بالقدم اليسرى و”القهوة السادة”: هكذا ستبدو المكالمة “المرتقبة” بين بايدن وأردوغان

حجم الخط
3

بعد محادثة “جيدة” بين الرئيس الأمريكي بايدن ونتنياهو يمكن تنفس الصعداء. طوال شهر قضمت إسرائيل الأظافر في حالة غليان، ثم هدأت، ثم ذعرت وشعرت بالإهانة… يقرع جرس الخلاص. يمكن التفاخر على الأقل بكون نتنياهو الزعيم هو الأول في الشرق الأوسط الذي يتحدث معه بايدن. صحيح أنه لم يعد ضمن الدوري العالمي، لكن المكان الأول في الدوري الإقليمي ليس قليلاً، قبل السعودية ومصر والأردن، وبالأساس قبل تركيا. نجح بايدن في تحويل هاتف سلكي قديم إلى رافعة دبلوماسية، تستطيع إحداث منافسة بين الزعماء. إذا كان الترقب الشغوف في عهد ترامب لتغريدة الصباح أو المساء، والنزوة المناوبة التي ستحدد جدول الأعمال في العالم، خاصة في الشرق الأوسط، عندما كان الجميع على يقين بأن التغريدة ستأتي، تبنى بايدن مقاربة الصمت الدبلوماسي التي ينتظر فيها الزعماء أن يتكلم ويتصل ويُغرد بشيء ما يدل على جدول الأعمال، أو على الأقل على أولوياته السياسية والشخصية.

بعد أن اجتاز نتنياهو اختبار المكالمة الأولى، هناك زعيمان آخران ما زالا ينتظران استدعاء بايدن لهما في مدخل قاعة الامتحانات. الأول هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والثاني هو الرئيس التركي أردوغان، الخصمان اللذان لهما حساب طويل مع بايدن. اختراقة أولى كانت أمام تركيا، وهي لم تكن فاخرة. لم تكن هناك مكالمة هاتفية حتى الآن، لكن مكالمة علنية صعبة اجتازت المحيط وحددت عمق الجبهة.

السبت الماضي، اكتشفت القوات التركية التي تعمل في أراضي العراق جثث 13 من رجال الأمن التركي في مغارة في محافظة كارا، 12 منهم أطلقت النار على رؤوسهم، وواحد مات بعد أن أطلقت النار على كتفه، لقد كانوا جنوداً ورجال أمن تم اختطافهم من الأراضي التركية في عام 2015 – 2016 وتم احتجازهم من قبل قوات حزب العمال الكردي، الذي تحاربه تركيا منذ منتصف الثمانينيات. سارعت تركيا إلى اتهام حزب العمال الكردي بعملية القتل، في حين أن حزب العمال الكردي يدعي أن المخطوفين قتلوا بقصف لتركيا، هذا ادعاء بالطبع لا يشرح إطلاق النار الدقيق على رؤوسهم.

الأمر الذي أدهش وأغضب الأتراك هو الرد الأولي من وزارة الخارجية الأمريكية، الذي كان فيه إبداء أسف وإدانة للقتل، لكن دون إلقاء المسؤولية على حزب العمال الكردي. “قلتم إنكم لا تؤيدون الإرهاب، لكنكم فعلياً تقفون إلى جانب الإرهابيين وتؤيدونهم”، هكذا انتقد أردوغان الإدارة الأمريكية. بعد فترة قصيرة، صدر بيان معدل من قبل وزير الخارجية أنطوني بلينكن، قال فيه إن حزب العمال الكردي هو المسؤول عن عملية القتل. ورغم التعديل، إلا أن البيان الأول أوضح لأردوغان بأن الإدارة الأمريكية لن تتبني روايته دون فحص، وأن سياسة صراعه ضد الأكراد قد تجتاز اختبارات مشددة. الشيك المفتوح الذي استمتع به في عهد ترامب والذي لم يمنع تركيا من المهاجمة في العراق وأن تقوم بغزو سوريا وحتى احتلال أجزاء منها، سيكون عديم الصلاحية منذ هذه اللحظة. وهذه هي البداية.

