ذاتَ بيتِ مرمرٍ طلاؤه يتبدّلُ كلَّ جمال وكلّ شمس. أفتحُ متأخرا البابَ. بخت اليوم معلّق مع صحفِ الصباح على أكرةِ الباب، الأرضُ ما زال عليها بعض من قمرٍ خفيف. باردا أنظرُ إلى غيومٍ سوداء، الروزنامة كما أقرأُ مليئة بالمفاجأة. المرأة المستلقية على السريرِ منذُ حب أمس لم تلبسْ بعد ملابسها العارية، حياتي تتوهّجُ لأطمئن على نفسي أغلقتُ الباب َخلفي. ومضى جسدي مثل طفلٍ فُطمَ قبل شمس.
٭ ٭ ٭
حين عدتُ إلى أنقاضي بعد عمرٍ ينسجني بخجل. لم أعثر على جسدي، كنتُ أستمعُ إلى مقطوعةٍ تأتي برقّة مزمار. كنت جاهزا بكلِّ مخطوطاتي أغسل نظاراتي بخضرةِ ماءِ العشب، وأتقدّمُ قدما إلى قرصٍ أحمر متوهّجٍ بالثلجِ، ظلامٌ مشعٌّ وجدران كأنها تشيّعُ إلى عيني ضجيجاً يؤلمني، وتغمرني العصافيرُ بأقواسِ الضوء.
٭ ٭ ٭
أُبقى على الجانبِ المنخفض من الماءِ، أُمدّدُ نفسي في الماضي وأقرأ تاريخاً ينطقُ باسمي. بإمكاني أن أفكّرَ بمعجزةٍ وأتأفّفُ بإعوجاجٍ. لكنّني لا أسمح أن أهرمَ في الحبِّ وأتحوّلَ إلى صلصاٍل ناعم. يقذفُ بأجزاءئِ أينما كان. بإمكاني أن أتكلّمَ بنكهةِ موسيقى وأعثرَ على نساءٍ يذبنَ دهشةً في نبعِ رغبتي، أنا بكلِّ سعادةٍ أتناثرُ مثل رمادٍ في عجينِ صلصالهنَّ.
٭ ٭ ٭
مثلي تماماً وقتك رديءٌ وبلا معنى، تسمع ُضجيجَ بهجتك. تسمع أيّاما بلا جدوى تسقطُ على الأرض. ونهاراتُك تتعثّر من صوتِك. أشياءٌ ساخنة تذهبُ منك في سفرٍ طويل. وبصمتِك البريء تشحبُ وأنتَ تشمّها. تبتعدُ بعيدا لكنّك دائماً هكذا تغرزُ نظرتك في الأرضِ، وتلقي براحةِ جسدك في طينٍ وماء. وتغمضُ عينيك كأنّكَ إلهٌ يتكرّر في جنّة ِبلادٍ لا تتكرّر أبد.
٭ ٭ ٭
أتدحرجُ وحدي كعادتي، وأنا أطاردُ النساءَ وأوزّعُ شبقي على شكلِ حبوبِ زيت صفراء. وأرمي ما تبقّى منها في النهر، وكلّما سنحت الفرصةُ حين أسخن وبعفويّة. أفتحُ أبواباً أخرى وأتّكئ على ألحياة وأنا أمضغُ ليلتي متذمّرا من أفواهِ جسدي الهشّة.
٭ ٭ ٭
بحثتُ عن أيٍّ شيءٍ يجعلُ البكاءُ يبكي أي شيء في البكاء. يجعلني أستمرَ أبكي عن قنديلٍ أضيءُ به نفسي من تلقاءِ نفسي، بحثتُ عن أوّل كفٍّ لأرملة عذراء. تخرجُ منها الحماقاتُ في الطريق إلى المقبرة. عن زهيراتٍ شاحبة تتركها خلفها لأطفال صغار، يذهبونَ إلى لونٍ أبيض في شتاءِ المطر بحثتُ عن عزلةٍ خضراء في النافذةِ المقابلة لبيتي في قلقِ العزاء، بحثت ُعن آلهةٍ بأصابع اصطناعية تكتبُ بعض َالتغريدات، وتهربُ خلفَ مصحّة الكلمات بعد أن، تضع موعداً على شكلِ بيضة في عتبةِ بيتِ أرملةٍ ماتت قبل قليلٍ. بحثتُ عن أيّ شيء يجعلني لا أبكي كثيرا.
