بايدن ونتنياهو: هذي الضجة الكبرى علاما؟

حجم الخط
0

صحيح، في يقين هذه السطور على الأقلّ، أنّ شرّ البلية لا يحدث أنه يُضحك أحياناً فقط، بل قد يستدعي جرعات ضحك إضافية على رافضي الإضحاك؛ كما في مثال المؤمنين بوجود خلاف بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحالف جرائم الحرب الذي يقوده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ممّن لا يضحكون رغم أنهم في طلائع أشدّ المُضحكين.
أكثر التقارير فذلكة بصدد هذا الخلاف المزعوم، وهي أيضاً أسرعها تلميحاً إلى الاطلاع على الخبايا والخفايا وأحاديث الجلسات المغلقة والهمس واللمز بين بايدن ونتنياهو؛ تقول مثلاً إنّ الأوّل أمهل الثاني أسبوعاً أو اثنين ليس لتحقيق “النصر” في قطاع غزّة، بل لتغيير “وتيرة” القصف و”تخفيض” أعداد الضحايا من الفلسطينيين، والأطفال والنساء بصفة خاصة.
تقارير أخرى، تتصنّع أفانين من النباهة والذكاء والفهلوة، فتذكّر الغافلين الجَهَلة قليلي الاطلاع وقصيري النظر (وهِؤلاء، أغلب الظنّ، تسعة أعشار الإنسانية المنشدّة يومياً إلى حمامات الدم في قطاع غزّة)؛ أنّ مصالح الولايات المتحدة القومية هي العليا، ولها الأولوية القصوى إذا تضاربت مع مصالح دولة الاحتلال. ففي السياسة (كما يحلو للعباقرة في هذه الفئة أن يرفعوا العقيرة بالهتاف): لا صداقة دائمة بل مصالح راسخة.
تقارير من طراز ثالث سوف تسخر من عقول المتشبثين بأقوال أدلى بها بايدن، من عيار أنّ المرء لا يحتاج لأن يكون يهودياً حتى يتصهين، أو أنّ دولة الاحتلال هي الاستثمار الأمريكي الأهمّ والأثمن على مرّ القرون، أو أنّه لو لم تكن دولة الاحتلال لتوجّب على الولايات المتحدة أن تخلقها. وقد يحدث، من دون مفارقة، أن يكون عدد غير قليل من نطاسيي هذه الفئة هم أنفسهم يتامى مقولة “النظام الدولي الجديد” التي أدخلها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب على أعتاب اجتياح العراق مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
وللمرء أن يدع جانباً أمثال بايدن، وقبله دونالد ترامب وباراك أوباما وجورج بوش الابن؛ أو أيّ رئيس للولايات المتحدة خلال الـ75 سنة التي أعقبت الاستثمار الأمريكي في المشروع الصهيوني؛ فأيّ فارق صنع هذا الرئيس أو ذاك، ديمقراطياً كان أم جمهورياً، بصدد ركائز كبرى للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط عموماً، وإزاء دولة الاحتلال الإسرائيلي خصوصاً؟
ذاك تاريخ لعقائد/ ثوابت، لم تترك لأيّ رئيس أمريكي هامش مناورة واسعاً في التملّص من التبعات والمقتضيات، أو المساس الجدّي بما صار فلسفة ناظمة شبه مقدّسة. هنالك هاري ترومان في عقيدته، التي سُمّيت باسمه في الخمسينيات، وهدفت إلى حماية المصالح الأمريكية شرقي المتوسط، وتأسيس دولة يهودية في فلسطين. وهنالك دوايت أيزنهاور، في استخدام حرب السويس عام 1956 من أجل محق النفوذ الإمبراطوري لكلّ من بريطانيا وفرنسا، وإحلال الإمبراطورية الأمريكية محلّ الجميع، مرّة وإلى الأبد.
وفي الستينيات، شاعت عقيدة ليندون جونسون في تكوين تحالف ستراتيجي أمريكي ــ إسرائيلي ضدّ التحالف السوفييتي ــ العربي، الذي حاول الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر هندسته، فتلقى ضربة قاصمة في حرب الأيام الستة عام 1967. وفي السبعينيات، شاء ريشارد نكسون توظيف حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 من أجل فرط التحالف أعلاه، وإعادة مصر إلى الحظيرة. تتمة اللائحة تشمل جيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان وبوش الأب، ولم تكن إدارات بيل كلينتون وبوش الابن وأوباما وترامب سوى تنويعات على هذا النحو أو ذاك، تستكمل تلك العقائد في مبدأ “النظام الدولي الجديد” أو “الاحتواء المزدوج” أو “الضربة الاستباقية” أو “الشرق الأوسط الجديد”….
علامَ، إذن، هذي الضجة الكبرى حول الخلافات المزعومة بين بايدن ونتنياهو؛ ما خلا أنها تمارين مسرحية تشحذ صهيونية الأول، وتُشحن فاشية الثاني، وتبرهن، مجدداً، أنّ شرّ البلية… ما يضحك؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية