تطوّرٌ حمّال دلالات لافتة أنّ جو بايدن، نائب الرئيس السابق والمرشح الديمقراطي الحالي لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، يواصل الركود في المرتبة الثانية بعد زميله المرشح الديمقراطي السيناتور بيرني ساندرز؛ خاصة وأنّ ما يدلّ عليه هذا الموقع يتجاوز ملابسات الترشيح، العديدة المتنوعة، السياسية والإيديولوجية، فيشمل أيضاً تفصيلاً خطيراً وغير مألوف: «المزاج» الذي يوحي بالعنصرية (كما يتمثل في سلوكيات معلَنة نادراً، بالطبع)، ومبطّنة مقنّعة عالية التمويه (غالباً، وإجمالاً).
الأحدث في هذا المضمار، والذي تبدى خلال مناظرة مرشحي الحزب الديمقراطي الأخيرة في نيو هامبشير، أنّ بايدن رفض استنكار موقف عنصري صدر عن مسانده ديك هاربوتليان، السيناتور الديمقراطي عن ساوث كارولاينا؛ مكتفياً بالقول إنّ الأخير يأسف لأنّ تصريحاته أُخذت على محمل عنصري، وحيلاً المسألة بأسرها إلى ما يتمتع به بايدن من شعبية عالية لدى الناخبين السود في الولاية! قبلها، خلال مناظرة أيلول (سبتمبر) الماضي، أعطى بايدن إجابة مخاتلة تماماً حول قراءته، هذه الأيام، لتصريحات صدرت عنه في السبعينيات؛ مفادها أنه لا يشعر بالمسؤولية عن «آثام» أسلافه في ملفّ الرقّ واستعباد السود، و«لتحلّ عليّ اللعنة إذا كنت سأشعر بالمسؤولية عن سداد تعويض عمّا وقع قبل 300 سنة».
لكنّ سوابق بايدن ترتدّ إلى سنوات بعيدة، والمفضّلة عندي هي حكايته مع شخص غير عادي، كما ستثبت الأيام: باراك أوباما، دون سواه، الذي سوف يكون مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسيات 2008، وسيختار بايدن كنائب له على بطاقة الحزب، وسيحقق فوزاً تاريخياً على جون ماكين وسارة بيلين، فيصبح أوّل رئيس أفرو ــ أمريكي على امتداد تاريخ الولايات المتحدة. الحكاية، مع ذلك، تبدأ خلال احتدام التنافس بين مرشحي الحزب الديمقراطي أنفسهم، حيث كان بايدن ينافس أوباما ولا يوفّر جهداً في النيل منه وإضعاف حظوظه. يومذاك كان بايدن، ليس في مجلس خاصّ بل علانية مع مراسل صحيفة الـ«نيويورك أوبزرفر»، قد امتدح (!) أوباما هكذا: «أوّل أفرو ــ أمريكي من التيّار العامّ، جيّد النطق وبرّاق ونظيف وحسن المحيّا».
الغرض ليس التنفيس عن طوية عنصرية، إذا كانت هكذا فعلياً في قرارة النفس، بل اجتذاب تلك الشرائح من الناخبين الذين يحملون بدورهم طوية مماثلة خبيئة؛ بما يعنيه ذلك من دغدغة المشاعر والحساسيات والعُقد والمركّبات
وإذا كان هذا التوصيف قد أثار حفيظة السود، خصوصاً كبار بلغائهم أو مرّشحيهم للرئاسة من أمثال جيسي جاكسون وشيرلي كيشلوم وكارول موزلي براون وآل شاربتون (وهذا الأخير أبلغ بايدن أنه يستحمّ كلّ يوم!)؛ فإنّ نعت أوباما بالـ«برّاق» اثار الكثير من التساؤلات، اللغوية الصرفة بادئ ذي بدء.
فما الذي قصده بايدن على وجه الدقة، خاصة وقد استخدم مفردة Bright وليس Brilliant، وهذه الأخيرة كانت ستُفهم بمعناها الشائع والإيجابي والمألوف، أي «اللامع»؟ هل كان المقصود الإيحاء بأنّ أوباما برّاق البشرة؟ أم برّاق اللسان؟ أم برّاق الهندام؟ ثمّ هل تُفهم صفة الـ«نظيف» بالمعنى الحرفي للكلمة، أي كما قصد شاربتون حين أقسم أنه يستحمّ كلّ يوم؟ في كلّ حال، كان التوصيف يعبق برائحة عنصرية لا تخفى، حتى إذا نجم عن شطحة لسان كما حاول بايدن الإيحاء لاحقاً.
