نمر هذه الفترة، نحن البشر، بأزمة وجودية حقيقية لنرسب في اختباراتها ونخسر معاركها تباعاً. تسيطر علينا عنصرياتنا طلقات نار يسددها بعضنا لبعض، عاداتنا الشخصية والاجتماعية مغامرات هائجة نقامر من خلالها بأرواحنا وأرواح غيرنا، معتقداتنا القطعية نستريح في معيتها تقريراً بأن لكل كارثة معنى، وعلى ظهر صفحة كل مصيبة اختبار لقوتنا. كم نحن مهووسون بأنفسنا، نرجسيون بوجودنا، كل ما يحدث المقصود به تجربة قدراتنا، كل ما يجري سينتهي إلى إنصافنا، نحن الأشياء المنمنمة التي تعيش على أصغر من أصغر ذرة في هذا الكون الفسيح اللامتناهي، كم نحن طريفون!
كلمني هذا الشاب اللطيف، يحكي لي عن نظرته للجالية الفلانية التي تعيش في الكويت، «أنا لا أتعنصر ضدهم، لكن الحق يقال أن لهم عادات عامة مجتمعية تغلب عليهم، لقد أحضروا فساد بعض عاداتهم معهم إلى هنا، إنهم يعلمون الناس أن….»، وبدأت كلماته تنتفخ كبالونات ضخمة محملة بغازات كيميائية مرعبة، ثم ترتفع رويداً رويداً إلى الأعلى ليرتفع معها رعبي وفزعي من كل الماضي، من كل القادم، من كل تغيير، ومن الفشل التام في التغيير. بدأت الكلمات البالونية المنسابة ارتفاعاً تتلاشى ليظهر لي مشهد كنت للتو شاهدته في إحدى حلقات مسلسل «حياة أخرى» أو Another Life الذي يحكي قصة مركبة غريبة تهبط على الأرض في المستقبل البعيد، ما يستدعي انطلاق مجموعة بشرية الى الفضاء بحثاً عن بعض الأجوبة. على متن المركبة المنطلقة بالطاقم البشري، «تعاير» إحدى الرائدات الشخص الهالوجيني الذي هو تشخيص لبرمجة كمبيوترية متطورة تجعله يظهر ويتصرف على شكل إنسان تام. حين يخبر هذا «الهالوجيني» محدثته بأنه يشعر أنه غير مفيد، ترد عليه «تشعر ها؟» ساخرة من استخدامه لكلمة «شعور» التي يفترض أنها حكر على البشر. أخبرته هي أنه يؤدي دوراً جيداً بالتظاهر بالشعور، فأعلن «أنا أفكر إذن أنا موجود»، فردت عليه أن «التفكير ليس شعوراً». حينها، رد عليها الهالوجيني قائلاً: «وما أدراك أنك لست مجرد آلة بيولوجية، وأن كل مشاعرك ما هي إلا أجزاء من «سوفت وير» هورموني تمت برمجته بطبيعة آلاف السنوات للتأكيد على تكاثركم، ولضمان سلوككم مسالك معدة مسبقاً؟ هل أخذت في الاعتبار احتمالية أن الفرق الوحيد بينك وبيني هو أصولنا التشفيرية؟»
تفرقعت كلمات محدثي الطائرة في بالوناتها فوق رأسي فخنقتني، خنقتني بسبب كثير من حسها العنصري، وخنقتني بسبب قليل من حقيقتها من حيث إن هناك طباعاً ثقافية تسود كل مجتمع في العالم فتصبغه بصبغة تنميطية، وخنقتني لأن الوقت ليس وقتها، لأن الكارثة لا تحتملها، لأن هذه هي الشهور التي يفترض أن نكون فيها أكثر تسامحاً، أكثر تماسكاً وأكثر تلاحماً كبشر. إلا أن الكارثة ما فعلت سوى أن أيقظت شياطين دواخلنا، لنريح أنفسنا برمي الآخرين بالاتهامات، ولننجو بأرواحنا بالصعود تدافعاً للسفينة، نحن ومن بعدنا الطوفان.
