولة لتنفيذ عملية تثير الانطباع مثل إطلاق صواريخ مضادة للدبابات، أو كمين للقناصة أو اقتحام الجدار نحو الأراضي الإسرائيلية.
حتى أول أمس سجل الجيش الإسرائيلي نجاحات عملياتية، بعد فترة طويلة من الجفاف، من خلال ضرب خلايا الإطلاق للجهاد. هذه طبقة مساعدة ومهمة إلى جانب طبقة الحماية الهامة التي توفرها بطاريات القبة الحديدية (مع أكثر من 90 في المئة من حالات الاعتراض للصواريخ على المناطق المأهولة). السؤال الذي لن يكون له أي إجابة واضحة في أي يوم بما فيه الكفاية هو بأي درجة سيردع عدد كبير من القتلى التنظيمات، ومتى تدفع الجنازات الكثيرة الجهاد الإسلامي (وأكثر خطورة حماس) إلى زيادة شدة الاشتعال.
أبو العطا، قائد اللواء الشمالي للجهاد في القطاع، وصف كعقبة رئيسية أمام التسوية بسبب تصميمه على الاستمرار في إطلاق الصواريخ، مرة كل بضعة أسابيع. وعدم الرد من قبل حماس حتى الآن يمكن أن يدل على أن نتنياهو ورئيس المنظمة في غزة، يحيى السنوار، يفهمان بشكل لا بأس به بعضهما.
خلافاً للأيام التي سبقت عملية “الجرف الصامد” والعملية نفسها التي تميزت بعدم التفاهم المتبادل وسوء الفهم من الطرفين، الذي كان سبب التدهور الأساسي، هنا يوجد نظام وساطة يعمل بصورة نسبية. إسرائيل وحماس اعتادتا نقل الرسائل المتبادلة في المواجهات الدورية وفي أيام الجمع المتوترة في المظاهرات على الجدار، بواسطة مصر وقطر والأمم المتحدة.
عضو الكابنت، الوزير جلعاد اردان، عرض أمس الأمور بصورة فظة جداً في مقابلة إذاعية مع “كان”. أبو العطا، قال اردان، تمت تصفيته “بسبب مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ ولكونه عنصراً مشوشاً على مفاوضات التهدئة مع حماس”. من هنا جاء السلوك الاستثنائي للجيش في هذه الأيام: خلال السنوات الأخيرة وفي كل مرة قام فيها الجهاد أو نشطاء “مارقون” بإطلاق النار، كانت إسرائيل تضرب حماس بذريعة أنها هي المسؤولة الوحيدة عن الوضع في القطاع. لكن الرسالة هذه المرة معاكسة، فالجيش يحاول أن يضرب أهداف ونشطاء الجهاد الإسلامي فقط.
المتحدث بلسان الجيش، العميد هيدي زلبرمان، أكد أمس في محادثة مع المراسلين على الرغبة في الامتناع عن المس بالمدنيين. “لن ندمر مباني تتكون من خمسة أو ستة طوابق في مركز غزة”، قال، “نعرف أننا نسير على حبل دقيق، وقد هاجمنا الجهاد فقط دون المس بغير المشاركين. لنا أهداف أخرى للجهاد سنعرف كيفية ضربها إذا كانت هناك حاجة لذلك”. الموازنة غير قيمية فقط، بل تتعلق بمدى الفعالية: هناك تقدير بأن حماس ستفضل مواصلة الجلوس على الجدار طالما بقي المدنيون خارج ساحة المواجهة.
الأمر الذي لا يقوله العميد زلبرمان بشكل مباشر، لكنه واضح جداً من النظر إلى ما يحدث، هو أن الجيش الإسرائيلي لا يدفع نحو عملية برية في قطاع غزة. بالعكس، يبدو أن الجيش يريد فعل كل ما في استطاعته كي ينهي بأسرع وقت ممكن جولة المواجهة الحالية. ولكن التطورات لا تعتمد فقط على امتناع حماس أو إصابة صاروخ منفرد، بل أيضاً على موقف نتنياهو.
تعمل الأمور في الوقت الحالي لصالح رئيس الحكومة. في الجبهة العسكرية تم تحييد أبو العطا تماماً، وربما بالإمكان التقدم نحو التسوية. في الجبهة السياسية وعلى خلفية الاحتكاك العسكري ربما تم استبعاد فكرة حكومة الأقلية لـ “أزرق أبيض”، وتتعزز بدرجة ما إمكانية مفاوضات متسرعة بينه وبين الليكود. السؤال هو هل سيسعى نتنياهو إلى إنهاء ذلك قريباً، أو أنه يفكر بأن استمرار القتال في غزة، بقوة محدودة، يواصل خدمة أهدافه على جميع الأصعدة.
لا يوجد شك بأن اعتبارات عملياتية كانت هناك من وراء تصفية قائد الجهاد الكبير، كما قال علناً رئيس الأركان ورئيس الشاباك. ولكن الافتراض بأن هناك فصلاً مطلق بين المبررات الأمنية والواقع السياسي الحساس، كما يشرح لنا بتصميم عدد من المراسلين في أستوديوهات التلفاز، ببساطة غير معقول. كان على نتنياهو أن يكون قديساً كي لا يأخذ هذه الاعتبارات في الحسبان. قبل مرحلة نهائية للمفاوضات الائتلافية المعقدة وعشية قرار تقديم ثلاث لوائح اتهام ضده. الحوار العسكري غير منفصل عن الخلفية السياسية.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 14/11/2019