مر أسبوعان منذ أن فقد الابن البكر عبد الله عينه اليسرى بسبب رصاصة مغلفة بالمطاط الصلب أطلقتها الشرطة عليه. ومحمود الطرابين، الشخص المهذب (38 سنة) يجد صعوبة في العثور على الشجاعة لإبلاغ عائلته بذلك. “لقد كذبت على الجميع”، قال للصحيفة، “زوجتي طوال الوقت تنظر إليه وتبكي. أخاف إذا أخبرتها أن يحدث لها شيء ما. هذا ابنها، 16 سنة وهي تقوم بتربيته. كيف جاء فجأة أحد ما وأطلق النار عليه؟ كما أنني لا أنجح في إبلاغ أمي. أنا خائف. لذلك، أقول بأننا ما زلنا ننتظر جواباً من الطبيب، وأن الصورة غير واضحة بسبب الالتهاب”.
الحقيقة أن الصورة واضحة جداً. منذ أن تم تسريح عبد الله من المستشفى بعد خمسة أيام من العلاج في مستشفى سوروكا، أوضح الأطباء للأب بأنه لن تعود الرؤية لعين ابنه اليسرى. وستوضع له بدلاً من هذه العين عين زجاجية، كجزء من عملية تجميلية.
الطرابين أب لتسعة أولاد، يعمل في النهار حداداً في بئر السبع، وحارس في رهط ليلاً. “اتصلوا بي من البيت عند الساعة الرابعة إلا ربعاً بعد الظهر، وقالوا إن الشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع الذي يدخل إلى البيت”، يستذكر الأب بعد يومين من الحادثة التي حدثت في 23 كانون الثاني في قرية طرابين. “وصلت خلال عشرين دقيقة، وقلت لرجال الشرطة: هنا أطفال صغار، وأشخاص مرضى بالكلى. ولا يجب فعل ذلك. وعندما اقتربت من رجال الشرطة أطلقوا نحوي قنابل الصوت، فقلت لهم: ماذا هناك، لا أحمل شيئاً بيدي. صرخت عليهم وطلبت ألا يطلقوا”.
حسب أقوال الطرابين، أطلقوا رجال الشرطة حول بيته وبيوت عائلته الموسعة عشرات قنابل الغاز. سبب الإطلاق هو ملاحقة طويلة لستة أو سبعة رجال شرطة لأطفال رشقوا عليهم الحجارة قرب البيت الذي تم فيه تفتيش عن سلاح، ويبعد بضع مئات الأمتار عن بيته. وحسب أقوال الأب، فإن أولاده لم يشاركوا في المواجهات. “لي أخت أجريت لها عملية زراعة كلية، وزوجة أخي تغسل الكلى. ولي أولاد صغار”، وتابع: “كان هناك الكثير من الغاز الكثيف داخل البيت، حتى أنا اختنقت”.
كانت حول بيت الطرابين نقطة مواجهة لرجال الشرطة وأولاد المكان الذي حدثت فيه العملية الشرطية. “عندما بدأ رجال الشرطة بالانسحاب إلى النقطة المركزية”، يسترجع الأب، “وقف أحدهم على تلة ارتفاعها متر ونصف، التي تحدد مزرعة الحيوانات لمجمع العائلة. ذهبت نحوهم. الشرطي الذي كان يقف فوق التلة على الفور أطلق نحوي أربع قنابل صوت. تابعت التقدم. لست خائفاً. هذا بيتي. كان يقف فوق تراب قرب قضيب من الحديد، ووصلت إليه حتى قضيب الحديد تماماً. طوال هذا الوقت، كان أولادي الصغار يبكون دون توقف من الرائحة (رائحة الغاز المسيل للدموع) ومن الخوف. قلت للشرطي بأن يغادر: إذا كان هناك أحد يزعجك فلماذا تأتي إلينا؟ لماذا تدخل بيتاً لم يخرج منه أي شيء؟
قال لي الشرطي: “اذهب من هنا قبل أن أطلق النار عليك”، واصل الطرابين. “ابتعدتُ بضعة أمتار نحو البيت، وفجأة رأيت ابني يسقط على الأرض”. كانت الرصاصة سوداء صلبة مغلفة بالمطاط وقد أصابت عين عبد الله. وحسب رواية الطرابين، كان الشرطي أطلق صوب ظهره عندما كان على بعد 12 متراً، في الوقت الذي كان فيه عبد الله يقف في منتصف شارع في الساحة، على بعد 25 متراً عن والده. يعتقد الطرابين أن الشرطي صوّب نحو رأسه، لكنه لم يصب الهدف فأصابت عبد الله الذي كان يقف في خط النار نفسه تماماً.
