إن موقف جنين البطلة، مدينةً ومخيماً، في تصدّيها للعدوان الصهيوني يوم الإثنين، بعد بطولات عديدة من أشبال الأمس الذين استحالوا أسوداً في العرائن المتكاثرة على أرض فلسطين، إنما جاء يسطّر بالدماء عمق الخيانة العربية في أحدث تجليّاتها المتمثل بالاتفاقيات المشؤومة المعروفة باسم «اتفاقيات أبراهام». فبعد أقل من ثلاثة شهور، تكون ثلاث سنوات قد مضت منذ حفل التوقيع الذي ضمّ في البيت الأبيض (والأزرق) إلى الدولة الصهيونية، كلاّ من دولة الإمارات العربية المتحدة، رائدة المشروع بالتعاون مع عرّابه الأمريكي، دونالد ترامب (متكلاً على صهره جاريد كوشنر) ومملكة البحرين. وقد انضمّت لاحقاً إلى الاتفاقيات كلّ من المملكة المغربية والزمرة العسكرية السودانية.
أما الجدير بالاهتمام فهو أن الحكومات الموقّعة على «اتفاقيات أبراهام» قد ذهبت في علاقاتها مع الدولة الصهيونية إلى أبعد من الحكومات العربية التي سبقتها على درب «التطبيع» أي مصر والمملكة الهاشمية الأردنية. فإن حكومات «التطبيع» الجديدة، إذا استثنينا الحكم السوداني الذي كان مشغولاً بتصدّيه للحراك الشعبي قبل أن تستفحل الأزمة بين مكوّنيه العسكريين، إن تلك الحكومات قد عقدت على الفور عقوداً في الحقل العسكري مع الحكم الإسرائيلي. والحقيقة أن إحداها، وهي دولة الإمارات، كانت قد انضمّت إلى زبائن الدولة الصهيونية في المجالين العسكري والاستخباراتي قبل أن تدخل معها في علاقات دبلوماسية رسمية.
أما النتيجة فهي ما كثرت التعليقات عليه في الأسبوع الماضي، بعد أن نشرت وزارة «الدفاع» (العدوان) الإسرائيلية يوم الأربعاء تقريرها السنوي عن المبيعات العسكرية، الذي بيّن أن تلك المبيعات بلغت 12.5 مليار من الدولارات في العام المنصرم، وهو رقمها القياسي، يساوي أكثر من ضعفي ما كان عليه في عام 2014 ويزيد عمّا كان عليه قبل «اتفاقيات أبراهام» بأكثر من النصف. والحال أن الأمر الأكثر إثارةً في التقرير المذكور، هو أن رُبع الصادرات العسكرية الإسرائيلية تقريباً (24 في المئة) بقيمة ثلاثة مليارات من الدولارات، ذهب إلى دول الاتفاقيات الجديدة.
دول عربية باتت تشارك في تغذية المجهود الحربي الصهيوني، وذلك في حين لا يني العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني يتصاعد في ظلّ حكومة تشمل نازيين جددا يطمحون جهاراً إلى إلحاق نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني
فقد عقدت الحكومات العربية الثلاث المذكورة أعلاه صفقات عسكرية ملفتة مع الدولة الصهيونية منذ توقيعها على الاتفاقيات. في العام الماضي وحده، أُعلِن في الصيف في المغرب، خلال الزيارة التي قام بها أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، للمملكة، أنها اشترت طائرات «هاروب» وهي طائرات بدون طيار من صنع شركة «صناعات إسرائيل للطائرات». كما تعاقدت دولة الإمارات في الخريف على شراء نظام الدفاع الجوّي الإسرائيلي المتحرّك «سبايدر» الذي طورته شركة «أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة» بمساعدة من شركة «صناعات الفضاء الإسرائيلية» الحكومية. ومن جهتها، أبرمت المملكة البحرينية اتفاقاً على التعاون الأمني والعسكري مع الدولة الصهيونية، لم يُكشف عن محتواه.
هذا وقد وصل التعاون بين الدولة الصهيونية والمملكة المغربية إلى حدّ أن القائم بدور السفير الإسرائيلي في الرباط أعلن قبل عشرة أيام أن شركة «أنظمة إلبيت» الإسرائيلية، المتخصّصة في صناعة الأنظمة الإلكترونية العسكرية، سوف تُنشئ موقعين إنتاجيين لها في المغرب. وبتحقيق ذلك، تكون إحدى دول الجامعة العربية قد دخلت في طور الإنتاج «خارج الحدود» (offshore) لصالح الصناعات العسكرية الإسرائيلية. إن هذا النوع من العلاقة الإنتاجية معهودٌ بالتأكيد بين الدول الصناعية والدول النامية، لكنّه يتّخذ طابعاً خطيراً للغاية عندما يتعلّق بتصنيع عسكري لصالح دولة استعمارية قائمة على اضطهاد شنيع للشعب الفلسطيني الذي ما برح شعب المغرب يعتبره شعباً شقيقاً.
وبإسهامها في ازدهار الصناعات العسكرية الإسرائيلية وإثرائها، تساهم دول «اتفاقيات أبراهام» في تيسير الاستخدام الصهيوني للأسلحة ضد الشعب الفلسطيني وسائر الشعوب العربية التي تعاني من الاحتلال والعدوان اللذين تمارسهما الدولة الصهيونية. فقد فسّر أحد كبار المسؤولين في وزارة «الدفاع» (العدوان) الإسرائيلية لصحيفة «واي نت» أن تنمية صادرات إسرائيل العسكرية تساعد «جيش الدفاع (العدوان) الإسرائيلي» بتخفيضها أسعار ما يستخدمه من السلاح (والمقصود ضمنياً بالطبع: «ضد الشعب الفلسطيني وشعوب الجوار العربي»).
أما المغزى مما سبق، فهو أن ثمة دولا عربية باتت تشارك في تغذية المجهود الحربي الصهيوني، وذلك في حين لا يني العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني يتصاعد في ظلّ حكومة تشمل نازيين جددا يطمحون جهاراً إلى إلحاق نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني بطرده من الضفة الغربية لنهر الأردن إلى الضفة الأخرى.
كاتب وأكاديمي من لبنان