نواكشوط ـ «القدس العربي»: قطعت الحكومة الموريتانية خطوة وصفتها بـ “المهمة جداً”، في تعاملها مع قضية الهجرة غير الشرعية التي حولت موريتانيا رغماً عنها إلى منصة عبور مفضلة للحالمين بـ “الفردوس الأوروبي”.
فقد أعلن في نواكشوط أمس الخميس عن استكمال مصادقة البرلمان الموريتاني على القانون المتضمن للأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة، بعد نقاش مطول لمواد القانون المعدلة والتي نصت على تشديد إضافي للعقوبات الردعية والجبرية.
وتنص المادة الأولى من القانون المُجاز على تعديل أحكام المادتين 1 و3 من القانون رقم 65 ـ 046 الصادر بتاريخ 23 شباط/فبراير 1965 المتضمن الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة، حيث نصت هذه المادة بعد التعديل على “إنزال عقوبة بغرامة مالية من خمسين ألفاً (50.000) إلى خمسمائة ألف (500.000) أوقية (أي ما بين 125 و1250 دولاراً)، وبالسجن من شهرين إلى ستة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، بحق كل من دخل التراب الوطني بدون المرور بأحد المعابر الرسمية المحددة من طرف السلطات المختصة، أو أقام في موريتانيا بطريقة مخالفة لأحكام أنظمة الهجرة، خصوصاً تلك المتعلقة بالإقامة، وكذا في حق كل من قدم العون والمساعدة لأي شخص بغرض الدخول أو الإقامة في موريتانيا بطريقة احتيالية مع علمه بذلك، وبحق كل من لم يلتزم بالمتطلبات الصحية المنصوص عليها في الترتيبات الجاري بها العمل”.
كما نصت المادة المذكورة على “إنزال العقوبة المذكورة أعلاه بحق الأجانب الذين خالفوا الأحكام المتعلقة بمنع الدخول أو الإقامة في مناطق معينة أو أماكن محددة، وبالحكم بالإبعاد من المناطق نفسها أو الأماكن، دون الإخلال بإجراءات الطرد التي يجوز اتخاذها ضد أي أجنبي من المحتمل أن يؤدي وجوده أو نشاطه إلى الإخلال بالنظام العام، وكذلك في حق الأجانب الذين خالفوا أياً من أحكام أنظمة الهجرة المتعلقة بممارسة النشاط المهني”.
ونصت المادة الثالثة المعدلة من القانون رقم 65 ـ 046 الصادر بتاريخ 23 فبراير 1965 المتضمن الأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة، على “إنزال عقوبة بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين في حق كل من، بهدف الحصول على إصدار تأشيرة أو إعفاء من ضمانة أو تمديد أو تصريح إقامة، استخدم وثائق ثبت أنها مزورة أو مزيفة، أو حصل على هذه الوثائق بهوية مزورة أو باستخدام بيانات حالة مدنية مزورة، وفي حق كل من قام بتزوير تأشيرة قنصلية أو ضمانة كاذبة للعودة إلى الوطن أو إعفاء من الضمانة أو عقد عمل كاذب أو بطاقة هوية أجنبية، وكذا في حق كل من زيف إحدى هذه الوثائق صحيحة الأصل، وفي حق كل من استخدم أياً من الوثائق أعلاه مصطنعة أو مزيفة”.
“وفي جميع الأحوال، تضيف المادة الثالثة، فإن أي أجنبي ارتكب إحدى مخالفات التشريعات الموريتانية المنظمة للهجرة والإقامة، يتم إبعاده تلقائياً من التراب الوطني ويحظر عليه الدخول لفترة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، بناء على تقدير السلطة الإدارية المختصة”.
وأكد وزير الداخلية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين، في توضيحات قدمها للبرلمان عن تعديلات القانون المتضمن للأحكام الجنائية المتعلقة بنظام الهجرة “أن قانون الهجرة المعدل يأتي في إطار مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والحد من تداعياتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ضغطها على الموارد المحلية”، مبرزاً “أن هناك حاجة ماسة لسد النقص الملاحظ في الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الهجرة غير الشرعية”.
وقال “إن موريتانيا لن تكون، بحال من الأحوال، حارساً لحدود الآخرين، وستتعامل مع الهجرة غير النظامية وفق ما تمليه عليها القوانين والمواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان”. وأضاف: “سيقتصر تدخل موريتانيا على ضبط حدودها بما يضمن مصالحها وأمنها واستقرارها، والحكومة حريصة على مطابقة قوانين الهجرة لنظم العمل الوطنية والدولية، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل الذي هو مبدأ راسخ في العلاقات الدولية، ومع السهر على كل ما من شأنه خدمة مصالح الجاليات في الخارج”.
وشدد وزير الداخلية التأكيد على “ملاحظة التزايد المستمر لأعداد المبعدين من المهاجرين، حيث تم حسب قوله، في الأشهر الثمانية المنصرمة من هذه السنة إبعاد 10 آلاف و753 مهاجراً، وأنه تم تسجيل زيادة بـ 14 في المئة، مقارنة مع السنة الماضية التي أبعد فيها أكثر من 9 آلاف أجنبي”.
وأوضح أن “الحكومة الموريتانية أجرت إحصاء للمهاجرين المستقرين في البلد لتسوية وضعيتهم القانونية، مع إعفائهم من دفع رسوم الإقامة، وهو ما مكن من إحصاء أزيد من 130 ألف مهاجر في العاصمة نواكشوط وحدها”، وهو عدد وصفه الوزير بأنه “كبير، بل ويعطي صورة عن مدى التوسع المخيف لهذه الظاهرة”.
هذا ولوحظ في شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2024، تزايد كبير لأعداد المهاجرين غير النظاميين من غرب أفريقيا ارتفاعاً قياسياً على أساس سنوي بلغت نسبته 541%، مع توافد أكثر من 12 ألف مهاجر (أغلبهم من موريتانيا ومالي والسنغال) على جزر الكناري، وفقاً لإحصائيات أعدتها الوكالة الأوروبية للأمن الحدودي “فرونتيكس”.
ووقعت المفوضية الأوروبية اتفاقاً للشراكة الشاملة مع موريتانيا حول قضية الهجرة بتمويلات تصل إلى 500 مليون يورو، بالإضافة إلى تمويلات بقيمة 210 ملايين يورو موجهة لدعم جهود استقبال اللاجئين وفرص التشغيل للشباب والبنية التحتية ودعم الأمن والاستقرار.
وترتبط موريتانيا أيضاً مع إسبانيا، بـ “اتفاقية مدريد” الموقعة منذ 2003 (تم تجديدها في 2019)، والتي تنص على اعتراض المهاجرين من شواطئ نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا نحو جزر الكناري؛ لكن الزيادات في أعداد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين هرباً من الفقر تسير عكس الأهداف التي نصت عليها جميع الاتفاقيات المذكورة.