مذبحة أخرى ارتكبتها إسرائيل يوم الخميس وقتلت فيها أكثر من مئة فلسطيني جائع تجمعوا حول قافلة للمساعدات الإنسانية في شمال غزة. ومرة أخرى سعى التحالف غير المقدس بين النخب السياسية والإعلام في الغرب لتحرير إسرائيل من مسؤولية الدم الفلسطيني. وتبنوا رواية إسرائيل بأن الموت، وهو أكثر من 112 و750 جريحا جاء بسبب التدافع.
وقال السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور، إن الولايات المتحدة عرقلت مشروع قرار في مجلس الأمن تقدمت به الجزائر ويلقي مسؤولية القتل على إسرائيل. وقال نائب السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة روبرت وود، الذي لم يعبر عن اهتمام بمأساة المدنيين وشوهد في الماضي وهو ينظر في هاتفه المحمول أثناء كلمة للسفير الفلسطيني، إن المعلومات من الأرض غير متوفرة. لكن المسؤولين الطبيين في مستشفى العودة قالوا إن نسبة 80 في المئة من القتلى ماتوا بسبب نيران أطلقها الجيش الإسرائيلي على غزيين تجمعوا للحصول على المساعدات، وعدد قليل من الوفيات والجرحى ماتوا بسبب التدافع.
وحتى صحيفة «الغارديان» من يسار ـ الوسط التي تظهر أحيانا متعاطفة مع مصير المدنيين الفلسطينيين خرجت في عنوان الصفحة الأولى: «أكثر من 100 فلسطيني ماتوا في فوضى أحاطت بقافلة إغاثة في غزة» (1/3/2024) ووقعت مجلة «إيكونوميست» (29/2/2024) على نفس الوتيرة عندما جاء عنوان تقريرها «مأساة جديدة تكشف عن سيطرة الفوضى على غزة».
استهتار من رئيس
الولايات المتحدة
ويتساءل المراقب إلى متى سيظل الدمار قائما في غزة والموت اليومي للفلسطينيين هناك حتى يستفيق العالم ويطلب وقفا لإطلاق النار وإنهاء للمجازر الإسرائيلية. وكل ما نسمعه من بداية الحرب هي دعوات واهية من مثل، دول غربية تطالب بمزيد من المعلومات عن مجزرة إسرائيل التي تواجه حسب التقارير الغربية عزلة دولية وضغوطا متزايدة. والمخفي وراء هذه التقارير أن الغرب استحل الدم الفلسطيني وأدمن لعبة التواطؤ مع إسرائيل في جرائمها. بل ووصل الأمر حد الاستهتار برئيس الولايات المتحدة جو بايدن عندما أعلن للصحافيين وهو يتناول قطعة أيس كريم بمخروط، من أن مستشاره للأمن القومي سيقدم له قريبا أخبارا عن اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة. وقالت صحيفة «التايمز» (1/3/2024) إن الرئيس الذي حاول دفع الأسئلة عن إسرائيل-غزة وهو يحمل بيده مخروط أيس كريم، قدم صورة غير مشرفة عن جورج دبليو بوش عام 2002 عندما شجب أثناء متابعته لعبة غولف هجوما ضد إسرائيل ثم تابع اللعبة «راقب الممر».
وقال المعلق الكوميدي الساخر ستيفن كولبيرت «هذا رد رجل دولة لو لم يقدمه وهو يأكل أيسكريم بطعم النعناع». ووصف مقدم برنامج «ديلي شو» مايكل كوستا تصريحات بايدن بأنها «ليس الطريقة المشرفة لكي تعلن عن أخبار ستغير العالم» و«هي تذكرني بصورة لفريق أوباما وهم يشاهدون المداهمة لبن لادن وهو يرسمون بالونات حيوانات». وليس غريبا على رؤساء أمريكا تقديم تعليقات للصحافيين وهم يقومون بأعمال لا تتناسب مع المنصب. ويتذكر الجميع صورة بوش في فيلم مايكل مور فهرنهايت 9/11 عندما بدا جالسا مع أطفال مدرسة وهو يقرأ لهم قصة «الحمل الوديع». ففي العصر ما قبل الرقمي كان الرؤساء قادرين على تجنب الإحراج وتجاهل عدسات الكاميرا، فقد كان كنيدي يسمح بمرافقة الصحافيين وهو يلعب الغولف لأنه انتقد أيزنهاور للعبه الغولف. وسمح ليندون جونسون للصحافيين بمرافقته إلى الحمام حيث كان يجلس على مقعده ويجيب على أسئلة الصحافيين لأنه لا يحب مضيعة الوقت، كما يقول لاري سباتو، استاذ السياسة بجامعة فيرجينيا. والفرق اليوم هو أن كل ما يقوله الرؤساء في مواقف لا تشرف منصبهم تتحول إلى موجة ساخرة في منصات التواصل الاجتماعي.