٭ ٭ ٭
كلّما وجدتُ مكانا رائعا أطمئنُّ به على عكازةِ الحرب. يراودها بأصابعهِ المتكسّرة الضوء. كلّما استقرت الجثثُ في نعوشِ طفولتها. ذابَ الثلج من رغبتي وانطفأت الخطايا أمام دموعِ الشمس، ومن تكرارٍ مقيت وإفراطها ترفعُ الذنوبُ يديها ولا تستحي. وكلّما خرجَ أحد من ثقوبِ الأرض. ينثر أنقاضه ليطمئن أنّه سوف يمشي إلى حتفهِ آمين. لم يبقَ الكثير قابَ طيش، يتعثّر في قوسٍ ربّما سيسقط.
٭ ٭ ٭
أراها ألواحاً تنزلُ من رخامِ كنيسة ٍمن فرطِ الغيب، تندهشُ ويندهشُ المذبحُ، ترتّلُ الأيقوناتُ بفمٍ من هواءٍ قديم وأصابع معقوفة، أراها تلك الألواحُ المشاغبة بآلهةٍ مخمورين وأناشيد خطّائين، ومن فمٍ مجعّدٍ بالغواياتِ، وأصابع محتشدة بتأوهاتٍ الذنوب وعريِ الشهوات.
٭ ٭ ٭
تنبئُني الأباريقُ على محملِ جرنِ ميلادي وموائد العذراوات، إنّي سأتبعثرُ بينهنَّ حين أثملُ في حضنهنَّ بذنوبٍ، أتسلّى معهم بها وهنَّ يغرزنَ ناياتها في ذهولهنَّ، وقدّاحي مهذّب يصقلُ في صلصالهنَّ ترانيم، لأصابع ورائحة مرايا.
٭ ٭ ٭
في يدي شهوةُ نفسي تصافحني نخبَ فقداني في مخيّلةِ أرق. ترفعُ الشعرَ وليلا يكملُ غلاف كتاب الفجر وأكليل زفاف الورد. لفحولة شهوة تلجأُ كلَّ يوم قلقة تحت رحمة ِحيطانٍ في ظلٍّ خجول من رجفة ِالشمس، وطين شرفاته الآيلة المجعّدة من عزلتها المغسولة باللافتات. وصور ثملة من غير لباس.
٭ ٭ ٭
من عزلة لعامٍ ومن عامٍ لعزلة، بذهولٍ أراوغُ الضجر وأتسلّى بوجنةِ الملح وشفةِ النارنج، وأفرطُ بغيب ٍمعتّق. أقسمُ بعناقِ بيض مكسور ٍمن خيالي الغريب. وأضحكُ أمام تماثيلٍ تذرفُ الدمعَ خلف عصافير مذعورة. من فسحةٍ في مجونِ الثلج.
٭ ٭ ٭
أمامك معبدٌ يقلُّ فزعك في النخبِ الثالث من هذيانك الفسيح بالكلماتِ، أفتحُ بواباته المكسورة بيدِ الأحفاد لا تطأ العتبات الموشومة بزيتِ معاصرها المقدّس، ونبضك أخرس وتوبتك نعشٌ أعمى، أعرفُ من أينَ تنزلُ إلى المذبح، ناضجاً بالقدّاحِ. تتقدّمك أقمارٌ تخرجُ من فردوسِ يدك المهذّبة بالأساطير.
٭ شاعر من العراق