الرسائل التي وصلت من واشنطن ومن فيينا، بشكل مباشر وغير مباشر، لم تترك مجالاً للشك: الإدارة الأمريكية تلمح، وتقترح، وتشجع إسرائيل على التهديد بهجوم عسكري على إيران. يبدو هذا مدحوضاً في البداية، وخطأ في فهم المقروء: إدارة بايدن، التي تبذل جهوداً جبارة للوصول إلى اتفاق مع إيران، بكل ثمن تقريبًا، تطلب فجأة من حكومة إسرائيل أن تقرع طبول الحرب. ربما كان يمكن توقع مثل هذه الرقصة والعاصفة بين حرب شاملة وسلام خالد، من ترامب. أما من بايدن؟ فليس ملائماً.
على الرغم من ذلك، كان هذا هو توقع الطرف الأمريكي في المحادثات وقسم من المشاركين الآخرين. الرد الإسرائيلي سيفاجئكم أكثر من ذلك.
يتعارض هذا الوصف بقدر ما مع الرواية التي تثبتت في النقاش حول قضية النووي. والشك بالتأكيد في مكانه. وبالتالي، سأحاول التفسير. الأمريكيون، من بايدن فدونه، هم خريجو الجولات السابقة مع إيران، في عهد رئاسة أوباما. فقد رأوا كيف خففت التهديدات الإسرائيلية حدة مواقف إيران في المفاوضات بعملية عسكرية في 2013 و2015. غضبوا من خطابات نتنياهو الملتهبة في الأمم المتحدة، بل وغضبوا أكثر من كلمته الاستفزازية في الكونغرس من خلف ظهر الرئيس، ولكنهم عرفوا كيف يستخدمون هذه الظواهر لصالحهم. فالضغط السياسي والعسكري دفع طهران وواشنطن إلى التوافق. هذا دور نتنياهو في الاتفاق الذي وقف ضده.
توقع الأمريكيون أن تؤدي إسرائيل الدور ذاته الآن؛ أي أن تهدد بحرب فتلطف حدة مواقف الإيرانيين في فيينا. انتظروا حتى الملل. بينيت ولبيد وغانتس بلوروا بينهم فهماً يتمسكون به – موضوع مسلم به في حكومة عادية، أما في الحكومة الحالية، فهو إنجاز عاد بينيت ليفتخر به. إذا كنت أفهمهم صحيحاً، فهذا يعد تغييراً في المفهوم. سافر غانتس هذا الأسبوع إلى واشنطن ليصوت التغيير لنظرائه الأمريكيين. الأمريكيون يصدقونه، قال بينيت. أما رئيس الموساد دافيد برنياع، فقد أرسل كتعزيز. هل اقتنع الأمريكيون؟ في البداية ظنوه ضجيجاً عادياً من إسرائيل، صرخة النجدة المعروفة، يقول لي مصدر موثوق. أما الآن فيفهمون أنه شيء آخر. لنا خطة مرتبة. وهم ينصتون.
كي نفهم التغيير، ينبغي أن نعود للحظة إلى الوراء، إلى خطاب القنبلة الذي ألقاه نتنياهو في الأمم المتحدة في أيلول 2012. رفع نتنياهو لوحة رسمت عليها قنبلة. وأرقام مثلت نسب التخصيب. وضع نتنياهو تحت الرقم 90 خطاً أحمر: عندما تصل إيران إلى هناك، فستمتلك قنبلة ذرية. هذا سيحصل في ربيع 2013، وفي أقصى الأحوال في الصيف. لم تكن المعطيات صحيحة، ولا الجدول الزمني أيضاً، لكن الانطباع كان هائلاً. لقد نجح نتنياهو في تبسيط مشكلة النووي وتركيزها في موضوع ملموس واحد. المشكلة هي التخصيب؛ 90 في المئة هو الرقم؛ الخليط بين الاثنين يعني قنبلة، يعني سلاحاً ذرياً، يعني حرباً.
تقتنع حكومة بينيت بأن خطاب القنبلة كان كارثياً. فقد أضر بقدر لا يقل عن خطاب نتنياهو الاستفزازي في الكونغرس والضغط الذي مارسه على ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد.
متفائل في وضع متشائم
جاء الأمريكيون إلى فيينا كي يحققوا اتفاقاً يجمد تخصيب اليورانيوم لزمن محدود. بالمقابل تلغي أمريكا جزءاً من العقوبات. بينيت عارض، وشبه الخطوة بالضغط على أزرار في جهاز التحكم من بعيد: “هذا زر توقف وليس وقفاً”، قال. “ستكون النتيجة تدفقاً فورياً لمليارات الدولارات إلى المشاريع العسكرية لإيران ولفروعها الإرهابية”.