انقسامات ديمقراطية
والمشكلة تظل أبعد لبايدن الذي يواجه انقساما داخل الحزب الديمقراطي بسبب إدارته لحرب غزة. وأشارت «واشنطن بوست» (29/2/2024) لاستطلاع رأي تحدث عن الانقسامات المتعمقة في الحزب الديمقراطي بسبب حرب غزة. وقالت الصحيفة إن التحول الأبرز ظهر بارتفاع عدد من يدعمون الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، مقارنة مع من يريدون عدم الإنحياز لأي طرف. وحسب استطلاع رأي نشر يوم الخميس فإن وجهات نظر الحزبين بشأن الصراع تغيرت، مع أن أغلبية من الجمهوريين لا تزال تدعم إسرائيل. وقارن الاستطلاع الأخير توجهات الرأي العام الأخيرة باستطلاعات سابقة. ففي عام 2002 قالت نسبة71 في المئة من الأمريكيين إنه لا ينبغي للولايات المتحدة الانحياز لأي طرف. وانخفضت هذه النسبة الشهر الماضي، بحسب البيانات الجديدة، إلى 56 في المئة.
وتقول الصحيفة إن «إدارة بايدن تشعر بهذا» بعدما تعرض له خلال الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيغان، التي يقطنها عدد كبير من الأمريكيين العرب، حيث دعت حملة إلى التصويت «غير ملتزم بمنح صوتي لمرشح معين» احتجاجا على دعمه لإسرائيل ورفضه الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وتبين أن نحو 100 ألف صوت كانت «غير ملتزمة» وهي نسبة أعلى مما حدث في الانتخابات التمهيدية السابقة. وقد تكون ميشيغان ساحة معركة لحملة بايدن في مواجهة ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر. وحاول بايدن عشية الانتخابات التمهيدية إرسال رسائل للناخبين العرب الأمريكيين وعبر عن أمله التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس. وقال البيت الأبيض إنه يأمل في أن يؤدي التوقف المؤقت للقتال إلى وضع أساس لوقف إطلاق نار أكثر دواما. بل ذهب بايدن إلى ما هو أبعد من ذلك حينما قال إن «هناك اتفاقا من الإسرائيليين على أنهم لن يشاركوا في أي أنشطة خلال شهر رمضان» وجدد انتقاداته لحكومة نتنياهو. وأشار الاستطلاع الأخير إلى أن «دعم الأمريكيين لإسرائيل، خاصة الجمهوريين، لم يعد عميقا» كما كان. وحسب التحليل، فإن 50 في المئة من الأمريكيين يرون أن العلاقة الأمنية الأمريكية مع إسرائيل تعزز الأمن القومي الأمريكي. بينما ترى 43 في المئة أن العلاقة الأمنية الأمريكية مع إسرائيل أضعفت الأمن القومي الأمريكي. ويرى 53 في المئة من الأمريكيين أنه يجب أن تكون هناك قيود على المساعدات العسكرية لإسرائيل حتى «لا تتمكن من استخدام تلك المساعدات في العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين». وأيدت نسبة 40 في المئة فقط من الجمهوريين هذا الخيار بينما أيدته 64 في المئة من الديمقراطيين ورأت 52 في المئة من المستقلين أن التأييد لإسرائيل ينخفض. وتؤيد نتائج الاستطلاع الأخير، ما سبق وقدمه استطلاع آخر في كانون الأول/ديسمبر، حيث رأت نسبة 50 في المئة من الأمريكيين أن الرد الإسرائيلي على هجمات حماس في تشرين الأول/اكتوبر تجاوز الحد. ولا يعرف إن كان التحول في مواقف الرأي العام من إسرائيل طويلة الأمد، لكنها تظهر أن الدعم لها ينخفض بين الأمريكيين، وأسوة بالدول الأخرى، ما يؤشر لعزلة إسرائيل وبالضرورة أمريكا، كما ظهر في التصويت على وقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تغيرات طويلة الأمد
ومع ذلك فهناك من يرى أن التغيرات في مواقف الرأي العام هي طويلة الأمد لأننا نتحدث عن حركة شبابية. وأشارت صحيفة «الغارديان» (29/2/2024) إلى حملة التصويت غير الملتزم في ولاية ميشيغان وإن كان سيطيح بجو بايدن الذي بات يعرف بـ «جو الإبادة الجماعية». ونظم ناشطون حملة «استمعوا إلى ميشيغان» حيث ذهبوا إلى المساجد والجامعات والمدارس ونظموا مسيرات واتصلوا بالهواتف وطرقوا الأبواب ونجحت جهودهم، إذ انضم 100 ألف شخص إلى الحركة غير الملتزمة. وهناك مظاهر بانتشار الحركة في ولايات أخرى، وهو ما أثار قلق بايدن والبيت الأبيض، ونقلت الصحيفة عن مراسلها في جنوب الولايات المتحدة قوله «إذا استمرت هذه الحركة في التزايد، فلن يكون الأمر جيدا بالنسبة إلى الديمقراطيين في شهر نوفمبر المقبل». ولا يعتقد أن الحركة سوف تختفي في وقت قريب. فهؤلاء ناخبون شباب نشطون ومنظمون للغاية أدلوا بأصواتهم لصالح بايدن في عام 2020 وإن لم يفعلوا ذلك، مرة أخرى، في الولايات المتأرجحة، فستكون لذلك عواقب حقيقية.
بايدن عقيم وضعيف
وهاجم المعلق فريد زكريا في صحيفة «واشنطن بوست» (1/3/2024) بايدن واعتبره ضعيفا وغير فعال في حل الأزمة في غزة. وقال إن استراتيجية بايدن في بداية الحرب قامت على تفكير وحسابات تهدف للتأثير على إسرائيل من خلال العناق القريب وإظهار التعاطف وفتح الباب أمام إرسال الأسلحة التي تريدها إسرائيل، لكن الإستراتيجية هذه «فشلت وبشكل كامل». ومع أن إدارة بايدن حثت إسرائيل على أن يكون ردها متناسبا، وقد استمعت حكومة بنيامين نتنياهو لكنها مضت في حملة القصف التي لم ير مثلها في هذا القرن ضد 2.3 مليون نسمة. وأدت لمقتل 30.000 شخص معظمهم من الأطفال والنساء. وحسب تقدير بشهر كانون الثاني/يناير فقد أدت الحملة إلى تدمير أو الإضرار بنصف مباني غزة. ومرة أخرى نصحت الولايات المتحدة إسرائيل بتبني حملة مقيدة ضد حماس ونصحتها بعدم الغزو البري، إلا أنها وبعد عقد اجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين مضت في الحملة البرية. ودعت الولايات المتحدة لوقفات إنسانية، لكنها لم تحصل إلا على هدنة قصيرة برعاية قطرية وتحرير أسرى لدى حماس مقابل تحرير سجناء فلسطينيين. وبعد العملية في شمال غزة، نصحت أمريكا إسرائيل بعدم تكرار الأمر في الجنوب الذي طلبت من سكان الشمال الرحيل إليه، ولم تستمع ومضت بنفس القصف والتدمير في الجنوب. وضد رغبة واشنطن بضرورة حماية المدنيين، أعلن نتنياهو عن حملة ضد رفح في جنوب غزة، حيث هرب إليها أكثر من مليون شخص. وأكد أنه ماض في العملية، سواء تم تحرير الرهائن أم بدونهم. وحذرت واشنطن من السيطرة على أراضي الفلسطينيين في غزة بعد الحرب أو احتلالها، لكن إسرائيل تخطط لعمل الأمرين. ولهذا تبدو السياسة الأمريكية في غزة «بائسة وغير فعالة وغير أخلاقية». و«صورة الأمريكيين وهم يغسلون أيديهم من الضحايا المدنيين ويوفرون الدعم العسكري المتواصل هي صورة بشعة. وصورة الرئيس وهو يتمتم قائلا عشوائية ومفرطة تعبر عن ضعف واستسلام».
ويرى زكريا أن مشكلة بايدن هي ثقته بإسرائيل، وبالضرورة نتنياهو الذي يتقن التلاعب بالرؤساء الأمريكيين، وفي هذه المرة تفوق نتنياهو ولعب ببايدن. ويرى أن المجتمع الإسرائيلي سمح لنتنياهو بممارسة الفظاعة في غزة وهو ما سيندم عليه. ومن واجب بايدن كصديق لإسرائيل قول الحقيقة لها. وجزء من مشكلة إسرائيل هي في هدفها وهي تدمير حماس. فأنت تستطيع قتل مقاتليها وتدمير بنيتها التحتية، لكنك لا تستطيع تدمير الفكرة التي تعبر عنها حماس، وهي أن المقاومة هي طريق تحقيق الحقوق للفلسطينيين. واقترح زكريا على بايدن السفر إلى إسرائيل وتذكيرها بأن ما تقوم به لن يخدمها، وبهذه الطريقة سيستعيد جزءا من موقفه الأخلاقي.
مجاعة
ولا يحتاج بايدن السفر إلى إسرائيل ومخاطبة قادتها من الكنيست، فهو سيمنحهم المصداقية والأهمية، وسيحفزهم على مواصلة مسارهم. ويعرف بايدن ومعه الولايات المتحدة أن ما يعاني منه سكان غزة من جوع وتشريد ودمار هو بسبب تردده بالأخذ على يد إسرائيل وإجبارها على إدخال الطعام والمساعدات الإنسانية إلى الجوعى الفلسطينيين، الذي حملهم الإعلام الغربي المسؤولية عن موتهم في المذبحة الأخيرة. وكما تقول ميغان كي ستاك من صحيفة «نيويورك تايمز» (29/2/2024) إن الأطفال في غزة لا يموتون اليوم بسبب كوارث طبيعية أو جفاف المحاصيل، بل ما يعانون منه هي كارثة من صنع البشر. فقد أبطأت إسرائيل بل ومنعت قوافل الإغاثة من دخول القطاع. ويحاول عمال الإغاثة معرفة إن كان القطاع قد أصبح عند حافة المجاعة أم تجاوز العتبة إليها. و«تجوع غزة لمدى أقل ولكنه مهم لأن حكومة الولايات المتحدة- التي تعتبر المزود الرئيسي للسلاح إلى إسرائيل والمدافعة عنها سياسيا- فشلت باستخدام النفوذ الرئيسي لإجبار إسرائيل كي تسمح لغزة بأن تأكل». وفي مقالة بمجلة «فورين أفيرز» (1/3/2024) ناقش كل من هاردين لانغ وجيرمي كونينديك قائلين إن المجاعة في غزة قد تصبح حقيقة وربما قتلت من السكان أكثر مما قتلت الحرب الآن. وحسب تقييم للجنة مراجعة الجوع، فقطاع غزة يقف الآن على حافة المجاعة. وفي يوم الجمعة، 27 شباط/فبراير قال المسؤولون الأمريكيون ومسؤولون في مجلس الأمن إن المجاعة في غزة محتومة. وفي الوقت الذي يمكن منع فيه سيناريو كهذا إلا أن الخيارات تضيق وذلك بفضل المعوقات التي تضعها إسرائيل أمام عمال الإغاثة واستهدافها لهم وتفتيشها العشوائي إلى جانب استمرار الحرب. ويعتقد الكاتبان أن التدخل الإنساني ينجح فقط في الحالات التي يتوفر فيها المجال والأمن للتدخل، ويعتمد هذا بدوره على السياسة. وفي الوقت الحالي تعمل سياسات إسرائيل على تسريع عملية الجوع وعرقلة جهود نشر المصادر. وتعتبر الولايات المتحدة القوة الخارجية القادرة على منع المجاعة، وذلك نظرا للنفوذ الذي تمارسه على إسرائيل. وعلى بايدن التحرك