«باندورا» وشقيقاتها… الأردن و«لوم» الصياد

طوال الوقت ومنذ عقود، بقي الأردن الدور والفكرة والإنسان في دائرة الاستهداف، خصوصا من جهة مشاريع أصدقائه وحلفائه السياسيين قبل خصومه والمتربصين به. وأيضا من جهة طيف واسع من رواد وأنصار وأزلام «عدم التحدث عن المشاكل» وجماعة «المشي خلف الحائط» والإعلاء من قيمة الولاء المسموم على حساب القيمة والمهنية والانتاجية، لا بل التنظير لعكس ما هو علمي وطبيعي.
لا يوجد بتقديري الشخصي جهة تسيء للأردنيين وتجرحهم في ثوابتهم وتشوه مؤسساتهم أكثر من بضعة أردنيين يتشدقون بالوطنية، وهم في الوظيفة وأيضا وهم يعارضون خارجها، مما يستدعي وقفة مع النفس والروح ومصلحة الدولة والناس تتجاوز شكليات التضجر والتبرم والإدعاء بأن العالم كل العالم يتربص بنا، فنحن كأردنيين نتربص بوطننا وبأنفسنا في الكثير من الأحوال.
يجب أن لا نكتفي بعد الآن بالعزف المكرر غير المنتج على نغمة «الأردن المستهدف بسبب مواقفه السياسية» فتلك المواقف جزء من التراث الوطني والرسمي الأردني، وبدلا من الإكثار من الكلام بمناسبة وبدونها، أقترح على المؤسسات والنخب التي تعمل فيها الانصراف للإرتقاء بمستوى الإشتباك باتجاه الانسجام المقنع مع الرؤية الملكية ومع المواقف الملكية التي كان لها دوما تأثير لا ينكره إلا جاحد وعلى مختلف الجبهات.
لا أعتقد بأن الإعلام الدولي وهو يحترف من فترة ليست قصيرة تسليط الأضواء على الأردن معني بالاستهداف بقدر ما هو معني بالإثارة أحيانا، وبالتفاعل مع المعلومات التي تخفق الحكومات المتعاقبة في الرد عليها، أو تبقيها معلقة أحيانا أخرى.
حتى مع وجود «مؤامرة» وهي ناتجة على الأرجح عن مواقف أربكت الكثير من مراكز القوى والقوة، عاتق المواجهة ومسؤولية الرد والاشتباك المهني الفعال تقع على المؤسسات الأردنية التي لم يعد سرا أنها كسولة وخاملة ولا تعمل بإحتراف.
بدلا من الاسترسال في الحديث عن «استهداف المملكة» علينا الإنصراف للعمل الجاد الحقيقي من طراز تخفق أمامه أي مؤامرات صغيرة لا يصدقها ولو طفل في الخامسة، فصناع الفتن ثبت بالوجه القاطع أن أغلبهم أردنيون بل محظيون بالدلال الرسمي لسنوات، وعدة أطراف في المنطقة والعالم قد لا يعجبها الأردن المستقر الآمن، والسؤال لا يوجه لها بل لنا نحن الأردنيين…كيف نتصرف ومن نحن حقا؟

نستغرب بمناسبة الجدل حول تقارير «باندورا» ومشتقاتها حجم الإهتمام المحلي بسلسلة تقارير على الأقل في الجزء الأردني منها لم تكن مترابطة ولا مقنعة فعلا

نحاول استرجاع بعض القيم ونحن نستغرب بمناسبة الجدل حول تقارير «باندورا» ومشتقاتها حجم الإهتمام المحلي بسلسلة تقارير على الأقل في الجزء الأردني منها لم تكن مترابطة ولا مقنعة فعلا، وتنطوي على رائحة ترويج شائعات أو التقدم بروايات غير محكمة أو منقولة على طريقة «قالت جارتي».
بكل حال ما يحتاج التدبير والتأمل والتفكير ليس سبب وخلفية إندفاع بعض تقارير الإعلام الدولي للمبالغة في الإهتمام بنسج حكايات وروايات عن الأوضاع الداخلية في الأردن على أهمية الأمر والحاجة لتحليله. لكن ما يحتاج وقفة قوية وحقيقية هو تلك «الأسباب الحقيقية» التي دفعت بإتجاه «تدويل» معلومات «سلبية» عن الأردن بين الحين والآخر، وتجاهل تراكم كبير من قصص النجاح والتقدم، والروايات الإيجابية، لصالح تسريبات أرهقت الأردنيين وقصفتهم بالإحباط على منوال متكرر ومن عامين على الأقل.
في مواجهة اصطياد منهجي ومتكرر يحصل ويتكرر لا يمكن توجيه الإتهام فقط للعربة التي نقلت الصياد، أو للمواطن المتفرج وهو يراقب بقلق بعد حالة موت سريري لإعلامه الوطني أو حتى لمن صنع الشبكة التي تحاول اصطياد السمكة.
لابد قبل الغرق في اللوم والحديث عن الاستهدافات من ترسيم ملامح السمكة ومعرفة المياه التي تقيم فيها، وكل ما تتطلبه مناورات ملاعبة الصياد والمستهدفين من خلفه…هنا حصريا تكمن الصعوبة وحتى نتحدث بصراحة لابد من حرمان أي صياد من سمكة تتجول بغرور في مياه لا تناسبها ولا تعرفها وبحراسة بعض من بالغ في منحهم الثقة على حساب حتى مصداقية خطاب الدولة مع الشعب الأردني.
الإعلام الضار أو المتصيد يتبع القصص، نفهم مهنيا الأمور على النحو الأخير وكل المطلوب نسج الرواية الوطنية الأردنية وطرحها بإحتراف في المشهد دون زيادة أو نقصان وهي مهمة يفترض أن لا تكون صعبة ومعقدة في بلد يزخر بالمستشارين وبرواد الوظائف العليا من المتجولين بين لقب وزير وسفير ومستشار دون أن يعلم الناس كيف دخلوا ومتى وما هو المطلوب من الرهان الدائم عليهم.
المؤسسة الأردنية خبيرة وعميقة، وثقة الأردنيين بمؤسساتهم وقيادتهم لا نظير لها في العالم، ولا يضير مملكة بنيت على الحب والتسامح والإعتدال ونصرة الضعفاء في الجوار أن يشاغب عليها نفر هنا أو هناك، والمطلوب فقط حرمان الصياد من «مادة دسمة» تمكنه من الاستهداف، وتلك مهمة ليست صعبة عندما تحسن النوايا، وتدرك البوصلة بأنه ينبغي عليها تصويب معادلات الإختيار أيضا، والعودة لقواعد اللعب الحر، والإصلاح لأن حرية الإعلام مثلا تحمي المملكة ولا تؤثر سلبا فيها.
عندما نعلم سبب إفتتاح «فرع المعارضة الخارجية» قبل سنوات ثم الصمت على التفاصيل، قد يتقلص الشغب ونفهم نحن والحكومة.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الشاعر السعيد:

    احسنت القول

  2. يقول محمود ساكب:

    من هي الجهة الرسمية او غير رسمية التي افتتحت المعارضة الخارجية

إشترك في قائمتنا البريدية