الحسكة- سوريا: مع ازدياد احتمالات شن تركيا عملية عسكرية جديدة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شمال شرقي سوريا. توسعت رقعة انتشار الميليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني في المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية، مستغلين الفراغ الذي خلفته قوات التحالف الدولي ضد “الدولة” عام 2019.
وقال مصدر مطلع في “قسد” إن قواتهم لا تملك “رفاهية الخيار في ظل التصعيد والتهديدات التركية، مقابل عدم تحرك ميداني للقوات الأمريكية والتحالف الذي تقوده”.
وأضاف في حديث عبر الهاتف: “السماح للقوات الحكومية جاء بهدف كبح جماح تركيا وثنيها عن شن هجوم على مدننا وقرانا”. وبالفعل شهد محيط منبج شمال حلب، وبلدتي تل رفعت بريف حلب الشمالي وعين عيسى بريف الرقة، تغيرات في الخارطة الميدانية منتصف الشهر الماضي. إذ انتشر المئات من العناصر معززين بأسلحة ثقيلة باسم القوات الحكومية.
لكن معلومات تفيد بأن معظم هذه القوات محسوبة على إيران وحزب الله اللبناني، وتدار من قبل قادة إيرانيين. استقدمت من حلب ودير الزور ويتبعون للواء “فاطميون”.
وبالإضافة للمهام القتالية لهؤلاء العناصر فإن النخبة منهم يتولون حماية مراكز القوات الروسية ويرافقون قياديين وضباطاً من الجيش السوري والروس.
ويتمتع لواء “فاطميون” بوجود عناصر نخبوية بين صفوفه يعرفون بـ”الحجاج”. يملكون خبرات تكنولوجية، وقدرة على استخدام الصواريخ الحرارية، لكن هؤلاء قلما يتواجدون في الخطوط الأمامية لجبهات القتال.
وتفيد معلومات حصرية، بأن النشاط الإيراني وجماعة حزب الله اللبناني ازداد أيضاً في منطقة الجزيرة لا سيما في الحسكة والقامشلي.
لكن نشاطهم في المدينتين ما زال يقتصر ضمن مواقع معينة في المحافظة يهيمين الأكراد على معظمها، في حين يمضي مسؤولون ميدانيون قدماً في تجنيد أبناء عشائر عربية، إلى جانب القيام بأنشطة اقتصادية مع تجار وأثرياء في المنطقة.
خارطة نفوذ
خلال السنوات القليلة الماضية أثبتت الوقائع أن أي انسحاب للقوات الأمريكية من أي منطقة يعني أن ملء الفراغ يأتي سريعاً من قبل القوات الروسية والإيرانية.
ويعمل الروس في هذا الاتجاه من خلال محاولة السيطرة على الجو انطلاقاً من مطار القامشلي إلى جانب تسيير دوريات برية بشكل شبه يومي.
أما الميليشيات الإيرانية فتعمل للتوغل الميداني أيضاً بغطاء وزي القوات الحكومية كما حصل في ريف الرقة وشمال حلب، أو النفاذ استخباراتياً وتجنيد المزيد من الشبان كما هو الحال في القامشلي والحسكة.
وبدت هذه المعادلة بوضوح أثناء انسحاب قوات التحالف من بعض قواعدها في المنطقة عام 2019 حين شنت تركيا عملية “نبع السلام” في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
والآن تسيطر الميليشيات الإيرانية على الطريق الواصل بين الرقة وحلب، حيث يدير الرائد “بسام عرسان”، أكثر من مركز للواء “فاطميون” الذي يضم في غالبيته هناك عناصر سوريين موالين لإيران.
كما بات لهم موطئ قدم في كوباني الحدودية مع تركية، إذ توافد المئات منهم خلال الأسابيع القليلة الماضية “باسم وزي وعلم الجيش السوري”، طبقاً لمصدرين مطلعين.
وفي منطقة الجزيرة (محافظة الحسكة) يتمركز العناصر الإيرانيون واللبنانيون في الحسكة في فندق المرديان، دار الأيتام، ومبنى الزراعة القديم.
وفي وقت يصعب فيه معرفة العدد الحقيقي للإيرانيين واللبنانيين في الحسكة والقامشلي بسبب التكتم الشديد، إلا أنه بحسب مصادر أمنية حكومية وتقاطع معلومات فإن أعدادهم تترواح بين 500 إلى 1000 عنصر معظمهم من النخبة يزيدون وينقصون بين فترة وأخرى بحسب الحاجة.
ويؤمن فرع الأمن العسكري والروس الغطاء الإداري والعسكري لهذه المجموعات ولا سيما القياديين منهم، إذ يتولى ضباط الأمن العسكري بمساعدة الروس مسؤولية تنقلاتهم بين الحسكة والقامشلي.
مهام وتفاهمات
ووصلت أول دفعة من عناصر وقياديين إيرانيين ولبنانيين إلى القامشلي والحسكة عام 2013 واتخذوا على عاتقهم تشكيل وتدريب مجموعات الدفاع الوطني ولجان شعبية على أسس مذهبية، مستغلين الوضع الاقتصادي المتردي في المنطقة.
ويستقطب “الحجاج” في الغالب الشبان المتخلفين عن الخدمة الإلزامية الحكومية من أبناء عشائر عربية.
وجرت العادة أن يتنقل المتطوعون بين محافظتي الحسكة وحمص حيث يتلقون بعض التدريبات وسط البلاد، تحت إشراف حزب الله اللبناني.
ويتقاسم قادة إيرانيون ولبنانيون إدارة المجموعات المتطوعة ويجرون باستمرار زيارات ميدانية لمواقعهم في محافظة الحسكة. ومن أبرز مهام الميليشيات الإيرانية في الحسكة، تثبيت الوجود الإيراني وحزب الله، لكنهم يواجهون معوقات “كبيرة” أثناء تحركاتهم بسبب القيود الأمنية التي تطبقها قوات سوريا الديمقراطية في هذه المنطقة.
وبناءً على تفاهمات بين الطرفين “لا يسمح لهذه المجموعات التحرك في مناطق سيطرة قسد، لذا يقتصر عملها على تجنيد الشبان وتدريبهم من قبل الحجاج”، وفقاً لمصدر في القوات الحكومية في الحسكة.