بكلمات أخرى، ينتقل التشديد في الموقف الإسرائيلي من نسب التخصيب إلى كميات المال. إذا توصلت أمريكا وإيران إلى اتفاق يجمد مؤقتاً عملية التخصيب – 12 مليار دولار، نقداً، فستخرج من حسابات البنوك المجمدة وتحول إلى إيران. إذا توصلوا إلى اتفاق واسع، فسيقترب المبلغ من 50 مليار دولار.
بالنسبة للنووي، يخيل إليّ أن الفهم يتعزز في إسرائيل بأن إيران، مع العلم الذي جمعته والعتاد والتصميم، هي في صورة دولة حافة، وربما حتى في مكانة دولة حافة. هذا الوضع الذي خلفته إدارة ترامب لبايدن؛ هذا الوضع الذي خلفه حكم نتنياهو لبينيت، وكل ما تبقى تفسير لغوي. إن خيار حكومة إسرائيل الآن بين إمكانيتين سيئتين؛ فهل تفضل نظاماً إيرانياً مع 90 في المئة تخصيب، وفقير، وفي أزمة اقتصادية عميقة، وملاحق من الساحة الدولية، على نظام إيراني مع 60 في المئة تخصيب يوزع الأموال لـ”حــزب الله”، وحماس، والجهاد، وصناعة السلاح. ثمة جهد لإدخال التقدم الإيراني في التوازن. 90 في المئة مادة مخصبة هي مثل مسحوق بارود بدون مسدس، يقول أحد أصحاب القرار في إسرائيل. ليس لهم ما يفعلون به.
وفي هذه الأثناء، تتمتع إسرائيل بتسليم دولي لأعمالها العسكرية ضد إيران في سوريا، بما في ذلك -حسب مصادر أجنبية- هجوم أول في ميناء اللاذقية. يؤمن بينيت بأن المعركة في سوريا هي نصر للجميع: إذا واصل الإيرانيون التورط في سوريا، كسبنا، وإذا تركوا سوريا، كسبنا. ستستثمر إسرائيل في السنوات القريبة القادمة مبالغ طائلة في تطوير الليزر الدفاعي والصواريخ والسايبر. والهدف في هذه اللحظة ليس الخروج في حرب شاملة ضد إيران، بل ضربها ضربات صغيرة وأليمة. في النهاية – كما يؤمن بينيت – سينهار النظام. بينيت هو شخص متفائل في وضع متشائم.
حكومته تفرحه؛ الائتلاف مقلق. أول أمس، طلبت آييلت شكيد أن تمدد الكنيست مفعول القانون لمنع التسلل – قانون محبوب لدى اليمين. اليسار في الائتلاف عارض، فتأجلت الخطوة. نواب ميرتس أصدروا بيان نصر. أما بينيت فعقب بأسف. برأيه، لا تماثل بين اليسار واليمين في الحكومة: الجانب اليساري يستقبل في قاعدته بالترحاب، الناخبون راضون عن الحكومة؛ الجانب اليميني يستقبل بالصراخ وهتافات الخيانة وبالتهديدات. كل احتفال نصر اليسار على ظهر اليمين يضعضع وحدة عمل الائتلاف.
لقد طور نموذجاً رياضياً. على كل إنجاز لليمين في الائتلاف، يحصل اليسار على نقطة في الرأي العام. وعلى كل فشل يخسر 20 نقطة. وهذا هو حكم اليسار في الائتلاف: كل إنجاز يعطيه نقطة؛ وكل فشل يخسره 20. في حساب عام، كل نصر لطرف ما في الحكومة يخسرها 19 نقطة. حسابه يجسد الوضع البائس للسياسيين في عصر الشبكة الاجتماعية: الإنجازات تتقزم؛ والغيظ ينتصر. هذه ليست مواساة كبرى، ولكن بينيت وبايدن هما اثنان في قارب واحد.
بينيت، الذي لعب قبل نصف سنة دور زعيم يميني صرف، وجد نفسه في الوسط، وحيداً في حكومة لا تسمح لنفسها بأن تميل إلى اليمين إو إلى اليسار.
ما الذي يقلقه؟ إيران قلنا؛ الائتلاف قلنا، الوضع مع غزة، الذي لم يصل بعد إلى الاستقرار؛ إرهاب الأفراد. الموجة السابقة، في 2015، تغذت من الخطاب في الفيسبوك. الموجة الحالية من الأفلام في “التك توك”. المنفذون صغار جداً. بينيت يسميه “إرهاب التك توك”.
بقلم: ناحوم برنياع
يديعوت 10/12/2021
مثل الذي ينفخ في الكير و يفر من النفير
صعاليك الحروب يؤازرون بعضهم بعضا
الهدف هو تدمير الشرق الأوسط حتى نظل في دوامه وعدم الاستقرار نحن العرب اغبياء ننجر وراء أمريكيا وإسرائيل خوفا من إيران مسرحيه حتى نبقى في دوامة والفوضى
قضي الأمر ولم يبق لهم إلى تغريدات وتصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي !
صدق لطفى