ليس من السهل افتراض النزوع العنصري لدى البشر، غنيّ عن القول، فكيف إذا كانوا في حمأة صراعات انتخابية يُباح فيها الكثير من أنماط الضرب تحت الحزام. غير أنّ المرء، حين يقف على سلسلة معطيات دامغة، يمكن بالفعل أن يمنح نفسه حقّ الذهاب أبعد في التأويل، حتى من زاوية النبش في الدواخل وقراءة ما يتخفى من معنى بين السطور. والأيام المقبلة، عندما يشتعل التنافس الانتخابي أكثر فأكثر، وتخرج السكاكين إلى الملأ بأنصال حادّة قاتلة؛ سوف تمنح المراقب مناسبات أوضح في تبيان الخفايا العنصرية، لدى صاحب سوابق مثل بايدن. ذلك لأنّ الغرض هنا ليس التنفيس عن طوية عنصرية، إذا كانت هكذا فعلياً في قرارة النفس، بل اجتذاب تلك الشرائح من الناخبين الذين يحملون بدورهم طوية مماثلة خبيئة؛ بما يعنيه ذلك من دغدغة المشاعر والحساسيات والعُقد والمركّبات.
الدليل على استنتاج، محتمل كهذا أنّ أقوال بايدن ذات الرائحة العنصرية لا تقتصر على السود، أو الأفرو ــ أمريكيين، وحدهم؛ بل هو يغوص أعمق في تربة ثقافية وتاريخية لا تغيب عنها روائح التمييز، وربما الجوهرانية والإقصاء أيضاً. ففي مطلع هذا العام، في نيو هامشير أيضاً، قال بايدن: «أخوتي، الأمر يتعلق بتغيير ثقافتنا، ثقافتنا، ثقافتنا. إنها ليست مستوردة من أمّة أفريقية، أو من أمّة آسيوية ما. إنها ثقافتنا الفقهية الإنكليزية، ثقافتنا الأوروبية التي تقول بالصواب». ولأنّ الرائحة المنفّرة فاحت من التصريح، فقد عمد فريق بايدن الانتخابي إلى اقتطاع عبارة «الأمر يتعلق بتغيير ثقافتنا»، وحذفها نهائياً؛ وذاك إجراء لم يجمّل السوء على أيّ نحو، لأنّ التصريح انتشر على تويتر، وشاهده أكثر من 1,4 مليون متابع خلال دقائق قليلة.
جميل، إذن، أن يتراجع بايدن إلى المرتبة الثانية أمام ساندرز، وأن تُنقَض تباعاً ستراتيجياته في البناء على رئاستَيْ أوباما، وتُفتضح معها مزاعمه حول حيازة شعبية عريضة لدى الناخبين السود. ليس أقلّ أهمية من انكشاف الطوية هذه، أنّ أطروحته الكبرى، حول أمريكا كانت خالية من كلّ عطب حتى جاء دونالد ترامب ونقل إلى جسدها البلاء، باتت بدورها خلقة مهلهلة.
لا يوجد بلد يدعي الديمقراطية والحرية أكثر عنصرية من امريكا، هؤلاء الذين قاتلوا بعضهم بعضا بسبب محاولة تحرير السود من العبودية، وعصابة كلان معروفة كيف فظعت بالسود، وبالامس فقط اغتالوا مارتن لوثر كينغ، ومالكوم ايكس، وبايدن لا يختلف عن ترامب، عنصرية هؤلاء لا تقف عند السود وحتى الاجناس الاخرى من عرب وبورتو ريكو ومكسيكيين
شكرا عزيزي صبحي
الزاوية الأكثر جدارة بالاهتمام، بلا منازع..
كما كتبت تعقيبا على افتتاحية الخميس الفارط، قلتها لهم، للأوروبيين، مواجهة مرات عديدة /وأنا بـ”نصفي الأوروبي” إلى جانب “نصفي العربي”/، قلتها وما زلت أقولها لهم ولغيرهم: لم أعد أثق بأي قانون في أية دولة أوروبية أو غربية تدعي بهذه الأقوال الجوفاء وما شابهها من أقوال عن العدالة والديمقراطية.. العنصرية والتمييز متوغلان ومتغلغلان في كل ثنية من ثنايا الحياة الأوروبية، وأكثر ما تتوغلان وتتغلغلان في الحياة الأكاديمية، بشكل مستتر و/أو معلن بإزاء الأجانب /حتى لو كان هؤلاء الأجانب متفوقين عليهم: وهذه حقيقة لا يعرفها جيدا إلا من خبرها عن كثب/.. ترون هذا “السم” الذي تحدثت عنه أنغيلا ميركل قبل أيام ينز من مسام جلد الواحد منهم سما سما /مفرد المسام/ حتى لو حلف بكل أنواع اليمين أمام الله وأمام الملأ الأعلى والأدنى بأنه ليس من العنصرية ولا من التمييز في شيء.. !!
سيُكتب بالتفصيل عن مسألتي العنصري والتمييز هتين لاحقا.. !!
** مسألتي العنصري والتمييز
** مسألتي العنصرية والتمييز
على فكرة، أخ صبحي حديدي، أظن أنك ذكرت منذ فترة أيضا قصة استخدام بايدن لمفردة Bright وليس لمفردة Brilliant، وأن الأخ حي يقظان أبدى ملاحظات جد هامة عن الفرق الجوهري بين الإنكليزية البريطانية والإنكليزية الأمريكية في استخدام كل من المفردتين.. !!
يشكر الأخ صبحي حديدي على مقاله السياسي المنور وأسلوبه ذي الأصداء الغياثية الذي يتألق أدبية يوما بعد… بالفعل الزاوية الأكثر جدارة بالاهتمام، بعبارة الأخت آصال أبسال… !!!
وسلمت لنا يا أخت آصال أبسال، أينما حللت وأينما نزلت، على الملاحظات الرائعة كما عهدنا منك على الدوام… كل دولة بلا استثناء كانت قد نُفث في عروقها “سُمُّ” العنصرية بشكل تاريخي أو بآخر… إلا أمقت أشكال السم العنصري في هذا التاريخ على الإطلاق قد بدأ ابتداء “حميا عفويا” في أمريكا بالذات، بين الأبيض والأسود، وسرعان ما تحول إلى “أيديولوجية” عرقية نمت وتطورت بكامل مقوماتها القريبة والبعيدة مع نمو وتطور الرأسمالية بالذات، ومن ثم انتشرت شيئا فشيئا بمقومات أكثر جلاء إلى كافة أنحاء هذا الكوكب الكئيب… وأظن أني قرأت شيئا من هذا القبيل في واحد من المقالات السياسية النفسية المتفردة في الأسلوب والمحتوى للأخ غياث المرزوق… !!!
يشكر الأخ صبحي حديدي على مقاله السياسي المنور وأسلوبه ذي الأصداء الغياثية الذي يتألق أدبية يوما بعد يوم… بالفعل، هذه هي الزاوية الأكثر جدارة بالاهتمام، بعبارة الأخت آصال أبسال… !!!
وسلمت لنا يا أخت آصال أبسال، أينما حللت وأينما نزلت، على هذه الملاحظات الرائعة كما عهدنا منك على الدوام… كل دولة بلا استثناء كانت قد نُفث في عروقها “سُمُّ” العنصرية بشكل تاريخي أو بآخر… إلا أمقت أشكال السم العنصري في هذا التاريخ على الإطلاق كان قد بدأ ابتداء “حميا عفويا” في أمريكا بالذات، بين الأبيض والأسود، وسرعان ما تحول إلى “أيديولوجية” عرقية نمت وتطورت بكامل مقوماتها القريبة والبعيدة مع نمو وتطور الرأسمالية بالذات، ومن ثم انتشرت شيئا فشيئا بمقومات أكثر جلاء إلى كافة أنحاء هذا الكوكب الكئيب… وأظن أني قرأت شيئا من هذا القبيل في واحد من المقالات السياسية النفسية المتفردة في الأسلوب والمحتوى للأخ غياث المرزوق… !!!
تصويب…
إلا أمقت أشكال السم العنصري > إلا أن أمقت أشكال السم العنصري
وهل العرب و المسلمين غير عنصريين؟ العنصرية وباء مصاب به كم هائل من البشر
يبدو أن المعلق “علي” (باللاتيني) يقرأ قراءة انتقائية، هذا إن قرأ في المقام الأول…
قلت في تعليقي الأخير بجلاء: (كل دولة بلا استثناء كانت قد نُفث في عروقها “سُمُّ” العنصرية بشكل تاريخي أو بآخر)… وما عليك إلا فهم الباقي… !!!