الآن لمنع المجاعة، ولكنه لا يريد التحرك، وكل ما تقدم به هو إسقاط المساعدات الإنسانية من الجو. وهو حل يراه نقاده بأنه غير كاف، علاوة على كلفته العالية ولأن إيصال المساعدات جوا ليس ناجعا. وربما كان تعبيرا عن يأس من إدارة بايدن وأنها غير قادرة على تغيير سلوك إسرائيل. وربما كان حلا رمزيا كما تقول صحيفة «الغارديان» (1/3/2024). ويبدو أن الرئيس العجوز نسي غزة أثناء إعلانه عن الخطوة الأخيرة وذكر أوكرانيا مرتين بدلا من القطاع. وهو ما يثير المخاوف لدى الديمقراطيين بشأن قدرة الرئيس على التعامل مع انتخابات رئاسية صعبة. ويرى المحامي السابق في وزارة الخارجية بريان فينكوين، والمحلل حاليا بمجموعة الأزمات الدولية أن تخلي الإدارة عن استخدام ما لديها من نفوذ لوقف الحرب، فلن يكون أمامها سوى حلول يائسة وغير كافية لمعالجة الأزمة الإنسانية على الهامش.
غزة تخلط أوراق بريطانيا
في النهاية تترك غزة ومعاناة أهلها والتجويع المقصود لهم والتدمير الذي لا يعرف الحدود لممتلكاتهم أثرها على مسار السياسة العالمية، ففي بريطانيا عاد جورج غالوي، النائب العمالي السابق إلى البرلمان بسبب غزة، حيث أهدى فوزه في منطقة روتشيدل قرب مدينة مانشستر إلى غزة وأهلها. وهو ما صدم الساسة في بريطانيا، فقد فاز غالواي بنسبة 40 في المئة من الأصوات ولم يحصل حزب العمال إلا على 10.000 صوت. وكان فوزه إحراجا للحزبين الرئيسيين، حيث سارع كير ستارمر، زعيم العمال للاعتذار، أما ريشي سوناك، فقد خرج مساء الجمعة بخطاب غير مترابط ومتناقض ألقاه من أمام مقر الحكومة وهاجم فيه اليمين المتطرف والإسلاميين الذي ينفثون الكراهية في شوارع بريطانيا منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر. وجاء تعليقه المتنافر بعد أسبوع من تصريحات نائب رئيس الحزب السابق لي أندرسون حول سيطرة الإسلاميين على عمدة لندن، صادق خان وبالتالي سيطرتهم على العاصمة. ورفض أندرسون حتى الآن الاعتذار عن تصريحاته. وهي جزء من مشكلة معاداة الإسلام في داخل حزب المحافظين، وظهرت في تصريحات وزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس. ويكافح سوناك للسيطرة على الحزب وسط مخاوف من خسارته السلطة في الانتخابات المقبلة. وحسب المعلق بيتر أوبورن في «ميدل إيست آي» (27/2/2024) فقد قرر سوناك التقرب لليمين في حزبه من أجل إنقاذ نفسه، ما يجعل السياسي البريطاني المعروف بمعاداته للأجانب إينوخ باول يتقلب فرحا في قبره. وهو السياسي الذي ألقى خطابا في 20 نيسان/إبريل 1968 ببرمنغهام وتحدث فيه عن أنهار الدم، في استعارة صارخة من أستاذ الكلاسيكيات لكلام الشاعر الروماني فيرجيل. في ذلك الوقت قام رئيس المحافظين تيد هيث بطرد باول من الحزب لكن أفكاره عادت للسيطرة على الحزب، ويبدو أن سوناك قرر الانضمام إليهم.