“يجب تقديم هذا الشرطي للمحاكمة، ومن يقفون من ورائه أيضاً”، قال. “يجب على هذا الشرطي أن يشرح للقاضي سبب فعل ذلك. إذا شعر ابني بالخوف وهو في بيته، فلا أريد هذه الحياة. ما تفعله هذه الشرطة هو مشروع كراهية”، قال.
إجراء مخفف
التقرير الذي نشره نير حسون في الصحيفة في 2014 كشف بأن الشرطة استبدلت بالرصاص الذي يغلفه المطاط الأزرق والخفيف نسبياً، 30 غم، رصاصاً مغلفاً بمطاط أسود وأكثر صلابة، 62 غم وقطر 40 ملم. وهو رصاص تستخدمه الشرطة الآن في النقب. الرصاص المغلف بالمطاط الصلب هو المسؤول عن موت الفتى محمد سنقرط في وادي الجوز في أيلول 2014. وحسب بيانات جمعية حقوق المواطن، أصيب في شرقي القدس 35 فلسطينياً بالرصاص المغلف بالمطاط الصلب بين تموز 2014 ونهاية العام 2016، 16 منهم قاصرون، و28 منهم -بمن في ذلك القاصرون- أصيبوا في رؤوسهم، و17 منهم فقدوا النظر في العينين أو في عين واحدة. وعانى آخرون من تهشم باللثة والأسنان وكسور كثيرة في عظام الوجه والجمجمة ونزيف في الدماغ وأضرار في الدماغ لا يمكن علاجها.
في 1 كانون الثاني 2015 نشر قسم العمليات في الشرطة “تعليمات مهنية” تحدد قواعد استخدام بندقية الرصاص المغلف بالمطاط بقطر 40 ملم. وكتب في التعليمات أنه يجب التعامل مع البندقية المزودة بمنظار كـ “سلاح ناري”، ومسموح استخدامه فقط في مواجهات من “المستوى د” الخطير جداً. في الصفحات الخمس للتعليمات تظهر جملتان تم التأكيد عليهما بخط عريض تحتهما، وهما “صوّب نحو أسفل جسم المشاغب”، و”يجب عدم استخدام هذا السلاح تجاه الشيوخ والأطفال أو النساء اللواتي يظهر أنهن حوامل بوضوح”.
في حزيران الماضي، نشر قسم العمليات تحديثاً مخففاً لهذه التعليمات، “إجراء استخدام الرصاص المغلف بالمطاط”. ما زال استخدام بندقية الرصاص المطاط مسموحاً فقط في المواجهات الخطيرة جداً، لكن يجب تجنب المس بالنساء الحوامل والشيوخ والأطفال. وأضيف تحفظ: “بقدر الإمكان”. البنود الـ 12 الأخرى المتعلقة بـ”استخدام هذه الأداة” مُنع نشرها في ضوء “عدم الكشف عن أساليب العمل والأدوات”. وليس واضحاً ما إذا كان منها تعليمات إطلاق النار على الجزء السفلي للجسم. لم ترد الشرطة على سؤال “هآرتس” حول ذلك.
باسم أبو ربيعة (44 سنة) أحد البدو الأربعة الذين أصيبوا في رؤوسهم خلال بضع دقائق من إطلاق الرصاص المطاطي الصلب في المظاهرة التي جرت في 13 كانون الثاني في مفترق طرق “موليدت” (سعوه) في شارع 31. هذه هي المظاهرة التي انتهت إلى مواجهة عنيفة في الأسبوع الذي تدهور فيه مشروع التشجير التابع للصندوق القومي. وعلمت “هآرتس” عن ثلاثة آخرين أصيبوا فيها في الجزء العلوي لأجسامهم، وهم: عجوز، وشخص عمره 60 سنة أصيبا في الظهر، وناشط اجتماعي شاب أصيب في الكتف. وورد من الشرطة أن كل ذلك تم حسب “المصادقات المطلوبة”.
يعيش أبو ربيعة في قرية كحلة المعترف بها، بين غابة يتير وشارع 31. هو حفيد الشيخ حماد أبو ربيعة، عضو الكنيست البدوي الأول، الذي انضم إلى “المعراخ” في 1974، كان وأبناء عائلته أصحاب أراض في منطقة قاعدة “نفتيم” وفي المنطقة التي أقيم عليها المجلس المحلي. مقابل موافقتهم على التنازل عن هذه الأراضي، حصلت العائلة على أراض في كحلة.
