أثناء كتابة هذا المقال الذي يحاول إلقاء الضوء على تشكيل الحكومة بعد بضع ساعات على كارثة ميرون، يمكننا أن نقول بصورة مؤكدة أمراً واحداً: كل ما سيحدث من الآن فصاعداً سيكون تحت ظل حزين لحادثة تراجيدية وفشل أدى إليها. كلما تجمعت تفاصيل ملموسة مثل صراخ طفل نفد لديه الهواء، وهاتف يرن بجانب جثة شاب على شاشة هاتفه كلمة “أمي” كي تصنع صورة الاحتضار والألم… ازداد الألم والغضب.
قبل ذلك، كان احتفال “الهيلولا” جزءاً من الثقافة الشعبية، وكان الحاخام شمعون بار يوحاي أحد الأصول الروحية لجميع شعب إسرائيل. ولكن مع مرور السنين، مثلما حدث لأحداث واحتفالات وقبور الأولياء وأماكن مقدسة أخرى، سيطرت عليها المشاركة الحزبية وحولتها إلى ذخر سياسي. الأصوليون الآن هم الجزء المسيطر في أوساط جمهور من يحجون إلى ميرون والوزارات الحكومية، والإخراج والإعلانات تحت سيطرة “شاس” بشكل أساسي. هكذا، دفعت مصالح الجمهور وسلامة المصلين إلى أدنى سلم الاعتبارات. يقول محيط نفتالي بينيت إنه أراد إبقاء فتحة دخول للأحزاب الدينية إذا تم تشكيل حكومة الوحدة برئاسته. هذا سيمكنه، كان يأمل، من الانفصال عن ميرتس وعن الأحزاب العربية، التي هي ورقة سيصعب عليه بدونها الوقوف أمام الهجمات المنظمة لنشطاء ورجال إعلام يؤيدون نتنياهو، والذين تم إعدادهم لاستخدام الضغط عليه.
لنضع دورية هيئة الأركان وإضفاء الطابع الجنسي على الخدمة العسكرية جانباً – فهذا بينيت شخص غير جريء سياسياً، والقرار الذي يقف أمامه غير سهل. حتى الآن نجح في تفويت جميع الفرص من أجل العمل. مثلاً، الثلاثاء الماضي كان يمكنه الوقوف مع جدعون ساعر في المؤتمر الصحفي وإعلان أن نتنياهو قد تجاوز الحدود. ومن هنا لا توجد ولن تكون له أي طريق للعودة. والأربعاء، كان يمكنه القول بأن نتنياهو حتى لو تراجع، فالضرر باق. لأن الحكومة إذا كانت لا تمتثل للقانون من أجل خدمة مصلحة شخصية لمن يترأسها، فلم يعد هناك أي التزام بأي شيء.
ولكن بينيت لم يفعل ذلك. ووضعه الثابت الأخير هو ثوران محموم لا يتجاوز في أي مرة نقطة الغليان. هل ستسرع كارثة ميرون العملية أم ستهدئها؟ هل سيتحول الحديث عن الاستقلال الذاتي الأصولي وعجز الدولة أمامه لأسباب سياسية، إلى اشمئزاز كامل من الأحزاب ومن ممثلي الجمهور؟ بينيت بالتأكيد يتساءل حول كل ذلك وأكثر.
بعد بضع ساعات على الكارثة جاء إلى المكان، وقال: “نرى اليوم التضامن المتبادل. عرب من طمرة فتحوا مراكز طوارئ. المتدينون والعلمانيون يتبرعون بالدم. هذا هو وقت التوحد”. المشاعر جيدة، لكن السؤال الكبير هو: هل سيجد القوة ليقول إنه -رغم الحداد، وفي الوقت الذي يبحثون فيه عن المفقودين ويدفنون الأموات- يجب الإشارة إلى المتهمين بهذا الفشل الفظيع قبل أن يسيطر كل هؤلاء المستشارين و”أطباء التدوير” على الحدث ويحاولون التأثير لصالح زبائنهم على الطريقة التي ستشكل فيها القصة وتوزع التهمة.
إذا شكلت في نهاية المطاف حكومة وحدة فستكون تحت انطباع الأحداث الأخيرة، التي تنضم إلى الشعور بعدم وجود دولة: حيث قوانينها الأساسية مكتوبة على المياه؛ والشخصيات الرفيعة فيها يعينون بصورة غير موضوعية وحسب درجة القرب من رئيس الحكومة؛ والشرطة ضعيفة، والمفتش العام للشرطة يُعين لأسباب غريبة؛ ووزير الأمن الداخلي متملق كبير مخلص فقط لسيده نتنياهو؛ وكل شيء تم تسخيره بالفعل في الجولات الانتخابية الأربع لتلبية احتياجات رئيس الوزراء الشخصية؛ وعدم ممارسة سلطة الدولة (مثلما في هذه الحالة) يعني خيانة لصحة وسلامة مواطنيها.
لقد أعطيت فرصة تاريخية مغمسة بالدم لبينيت وساعر، لترجمة الأحاديث حول زمن الوحدة إلى فعل سياسي شجاع. في القريب سنعرف ما إذا كانا مصنوعين من المادة الصحيحة أم لا.
بقلم: ايريس ليعال
هآرتس 1/5/2021