إيداع الرئيس الموريتاني السابق السجن بعد تغيبه عن التوقيع لدى مركز الشرطة

حجم الخط
3

نواكشوط: أودع الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز  السجن مساء الثلاثاء بأمر من القاضي المكلّف التحقيق في اتّهامات الفساد الموجّهة إليه منذ آذار/مارس الماضي، بحسب ما أفادت مصادر قضائية وحزبية.

وقال قاض في النيابة العامة إنّ عبد العزيز الذي تولّى الرئاسة من 2008 ولغاية 2019 والمتّهم بتهم الفساد والإثراء غير المشروع أودع الحبس بقرار من قاضي التحقيق، من دون أن يحدّد سبب هذا القرار.

وأكّد هذه المعلومة الوزير السابق جبريل ولد بلال، المتحدث باسم حزب الرئيس السابق.

ويأتي إيداع الرئيس السابق السجن بعد أيام على قراره التوقّف عن الحضور إلى مركز الشرطة، مخالفاً بذلك أحد شروط الإقامة الجبرية المفروضة عليه.

وكان قاضي التحقيق أمر في منتصف أيار/مايو الفائت بوضع ولد عبد العزيز في الإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة وإلزامه الحضور إلى مركز الشرطة ثلاث مرات في الأسبوع وعدم مغادرة نواكشوط إلا بإذن قضائي.

وتوقف ولد عبد العزيز عن زيارة مقر الشرطة وعاد إلى منزله بعد أن كان يسير مشيا على الأقدام إلى مقر الشرطة، قبل أسبوعين، وذلك بعد انتشار العشرات من عناصر الشرطة من حوله ومنعهم لمرافقيه من السير بجانبه في الطريق. واعتبر الرئيس السابق تصرف الشرطة “ابتزازا” له ومحاولة للتضييق عليه ومصادرة حريته في السير مع من يريد. وقال الرئيس السابق في حسابه على فيسبوك يوم الجمعة الماضي إن إدارة الأمن أوفدت إليه أربعة أفراد، يحملون إنذارا بلهجة تهديدية وابتزازية.

وقال ولد عبد العزيز إن رسالة إدارة الأمن تضمنت السماح له بمرافقين اثنين فقط، وعدم قبولهم للجموع التي تتحلق من حوله في الشارع أثناء مسيره إلى إدارة الأمن للتوقيع.

وأكد ولد عبد العزيز أن إدارة الأمن أعلنت له عزمها التدخل لفض الجموع بالقوة، واصفا ذلك بأنه يشكل “ابتزازا” له بما “يمكنهم إلحاقه من ضرر بالمواطنين الذي يعبرون بعفوية عن مناصرتي في وجه ما أتعرض له من استهداف ممنهج”.

بالمال والذهب.. هجوم موريتاني متبادل بين ولد عبد العزيز والسلطة

ويتصاعد جدل واسع في موريتانيا، منذ أن تحدى رئيسها السابق، محمد ولد عبد العزيز (2009-2019)، أي جهة أن تثبت صحة اتهامه بالتورط في فساد مالي ونهب للمال العام، كما اتهم السلطة الحالية بالتفريط في ثروة البلاد من الذهب.

ففي كلمة مصورة بثها عبر صفحته بـ”فيسبوك”، قال ولد عبد العزيز، الأربعاء: “أتحدى أي موريتاني من الأربعة ملايين الذين هم سكان موريتانيا، أن يظهر أو يخرج أي دليل على أنني أخذت أوقية واحدة (العملة المحلية) من الخزانة العامة أو من البنك المركزي، أو من جهة أخرى في الداخل أو في الخارج”.

ورأى أن الدافع الحقيقي لتوجيه التهم إليه هو اهتمامه بـ”السياسة ومراقبته للشأن العام، وهو أمر لن يتركه لأنه لا يريد أن تفسد المجموعة التي تحكم موريتانيا حاليا، ما تمكن هو نفسه من بنائه بجهد جهيد”، وفق قوله.

ومطلع أغسطس/آب 2019، بدأ الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، ولاية رئاسية من 5 سنوات، إثر فوزه بنسبة 52 بالمئة في انتخابات أجريت في 22 يونيو/ حزيران الماضي من ذلك العام.

واتهم ولد عبد العزيز الحكومة الحالية بالتفريط في مصالح الشعب، والتخلي عن أكبر منجم للذهب لصالح شركة كندية.
وأثارت تصريحات الرئيس السابق الجدل من جديد، وشكلت مادة دسمة لعدد من السياسيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن تصدي الحكومة للرد عليها.

رد حكومي

وعقب ساعات من كلمة ولد عبد العزيز، قال الناطق باسم الحكومة، المختار ولد داهي، إن القضاء هو وحده المعني بملف الرئيس السابق “والتهم الثقيلة” الموجهة إليه.
وأضاف ولد داهي، في مؤتمر صحافي، أن البرلمان أجرى تحقيقا بشأن فساد الرئيس السابق، وأُحيلت نتائج هذا التحقيق إلى القضاء.
فيما نفى وزير البترول والمعادن والطاقة، عبد السلام ولد محمد صالح، اتهام ولد عبد العزيز للحكومة بأنها فرطت في ثروة البلاد من الذهب.
وقال ولد محمد صالح، في مؤتمر صحافي الاسبوع الماضي، إن الاتفاق مع شركة “كينروس تازيازت” أُبرم في 2010.
وتابع أن كل ما فيه من الأشياء الإيجابية والسلبية تعود للنظام السابق (نظام ولد عبد العزيز)، والحكومة الحالية ورثت هذا الاتفاق.
وأردف أن الحكومة تحاول الآن أن تصوب الاتفاق بطريقة “لا تضر مصلحة البلد ولا تضر سمعته في الخارج، ولا تسبب مشكلة دبلوماسية ولا سياسية”.
وتستغل شركة “تازيازت موريتانيا المحدودة”، وهي مملوكة لشركة “كينروس” الكندية، منجم “تازيازت للذهب” شمالي البلاد، بموجب اتفاق تم توقيعه مع الحكومة الموريتانية، في يونيو/حزيران 2006، حين كان المنجم مملوكا لشركة “ريد باك” الكندية.
وفي 2010، استحوذت “كينروس” على المنجم، في صفقة بقيمة 7 مليارات دولار، ووصفت آنذاك بأنها “أكبر صفقة تجارية في تاريخ موريتانيا”.

ثروة بأرقام فلكية

وفي إطار الجدل الذي أثارته كلمة ولد عبد العزيز، استغرب الرئيس السابق لحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، سيدي محمد ولد محم، مما قال إنه تهرب الرئيس السابق من كشف مصدر ثروته.
ومخاطبا الرئيس السابق، كتب “ولد محمد”، عبر “فيسبوك” الأربعاء: “أنت أصلا بين اثنتين: ضابط في الجيش يحظر عليه التربح وتمنع عليه المتاجر، أو رئيس دولة يحظر عليه الدستور ممارسة أية مهمة عمومية أو خصوصية أخرى غير التي أسند إليه”.
وفي 2008، قاد الجنرال ولد عبد العزيز انقلابا عسكريا أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلد العربي.
وبعد أشهر، استقال ولد عبد العزيز من “مجلس عسكري” شكله قادة الانقلاب، وترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2009، وفاز بها.
وتابع “ولد محم”: “وقد سجلت اعترافك الطوعي بحيازتك لثروة طائلة، والقرائن لحد الساعة تشير إلى أرقام فلكية، لذلك فأنت، لا نحن، من يقع عليه عبء رفع التحدي وإثبات مصادر هذه الثروة، وأنها كانت من كسب حلال ومشروع”.

حليفا الأمس

هذا السجال الراهن، وفق مراقبين، هو امتداد لصراع بين الرئيس ولد الشيخ الغزواني والرئيس السابق ولد عبد العزيز، بدأ في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حين ترأس الأخير اجتماعا لحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، الذي أسسه سنة 2009.

فبعد أيام من هذا الاجتماع، وقع عشرات من نواب البرلمان عريضة عبروا فيها عن رفضهم لما قالوا إنها محاولة من ولد عبد العزيز للهيمنة على الحزب، لتبدأ أزمة وصلت حد اعتقال ولد عبد العزيز واستجوابه، ثم الإفراج عنه.

وفي 11 مارس/آذار الماضي، وجهت النيابة العامة إلى ولد عبد العزيز و12 من أركان حكمه، تهما بينها غسل أموال ومنح امتيازات غير مبررة في صفقات حكومية.
وأصدر القضاء، في 4 أبريل/نيسان الماضي، قرارا بتجميد ممتلكات المتهمين الـ13، وتم فرض إقامة جبرية على ولد عبد العزيز في منزله بالعاصمة نواكشوط، مع إلزامه بالتوقيع لدى الشرطة 3 مرات أسبوعيا.

واكتفى ولد عبد العزيز بولايتين رئاسيتين، وفي انتخابات 2019 دعم ولد الشيخ الغزواني، الذي شارك معه في انقلاب 2008.
وفاز ولد الشيخ الغزواني بولاية رئاسية من 5 سنوات، وأصبح عاشر رئيس لموريتانيا منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.
وتهيمن على الشارع الموريتاني حالة ترقب لما ستنتهي إليه ما يصفها مراقبون بمعركة كسر العظام بين حليفي الأمس: ولد الغزواني وولد عبد العزيز. (“القدس العربي” ـ وكالات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مدني:

    العرب والديمقراطية. كثيرا ما نسمع مَن يقول إن الشعوب العربية لم تصل بعد إلى مرحلة تسمح لها بممارسة الديمقراطية كأداة للحكم وتبادل الأدوار السياسية، وأصحاب هذا المعتقد يذهبون إلى أن النظام الديمقراطي نظام متطور يصلح لشعوب تمتلك ثقافة ومستوى مرتفع من الوعي كالغربيين واليابانيين مثلا، ولا تصلح لشعوب متدنية كالعرب والمسلمين

  2. يقول احويكر احويكر:

    هناك أمور تحاك ضد موريتانيا معبرها ولد عبد العزيز، هذا الرئيس السابق الذي يرفض العيش خارج عباءة الرئيس و السلطة صار تهديدا قوميا، وإذا لم يتم الحسم معه قد ينقلب حفترا آخر بخلفية جزائرية سيأتي على أخضر موريتانيا ويابسها وسيهدد الاستقرار الإقليمي.

  3. يقول شهدان باريس:

    ما من رئيس يأتي بعد انقلاب عسكري ثم يمر عبر مسرحية الانتخابات التي لا تراعي فيها الحرية ولا حتي مشاركة المواطنون إلا ويكون نزيها هذا من المستحيلات أن لا يسرق هو وحاشيته وعائلته وكل من له يدا طويلة

إشترك في قائمتنا البريدية