“عملت طوال حياتي في المصلحة العائلية”، قال أبو ربيعة. “منذ العام 1993 وإلى ما قبل سنة كنت سائق تراكتور في كسارة في أراضي العائلة، غير بعيد من هنا. أنا متزوج ولي سبعة أولاد. لم تكن عائلتي ضد الدولة. قامت قرية الكسيفة على أراض تبرعنا بها لصالح الدولة. نحن مواطنون نحافظ على القانون”. والآن يواصل أبناء عائلته الشباب التجند للجيش الإسرائيلي.
“كانت مظاهرة صادقت عليها الشرطة”، قال عن الحادثة التي أصيب في وجهه جراءها. “لم يغلق أحد الشارع. وحتى لم يجتز الرصيف. كان الجميع على جانب الشارع إلى أن جاء الضابط المسؤول ونادى بمكبر الصوت أنه يمكن إغلاق الشارع لعشر دقائق. عندها، بدأ الأشخاص يتحركون نحو الشارع. لم نرشق حجارة أو شيئاً ما. ولكن، على الفور سمعت الضابط يطلب إخلاء الشارع، ولم يكد ينهي كلامه، حتى سمعنا ثلاثة انفجارات لقنابل صوت في الهواء. هكذا بدأ الأمر، والشارع يعج بالأولاد والشيوخ والنساء. فجأة، بدأوا يطلقون قنابل الغاز والرصاص أيضاً. بدأت بالعودة إلى المنطقة قرب الشارع، وقلت للشباب الذين أصيبوا بأن لا يرشقوا الحجارة”، استرجع أبو ربيعة لحظة الفوضى الأولى. “هذا موثق لدي، بالضبط في اللحظة الأولى، شاهدت ثلاثة أشخاص سقطوا لأن أحداً ما أصابهم. شاهدت شيخاً مرمياً على جانب الشارع، وشاباً صغيراً”. في الفيلم القصير وفي تلك الصور، يظهر أبو ربيعة وهو يرافق عجوزاً إلى خارج بؤرة المواجهة، ويلوح بيديه للشباب في محاولة لتهدئتهم.
وحسب قوله، بعد دقيقتين على الأكثر من بداية الفوضى، أصابت وجهه رصاصة مغلفة بالمطاط. وبعد أسبوعين، ظل ضعيفاً ويصعب عليه الكلام. “أصبت بضرر في وجهي، سأعاني منه طوال حياتي”، قال. “لدي ثلاثة كسور في الفك، تهشم الفك كله. وفي مستشفى “سوروكا” زرعوا له البلاتين وهو مخدر بالكامل. قطب يتبعها علاج طويل. يصعب عليّ الكلام لوجود أسنان في جانب واحد فقط، وهو أمر ستتم تسويته بعد اقتلاع بعضها وزراعة أخرى.
“الآن، عندما يذهب ابني الكبير إلى البقالة، أخاف مما سيحصل له، من العنصرية”، أضاف أبو ربيعة. “حتى عندما آخذ ابنتي إلى الطبيب أخاف. لم نعد مواطنين، هم ينظرون إلينا نظرة مختلفة كلياً. ولكننا هنا قبل قيام الدولة. أنا مواطن في دولة إسرائيل”، قال.
رداً على ذلك، جاء من الشرطة: “فيما يتعلق بالنشاط الدائر في قرية الطرابين، بدأ رشق حجارة على سيارات الشرطة عند دخول القوات إلى القرية، وازداد ذلك قرب بيت المشبوه، ووجهت نحو الجنود الذين اضطروا إلى استخدام وسائل تفريق المظاهرات. بعد انتهاء النشاط، بدأ إخلال بالنظام شارك فيه حوالي خمسين شخصاً من المشاغبين. ورداً على ذلك، تم استخدام وسائل تفريق الجمهور. ويجب الإشارة إلى أن جندياً من حرس الحدود أصيب إصابة طفيفة عقب الحادثة نتيجة حجر أصاب قدمه، وتضررت سيارات الشرطة بأضرار خفيف”.
بخصوص استخدام الرصاص المغلف بالمطاط، اضطرت شرطة إسرائيل إلى استخدامه في إطار القيام بدورها حسب القانون للحفاظ على النظام العام وسلامة الجمهور. في إطار معالجة أحداث كهذه، ولفرض النظام وتفريق المظاهرة، ثمة إمكانية لاستخدام هذه الوسيلة. واستخدام الرصاص المطاطي تم طبقاً لإجراءات منظمة عندما اعتُبر خرق النظام عنيفاً، الذي بحسبه عملت الشرطة في الميدان.
بقلم: ناتي ييفت
هآرتس 6/2/2022
دويلة الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي العنصري البغيض تريد تهجير سكان النقب بالقوة والاكراه القسري،. والله يكسر شوكة إسرائيل و يحرر فلسطين