حزب العمال الكردي والأكراد في تركيا جزء مما يعدّ “المشكلة الكردية”. استيقظ الإقليم الكردي في العراق، الاثنين، على صلية من الصواريخ أطلقت نحو مدينة أربيل، وللدقة، نحو القاعدة العسكرية الأمريكية التي تقع قرب المطار في عاصمة الإقليم. المنظمة التي تسمى “كتائب حراس الدم”، وهي مليشيا شيعية كما يبدو مدعومة من إيران، هي التي تحملت المسؤولية عن إطلاق النار الذي قتل فيه مقاول وأصيب عدد من المدنيين، لكن من غير المعروف إذا كان هذا التنظيم أو مليشيا شيعية أخرى هم الذين نفذوا إطلاق النار وماذا كان هدفهم. أصابع الاتهام موجهة نحو إيران بطبيعة الحال، التي تريد ضعضعة الاستقرار في الإقليم الكردي من أجل استعراض قدرتها على المس بالمصالح الأمريكية. هذا إقليم يتمتع خلال سنوات بهدوء واستقرار، ويستضيف قواعد أمريكية، واستخدم في الماضي كمكان لاستجمام وانتعاش الجنود الأمريكيين، لكن إطلاق الصواريخ على أربيل يمكن أن يكون جزءاً من الصراع السياسي الداخلي الجاري في العراق، بين الأكراد وحكومة العراق وبين المليشيات الشيعية والأكراد.

       الملف التركي

في الملف التركي الموضوع على طاولة بايدن، هناك عدد كبير من القضايا التي تكفي كل قضية منها إثارة مواجهة سياسية بين الدولتين. في حملته الانتخابية التي وعد بأنه “يعرف كيف يتعامل مع أردوغان” يقف بايدن إلى جانب الاتحاد الأوروبي في مسألة التنقيب عن الغاز الذي تقوم به تركيا في شرق البحر المتوسط، في مناطق تدّعي اليونان وقبرص ملكيتها عليها. وإذا قرر الاتحاد أن يفرض في الأسبوع القادم عقوبات على تركيا، فلن تكون الولايات المتحدة عائقاً في طريقه مثلما كانت في عهد ترامب. ولكن المسألة الرئيسية كانت وما زالت شراء أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات الروسية من نوع “إس400″، التي عارضها بايدن بشدة، إلى جانب دول الناتو. في حين كرر أردوغان مؤخراً موقفه الذي يقول إن صفقة الشراء ما زالت قائمة، وأنه لا ينوي التراجع عنها، خاصة بعد أن وصلت الدفعة الأولى من الصواريخ إلى تركيا وجُربت على الأرض.

هناك أمر آخر وهو وضع حقوق الإنسان في تركيا. إن اعتقال وسجن خصوم سياسيين، وتدمير وسائل الإعلام الحرة، وملاحقة مؤيدين حقيقيين أو مؤيدين مختلقين للواعظ المنفي عبد الله غولن، ونية أردوغان بحلّ أو ربما إخراج الحزب المؤيد للأكراد “اتش.دي.بي” من القانون، كلها ألغام تنتظر الانفجار في مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإن شبكة العلاقات الداعمة التي طورتها الولايات المتحدة مع الأكراد في إطار الحرب ضد داعش، اعتبرت الأكراد وليس تركيا، القوة الضرورية والأكثر فاعلية من أجل تصفية وجود “داعش” في الدولتين. صحيح أن “داعش” يواصل العمل في الساحتين، وسجل في العام 2020 حوالي 600 هجوم لـ”داعش” في سوريا والمئات في العراق، لكن الدولة الإسلامية مثلما بدأ “داعش” ببنائها، لم تعد قائمة.

إن انتخاب بايدن أثار من جديد آمال الأكراد في سوريا بأن تعود الولايات المتحدة وتشكل الحليف لهم، و”تصلح جميع الأخطاء التي ارتكبتها إدارة ترامب”، كما قال قائد القوات الكردية، مظلوم عبادي، في مقابلة أجراها مؤخراً. الخطأ الأساسي الذي تحدث عنه مظلوم، هو قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا والسماح لتركيا باحتلال مدينة عفرين التي تقع في المنطقة الكردية السورية. صحيح أن سحب القوات توقف، لكن تطلع تركيا إلى السيطرة على قطاع عميق وطويل من المنطقة الكردية بقي على حاله.

إذا اعتبر شراء الصواريخ من روسيا في نظر الولايات المتحدة كتخريب حقيقي في التنسيق بين دول الناتو، وإدخال روسيا من الباب الخلفي إلى فضاء الدفاع الجوي والمخابرات الجوية لدول الناتو، فإن تأييد الولايات المتحدة للأكراد اعتبر في نظر تركيا خيانة، وتأييداً للإرهاب وتشجيع التهديد الذي يهدد أمنها القومي. كما يبدو، الطرفان لا يمكنهما التنازل في هذه القضايا أو التوصل إلى اتفاق متساو بحيث يتنازل كل منهما في شأنه المهم.

الولايات المتحدة يمكنها، وربما حتى تنوي، فرض عقوبات على تركيا لإجبارها على إلغاء صفقة الصواريخ. ترامب نفسه فرض على تركيا عدة عقوبات، مثل طردها من خطة تطوير طائرات “إف35” ومنع إعطاء تأشيرات دخول للولايات المتحدة لرؤساء صناعة السلاح التركية، لكنها لم تجعل تركيا توقف هجماتها ضد معاقل الأكراد في سوريا والعراق. من ناحيته، يمكن لأردوغان أن يستخدم السلاح السياسي، ويفتح حدود بلاده أمام ملايين اللاجئين الذين يريدون الدخول إلى أوروبا. وبهذا يستخدم على بايدن ضغطاً من أوروبا. ولكن في حينه، يمكن أن يقف أمام عقوبات مؤلمة من أوروبا، يتوقع أن تضر اقتصاد تركيا بشكل كبير.

في الوقت نفسه، خافت الولايات المتحدة في عهد ترامب من شد الحبل أمام أردوغان كي لا ينتقل إلى الجانب الآخر ويتبنى روسيا كحليف استراتيجي بدلاً من الولايات المتحدة. هناك شك فيما إذا كان لهذا الخوف أسس صلبة، حيث أوضحت روسيا بأنها لا تعتبر تركيا حليفاً استراتيجياً، بل شريكاً وصديقاً مقرباً. يجب أن نتذكر بأن روسيا وتركيا وقفت كل منهما في طرف آخر من المتراس في الحرب الليبية؛ ففي حين أيدت روسيا الجنرال الانفصالي خليفة حفتر، ساعدت تركيا الحكومة المعترف بها عسكرياً. وهكذا، كانت الحال أيضاً في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا على السيطرة على ناغورنو قره باغ؛ فقد وقفت روسيا إلى جانب أرمينيا، ووقفت وتركيا إلى جانب أذربيجان. كل ذلك أوضح أن هناك حدوداً للصداقة بين روسيا وتركيا.

أما في الشأن الكردي فهناك عدم اتفاق بين روسيا وتركيا. فروسيا تسعى إلى إشراك أكراد سوريا في العملية السياسية التي استهدفت إنهاء الحرب وتشكيل حكومة سورية جديدة تمثلهم أيضاً، في حين تعارض تركيا إشراكهم. يبدو أن الموقف الأمريكي قريب من الموقف الروسي أكثر مما هو من الموقف التركي. كل ذلك يضع علامات استفهام على إمكانية تهديد تركيا بأن تبدل حلفاءها. والآن، يتوقع أن يستغل أردوغان قتل الجنود الأتراك على أيدي حزب العمال الكردي من أجل خدمة مطالبته للولايات المتحدة بالكف عن مساعدة الأكراد في سوريا. هؤلاء -حسب ادعائه- هم فرع من حزب العمال الكردي، لذلك يجب اعتبارهم منظمة إرهابية. ولكن عندما يعتقل أردوغان، في أعقاب القتل، أكثر من 700 مواطن كردي – تركي، ويعمل على إزاحة الحزب المؤيد للأكراد من الساحة السياسية، فسيجد صعوبة في إقناع الإدارة الأمريكية بأن الأمر يتعلق بصراع ضد الإرهاب وليس بتصفية حسابات سياسية مع حزب ومع قطاع سكاني كامل. خلافاً للمكالمة الهاتفية المتأخرة مع نتنياهو، فستكون المكالمة بين بايدن وأردوغان أطول وأكثر تعقيداً و”صادقة، وسترسم خارطة العلاقات وحدود تسامح الولايات المتحدة، أو مثلما تم الاعتياد على وصف هذه العلاقات وكأنها “محادثة على قهوة بدون سكر”.

بقلمتسفي برئيل

 هآرتس 19/2/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عربي عاشق تركيا:

    اللهم احفظ تركيا المسلمة و انصر القائد رجب طيب اردوغان على أعداء الداخل و الخارج ??

  2. يقول عمران اسمر:

    لا يريدون لأي دولة اسلامية ان تكون لها شخصيتها و استقلالية القرار، بل توابع و اجراء و مجرمين و ديكتاتوريين مفضلين.
    بماذا اضرت امريكا الشيعة، اليسم حلفاء في العراق، ام تدمر جميع الحاضنة السنية في العراق و سوريا تحت مسمى الارهاب، و كذلك النظام الروسي و قتاله الى جانب المليشيات العلوية و الشيعية!؟
    اين (الزعماء) العرب من كل هذا اليسم سوى خدم؟

  3. يقول ABUELABED:

    اللهم انصر تركيا على اعدائها و اعداء الدين.واهزم اعداء الدين و اعد لنا كرامتنا يا سميع و يا مجيب.

إشترك في قائمتنا البريدية