«أعرف أنك لا توافقينني، وأن الكثير مما أقول عنصري، أعرف أنه خطأ ولكنني أستطيع ألا أشعر به»، عاد صوت محدثي لأذني بهذه الكلمات، فرفقت به وبأعدائه الذين يتحدث عنهم وبجنسنا الكامل فقير البرمجة. آلاف السنوات وبيولوجيتنا وغريزة بقائنا وجيناتنا ومحيطنا كلها آخذة في برمجتنا، وهذا هو الناتج؟ نرسبها اختباراً بعد اختبار في هذه الحياة، لتنجح الأنانية وتتفوق الوحشية وتأخذ الإنسانية والرحمة ومفاهيم التعاضد دوراً ثانياً، أما المنطق فرحمة الله عليه، دوماً ما يكون أول ضحايا نكبات هذه الحياة. لا ذنب لمحدثي، فقد تبرمج هكذا، كل ذرة في جسده، وكل إشارة عصبية في رأسه، كل قطرة دم تسابق أختها في أوردته، كلها تتكالب عليه ليكون من يكون، وعلي أيضاً، لأكون من أكون، وعلى كل فرد منا على سطح هذه الأرض، سجناء أجسادنا وبيئاتنا وآلاف السنوات من الانتخاب الطبيعي وملايين السنوات من التطور البيولوجي وبلايين السنوات من ضربات الحظ العارضة، أين المفر من هذه القضبان الحديدية كلها، وكيف يمكننا أن نكون على غير ما نحن عليه؟
نحن أقل جنس على سطح الكرة الأرضية حرية، أكثرها مصائبية، ونهايتنا ستكون على أيادينا بحد ذاتنا بسبب من برمجة بيولوجية لا يد لنا فيها ولا مقدرة جمعية عندنا على تغييرها. سنحتاج آلاف السنوات لتغيير جزء منمنم من برمجتنا، إلا أننا لن نصمد آلاف سنوات قادمة إلى أن نتغير، ولن نتغير في بضع سنوات من أجل أن نصمد لآلاف سنوات مقبلة. نحن محكومون، وما نحن الآن سوى في مرحلة تنفيذ الأحكام. ليس العنصري إنساناً شريراً، هو مبرمج، وإعادة برمجته تحتاج طفرة نوعية في حياته لتغييره، أو مئات السنوات في حيوات سلالته لتغيير أحد أجيالها المستقبلية جمعياً. أما أن يبدأ الإنسان عنصرياً ثم يتحول إلى طيب، مثلما يحدث في الأفلام العربية القديمة التي دوماً ما تنتهي بدرس يتعلمه الشرير وبندم يعوض به كل أفعاله، فهذا غالباً ما لن يكون. وكما هي استحالة تنفيذ الشرط الفكاهي لأعداء النظرية الداروينية الذين يصرون «حولوا قرداً إلى إنسان أمامنا الآن لنصدق النظرية»، كذا هي تقريباً استحالة تنفيذ الفكرة الحالمة بتحويل عنصري إلى طيب في لحظة. لو أن هذا ممكن، لثبتت النظرية الداروينية بسهولة ولانتهت العنصرية ولاسترحنا أجمعين.
نشأة المجتمعات البشرية ارتكز على حاجيات محددة… تطورت على مر الزمان..لتصبح مقومات..وخصوصيات تدافع عنها هذه المجموعة في مواجهة مجموعات أخرى…وتتحول الى حرص الخشية من الاخر..اذا اقترنت بمراكمة اوضاع وامتيازات وتتناك حياتية تفتقدها مجتمعات أخرى….وقد كان ابن خلدون سباقا في هذا المجال عندما أكد على أن الدول تبنى على العصبيات..وان اهم عصبية هي لقمة العيش…ثم عصبية الانتماء…وهي عصبية مصطنعة في الغالب….؛ وبطبيعة الحال فانه عندما يكون الأساس في بناء التصور المجتمعي…للدول القوية او التابعة على حد سواء…هو هاجس فقدان الامتياز المادي …مع تمكين نماذج نافورة من سلطة القرار…واستبعاد مرتكزات الدين والأخلاق…واعتبار البشر ارقاما ستاتيستيكية…والنتيجة هي ما نراه وما نسمعه.وسمرا للجميع.
