بطلب من الجمعية العمومية.. إسرائيل أمام تحديات “لاهاي”: كيف سترد الحكومة الجديدة؟

حجم الخط
0

في 30 كانون الأول تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار الذي يطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي تقديم رأي استشاري حول مسألتين: الأولى، ما هي التداعيات القانونية التي تنبع من خرق إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من الاحتلال المتواصل والمستوطنات والضم، بما في ذلك خطوات تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية وطابع القدس ومكانتها وتبني تشريع وخطوات مميزة في هذا السياق؛ والثانية هي كيف تؤثر هذه الخروقات على المكانة القانونية للمنطقة المحتلة، وما هي التداعيات المحتملة على دول العالم وعلى الأمم المتحدة.
هذا قرار أيدته 87 دولة وعارضته 26، منها الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا، وامتنعت 53 دولة عن التصويت، منها معظم الدول الأوروبية. هذا القرار يمثل التوجه المناهض لإسرائيل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تركز بصورة ليس فيها أي توازن على إسرائيل. يجب الإشارة إلى أن معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عارضت أو امتنعت عن التصويت، أو أنها لم تشارك فيه، 106 دول، هذا ضمن أمور أخرى، عقب نشاطات إقناع من قبل إسرائيل التي غيرت مواقف بعض الدول التي أيدت هذا القرار في مراحل اللجنة. مع ذلك، لم تكن هناك أي احتمالية حقيقية لمنع اتخاذ القرار. أدانت إسرائيل هذا القرار، وأشارت إلى أن “الشعب اليهودي لا يحتل أرضه ولا يحتل عاصمته الأبدية، القدس. أي قرار للأمم المتحدة لن يشوه هذه الحقيقة التاريخية”.
يشكل القرار تبنياً للتوصية التي تضمنها التقرير الصادر في 20 تشرين الأول للجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد عملية “حارس الأسوار”. في التقرير، تم الادعاء بأن “الاحتلال الإسرائيلي” غير قانوني لأنه لا رجعة عنه بسبب الحقائق التي تضعها إسرائيل على الأرض، لا سيما مشروع الاستيطان، وتم الادعاء أيضاً بأن استخدام المبررات الأمنية استهدف إخفاء نوايا إسرائيل الحقيقية في ضم أجزاء من الأرض، فعلياً أو قانونياً.
مفهوم “أرض محتلة” في القانون الدولي يصف وضعاً واقعياً فيه منطقة لدولة معادية يتم وضع اليد عليها، وتسيطر عليها القوة المحتلة بشكل فعلي. تنص قوانين الاحتلال الدولية على شروط وقيود تسري على القوة المحتلة في إدارة المنطقة. لا يوجد في قوانين الاحتلال أي تعليمات تتطرق إلى عدم قانونية الاحتلال نفسه (خلافاً لخرق الالتزامات التي تسري في زمن الاحتلال)، أو أي قيود على استمرار الاحتلال. في السنوات الأخيرة، كان هناك من أرادوا تحديد أن “الاحتلال الإسرائيلي” غير قانوني لأنه يتجاوز بشكل أساسي مبادئ أساسية هي في أساس قوانين الاحتلال، كونه نظاماً مؤقتاً؛ وغياب إمكانية لقوة الاحتلال حصول السيادة على الأرض وإدارتها كما هي الحال في نظام “الوصاية”. في المقابل، تم الادعاء بأن التوجه إلى محكمة العدل هو محاولة منافقة لاختراع حالة جديدة غير معروفة في القانون الدولي لدوافع سياسية.
محكمة العدل الدولية، التي أقيمت في إطار وثيقة الأمم المتحدة من العام 1945، هي الهيئة القضائية الأساسية في الأمم المتحدة. يتركز معظم انشغالها في تسوية النزاعات بين الدول التي وافقت على ذلك، وهي ملزمة بالامتثال لقراراتها في هذا الشأن. إضافة إلى ذلك، تمنح المحكمة رأياً استشارياً في مسائل قانونية بناء على طلب من مؤسسات الأمم المتحدة المخولة بذلك. ورغم أن آراء المحكمة غير ملزمة فإنها تحظى بالتقدير ولها وزن كبير في الساحة الدولية.
هذه هي المرة الثانية التي يطلب فيها من المحكمة عن طريق الجمعية العمومية تقديم الرأي فيما يتعلق بإسرائيل. في 9 تموز 2004 نشرت المحكمة رأياً استشارياً فيما يتعلق ببناء جدار الفصل، قالت في إطاره بأن إقامة “جدار الفصل” الذي يخلق حقائق من الضم الفعلي، تشكل خرقاً للقانون الدولي، بما في ذلك واجب على إسرائيل احترام حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وقوانين الحرب، وقوانين حقوق الإنسان. ونص أيضاً على أن المستوطنات تعد خرقاً للقانون الدولي. إسرائيل، التي رفضت المشاركة في العملية، انتقدت هذا الرأي. وسمحت المحكمة العليا في إسرائيل باستمرار إقامة الجدار من خلال التطرق إلى أن المحكمة تجاهلت الواقع على الأرض. لم تعقب هذا الرأي أي خطوات فعلية ضد إسرائيل، لكنه استخدم ويستخدم كوثيقة لطرح عدم قانونية المستوطنات في “المناطق” [الضفة الغربية] من قبل منتقديها. تجدر الإشارة إلى أن ادعاء مضاداً مهماً ساعد في تقليص تأثير الرأي في العام 2004، وهو أن النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين يجب حله عبر قنوات سياسية وليس بإجراءات قانونية، هكذا جرت في ذلك الوقت وبعده عمليات سياسية، بما في ذلك قرار بشأن خطة الانفصال. إضافة إلى ذلك، تم توجيه انتقاد للقرار من جهات أخرى خارج إسرائيل بسبب تجاهله لأخطار الإرهاب في الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها مشاركين في مواجهات نشطة في العراق وأفغانستان ضد جهات إرهابية.
بخصوص الخطوات المتوقعة الآن، عقب قرار الجمعية العمومية، ستناقش المحكمة في البداية صلاحيات إعطاء رأي. يمكن الافتراض بأنها ستجد أن لها صلاحية كهذه. بعد ذلك، سيتم اختيار هيئة القضاة وإجراء نقاشات حول الادعاءات نفسها. ثمة دول وجهات مختلفة يمكنها أن تقدم رأيها للمحكمة. يمكن التقدير أن العملية ستستمر سنة أو سنتين، ويمكن الافتراض بأن الرأي سيشمل انتقاد عدم قانونية سلوك إسرائيل في “يهودا والسامرة” وفي شرقي القدس وحول خطوة الضم التي تنفذها، حتى لو كان من الصعب تقدير شدة الانتقادات مسبقاً، وما إذا كانت هناك آراء أقلية. رغم أن طلب الرأي لا يتطرق بشكل مباشر إلى الأبرتهايد، إلا أنه يتطرق إلى “التشريع والوسائل المميزة”. وفي تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان تم الادعاء بأن إسرائيل تستخدم “التمييز والقمع المنهجي الذي يقوم على الهوية القومية، والإثنية، والعرقية والدينية”. هذه الصياغة تسمح للمحكمة بالتطرق في رأيها أيضاً إلى الادعاءات بأن إسرائيل تستخدم نظام الأبرتهايد في “يهودا والسامرة”.
يمكن التوقع بأن الرأي الذي ستقدمه المحكمة سيدعو الأمم المتحدة والدول والمنظمات الأخرى إلى اتخاذ خطوات فعلية لاستخدام الضغط على إسرائيل لوقف عملها غير القانوني، بل وربما توصي بفرض عقوبات على إسرائيل. يبدو في هذا الوضع أن احتمالية فرض مجلس الأمن عقوبات هي احتمالية ضعيفة جداً، على خلفية حق الولايات المتحدة بالفيتو. ولكن أقوالاً قاسية من المحكمة يمكن أن تمس بعلاقات إسرائيل الخارجية بصورة كبيرة، بما في ذلك التقليل من دعم إسرائيل من قبل حلفائها، التي لديها في الأصل موقف انتقادي حول سلوك إسرائيل في الساحة الفلسطينية. على سبيل المثال، جمد الاتحاد الأوروبي في بداية كانون الأول الماضي مسودة اتفاق متقدمة لتبادل المعلومات بين الشرطة في إسرائيل واليوروبول بسبب خلافات حول استخدام المعلومات في مناطق “يهودا والسامرة”. حتى إن الرأي الذي ستقدمه المحكمة قد يشجع على الدفع قدماً بخطوات دبلوماسية أخرى أحادية الجانب من قبل الفلسطينيين، مثل تقديم طلب للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وتحسين مستوى الممثليات في دول العالم.
لا شك أن رأياً انتقادياً سيستخدم كذخيرة في يد حركة مقاطعة إسرائيل، “بي.دي.اس”، وجهات أخرى، التي تدفع قدماً بمبادرات للقيام بخطوات ضد إسرائيل. إضافة إلى ذلك، وعقب غزو روسيا لأوكرانيا تلوح في الأفق ظاهرة في شركات دولية تقرر بنفسها الامتناع عن نشاطات في دولة لأسباب قيمية. هذا الرأي يجعلها تتخذ خطوات ضد إسرائيل. في هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن صندوق الثروة في النرويج نشر في كانون الأول الماضي، بأن الذي يدير عقارات بمبلغ 1.3 تريليون دولار ويعتبر الأكبر في العالم (في العام 2020 استثمر 1.3 مليار دولار في شركات إسرائيلية)، يعيد النظر في استثماراته داخل إسرائيل للتأكد من أن الأموال لا تُستثمر في المستوطنات أو في شركات تعمل وراء الخط الأخضر. ويتجه العالم نحو إعادة توزيع للمعسكرات بين الدول الديمقراطية الليبرالية والدول الديكتاتورية غير الليبرالية. هذا الرأي يمكن أن يؤدي إلى عرض إسرائيل كعضوة في المجموعة الثانية.
هذا الرأي قد يؤثر أيضاً على التحقيق في قضية إسرائيل في المحكمة الأخرى (المنفصلة) في لاهاي، وهي محكمة الجنايات الدولية. التحقيق، الذي بدأ بصورة رسمية في آذار 2021، ركز على ادعاءات ارتكاب الجرائم في مناطق “يهودا والسامرة” وشرقي القدس وقطاع غزة من بداية حزيران 2014، بما في ذلك “جريمة المستوطنات” التي تم تحديدها في قانون المحكمة. في السنة والنصف منذ تسلم “كريم خان” منصبه كرئيس للمحكمة، قلل من التطرق للتحقيق، ويبدو أنه ليس على رأس أولوياته رغم أن هناك دلائل تشير إلى أنه سيتم الدفع قدماً بهذا التحقيق بدرجة معينة في السنة الحالية. توصية المحكمة بالمضي بإجراءات جنائية ضد جهات إسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات، قد تشكل أداة ضغط أخرى على رئيس المحكمة كي يسرع التحقيق. علاوة على ذلك، قد تؤثر قرارات المحكمة حول وجود تمييز منهجي على التحقيق، لأن جريمة الفصل العنصري مدرجة في قائمة الجرائم ضد الإنسانية الخاضعة لاختصاص المحكمة.
مع ذلك، يجب تذكر أن أفعال الدول مستمدة في المقام الأول من مصالحها، التي هي أوسع من اعتبارات الحرص على القانون الدولي. لذلك، حتى لو أعطي رأي انتقادي فستأتي درجة تأثيره من الطريقة التي سيتعامل بها المجتمع الدولي معه ويتبنى قرارات المحكمة. يمكن لسياسة الحكومة في إسرائيل وسلوكها أن تؤثر في كل مضمون القرارات نفسها ودرجة خطورتها، لا سيما درجة دعم وتبني مضمون الرأي في الساحة الدولية. التصريحات والأفعال التي تتنصل من القانون الدولي بصراحة، أو التي توحي بأن إسرائيل لا تنوي إنهاء سيطرتها على الفلسطينيين في إطار حل سياسي، ستستخدم ضد إسرائيل في الحملة الدولية، وستصعب حشد التأييد لمواقف إسرائيل في مواجهة الرأي العام، وقد تؤدي إلى تفاقم الضرر الذي سيلحق بإسرائيل، وضمن ذلك خطوات ضم أجزاء من “يهودا والسامرة”، بما في ذلك ضم فعلي وطمس التمييز القانوني بين دولة إسرائيل وهذه المناطق، مثلاً عن طريق تطبيق القانون الإسرائيلي بشكل مباشر في المنطقة واستخدام صلاحيات حكومة إسرائيل بشكل مباشر وليس من خلال الحكم العسكري؛ وتراكم خطوات يمكنها أن تمس بصورة فاضحة بحقوق الفلسطينيين، وضمن ذلك أخذ أراض خاصة لغرض الاستيطان، وخطوات عقابية جماعية، وخطوات تقوض سلطة القانون في إسرائيل ومكانة المحاكم، التي تشكل استقلاليتها ومكانتها المهنية ادعاء مضاداً رئيسياً لإسرائيل في المعركة الدولية، بشكل خاص على خلفية حقيقة أن الفلسطينيين يمكنهم الحصول على رد على ادعاءاتهم من محكمة مهنية.
بقلم: بنينا شربيت باروخ وأوري باري
نظرة عليا 10/1/2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية