عندما تتعدد الدلالات وتتباين الرؤى والطروحات حول ما اصطلح عليه (الصورة الشعرية)، ذلك يؤدي إلى أن تكون الصورة الشعرية مفهوماً دينامياً غير قابل للتحديد والتأطير نامياً مع الزمن، وما تبدعه مخيلة الشاعر ووظائفية الشعر التي ترمي إلى إثارة الانفعالات بأبعادها الحسية الإدراكية والذهنية العقلية والتأويلية والجمالية، ومدى التأثير في جمهور المتلقين والمختصين في الأدب. هذه الصورة التي تتعكز على ثلاثة أعمدة هي اللغة والعاطفة والمخيلة.
الصورة والمخيلة
نلاحظ أن أبرز ما يميز مجموعة الشاعر فراس طه الصكر المعنونة «بريد العائلة» ــ الصادرة عن دار نينوى ــ والتي ضمت بين ثناياها (27) قصيدة. إن المجموعة الشعرية تناولت الصورة الشعرية في متنها بتنوعاتها البلاغية والإبلاغية، الحسية والمجردة بمهارة، بلغة سلسلة العبارات وألفاظ أثيرة اعتمدتا الصورة الشعرية في التعبير عن أفكارها وحضورها وغاياتها، تعاضدها عاطفة تزند الكلمات وتدفعها إلى طاقة للخلق، مع خيال يختزن أفكار وأحلام وطموحات الجمع الإنساني بانزياحات جمالية باذخة الصنعة والجمال، تخضع للشاعر وذخيرته المعرفية والثقافية والإبداعية وقدرته في توصيل رسالته وأفكاره وغاياته للمتلقي .. يقول:
«جميلةٌ، كأنك تفيضين خضرة في الحقول/وتستنزلين الغيث بابتسامة واحدة،/جميلة كأحجية». (تفيضين خضرة في الحقول).
«مؤخراً، أعرضت الينابيعُ عن فكرة الصمود، إذ أن من الحماقة أن تقنع النهرَ بالجريان/ بينما تخفي عن المياهِ خرائط الوصول». (خرائط الوصول).
«هذا أنا، أمسك وردة حمراء من جهة القلب تماماً/وأضغط على لحظة العشق فيها/ أضغطها/ فتتناثر القبل في الهواء». (قبلة على حد الغياب).
«قلبي تفاحةٌ صغيرةٌ/ وأنتِ امرأةٌ ماهرةٌ في القضم..». (نصوص).
الوسيط الشعري
تتميز قصائد الصكر بأنها تنطق بالحقيقة والمجاز، مستثمراً طاقة اللغة البلاغية في الاستعارات والتشبيهات والكنايات والتوريات في إيصال الفكرة والمعنى، إلا أن للموضوع رأي آخر في ذهن ومخيلة الشاعر الملتصق بأحداث بلده والمورانات السياسية والاجتماعية والتأريخية، إذ نرى أن مجموعة «بريد العائلة» عبارة عن إرساليات وجدانية وذاتية وأيديولوجية. فكما أن الصورة قد حجزت مقعدها على امتداد المساحة الشعرية لدى الصكر، وإن تكثفت وتنوعت في قصائده الغزلية والوجدانية، فإن الموضوع قد يقترح على الرسام أن يغير تقنياته وآليات اشتغاله. نرى أن القصائد التي تعنى بالشأن السياسي قد انتهجت أسلوبا بعيدا عن الجمل القصار المبنية على لفظ ذي إيقاع مائز وعاطفة شفيفة وبوح ذاتي. الصكر ولقراءته لأمهات السرود قد أبدع في استخدام تقانة الحوار وعنصر الحكي شعرياً في قصائد الوطن على وجه الخصوص ..
«أطفالنا لا يحبون كرة القدم/ولا يرسمونها أيضا .. وعندما تطلب منهم المعلمةُ/أن يرسموا كرةً/ يرسمون قنبلة!/ كلهم يرسمون القنبلة نفسها، القنبلةَ التي لم تترك لهم قدماً/ كي يلعبوا بالكرة…» «أطفالنا يرسمون القنابل»
«في صباح الحروب، ابناؤنا لا يذهبون إلى المدارس/إنهم يملأون الشوارع/ فالشوارع ملاذ آمن لأحلامهم الخائفة، إنهم يبيعون المناديل/في مفترقات الضياع/ في صباح الحروب، ابناؤنا لا يذهبون إلى المدارس، إنهم يجوعون وحسب». (ابناؤنا لا يذهبون إلى المدارس).
عندما نمعن النظر في خواتيم قصائد مجموعة «بريد العائلة» نرى أنها تحتوي على عنصر الحبكة، فالعنصر السردي هنا يأتي من خلال الوسيط الشعري، وأهاب قصيدة النثر، بغية إدامة زخم التوتر والانفتاح على مساحات للتأويل تنمي النصوص وتعمل على ديمومتها، والتوكيد على الإقناع ومهامه في بلوغ الإفهام، حنكة ومهارة ودربة وخبرات الشاعر ما حدا به إلى استخدام آليات وتقانات وسيط آخر، وتوليفها ونفخ الروح الجديدة في جسد الشعر.
٭ كاتب عراقي
شكراا جزيلا لقد أفدنموني كثيرات