نشأة المجتمعات البشرية ارتكز على حاجيات محددة… تطورت على مر الزمان..لتصبح مقومات..وخصوصيات تدافع عنها هذه المجموعة في مواجهة مجموعات أخرى…وتتحول الى حرص الخشية من الاخر..اذا اقترنت بمراكمة اوضاع وامتيازات وانماط حياتية تفتقدها مجتمعات أخرى….وقد كان ابن خلدون سباقا في هذا المجال عندما أكد على أن الدول تبنى على العصبيات..وان اهم عصبية هي لقمة العيش…ثم عصبية الانتماء…وهي عصبية مصطنعة في الغالب….؛ وبطبيعة الحال فانه عندما يكون الأساس في بناء التصور المجتمعي…للدول القوية او التابعة على حد سواء…هو هاجس فقدان الامتياز المادي …مع تمكين نماذج مافوية من سلطة القرار…واستبعاد مرتكزات الدين والأخلاق…واعتبار البشر ارقاما ستاتيستيكية…والنتيجة هي ما نراه وما نسمعه.وسمرا للجميع.
اعتذر عن بعض الأخطاء الواردة في التعليق…بسبب الكتابة على راقن الهاتف..وتذخل المصحح الآلي الذي يريد تكحيل الجمل والالفاظ …فيعميها…!!!… وبالمناسبة اتمنى من الاخت غادة الشاويش…اذا كان ذلك ممكنا ان تعاود التواصل..لاثراء النقاش حول المواضيع المنشورة في الصحيفة…بما تعودناه منها من تعمق…في التحليل..وروح نضالية فكرية قل نظيرها…في شرح قناعاتها وتبليغها…وشكرا.
شكرا جزيلاً لهذا المقال ، الأديان سبب أيضاً في ترسيخ المفاهيم العتصرية من خلال تحديد درجات للبشر
هل تستطبع أن توضح كلامك؟ الإسلام يساوي بين الناس، ويجعل الأفضلية عند الله للتقوى- إن أكرمكم عند الله أتقاكم. لاداعي للتحرش بالإسلام!
إنّ قَصْرَ الفهم للأشياء والظواهر الإنسانية والكونية على مفهوم الحياة الدنيا فقط ..كما في منهج الماديين وفلسفتهم ..يُلغي أبعاداً هي في الحقيقة صُلب المفاهيم والقوانين التي إستطاع الإنسان بتطورات علمية أن يصل إلى شيء من بدائعها.! خُذ علوم الذرة والفيزياء مثلاً وإقرأ إن شئت ل – وتن – أو ل – ساسكيند – أو أنيشتاين أوغيرهم لترى الفارق بين الكلام في عناوين العلم وهوامشه وإسقاطاته أو الفلسفية كما هو في مقال السيدة الخطيب .. وبين حقيقة ما إكتَشَفَ ويكتشف ال – مُوغِلون – في العلم في نظام الحياة والكون حولنا من نظريات يتكامل المشهد فيها على صّحة المعادلات الرياضية لا مجرّد النظري .. وما تربطه بوثيق الصلة مع حياة أُخرى لا نهاية لها ..ولتُبرهنُ لكَ على عدالةٍ وإستقامةٍ وتوازنٍ علمي حقيقي لا يقوم الكون إلّا بها ..
فكيف ستتخلّف عن الإنسان وهو منها فتُلغي مفهوم العدالة المطلقة في مسؤوليته عن حركة حياته التي يختارها بينما العدل كامل في بنيانه البشري والإنساني..!؟
إنّ – الشفرة – البسيطة العميقة لفهم الإنسان وتطوره وحركة حياته على الأرض يمكن تجسيدها بكلمتي الآية القرآنية الكريمة:
( وهَديناهُ النَّجدَين ) لا أحد يُجبركَ أن تكون خيِّراً أو شريرآً إلّا أنت فاختر من تكون أنت ..؟!
نظرية التطور الداروينية بالنسبة لتطور اإنسان هي خاطئة ميئة في الميئة.لأن المخلوق الوحيد الذي يغطي جسمه بالثياب هو الإنسان
وباقي المخلوقات الأخرى من الحيوانات هي عارية مما يعني لو كانت النظرية صحيحة لتكورت باقي الحيوانات وسترت هي الأخرى أجسامها لأن الإنسان ميزه الله تبارك وتعالى بالعقل.
بكل اختصار،الإسلام هو الحل.فقد ساوى بين البشرية جمعاء(لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى).