في 8 تشرين الثاني سافرت في رحلة جوية مباشرة إلى دبي في إطار وفد ضم تمثيلًا عن معهد التصدير، أرباب الصناعة والغرف التجارية. وما إن بسطت الطائرة جناحيها وبدأت تقلع حتى بدا الإحساس غريباً بعض الشيء. منذ بدأت أسافر من مطار اللد إلى بلدان العالم، كانت الطائرة تقلع دوماً ووجهتها غرباً لتكشف في الأسفل جانباً من البحر المتوسط، أما هذه المرة فكانت وجهة الطائرة شرقاً وما ظهر من كوة الطائرة سوى رمال الصحراء. وكان هذا يرمز لحقيقة أن دولة إسرائيل تبسط جناحيها شرقاً.
وعندما عُدنا في رحلة جوية مباشرة من دبي إلى إسرائيل بعد أربعة أيام من ذلك، اجتاز رأيي في الإمارات وفي دبي تحولاً؛ ففي إسرائيل نميل لأن نرسم الإمارات كقبائل صحراوية تعنى أساساً بالصيد، وها هو، منذ انكشفت ذات يوم مخزونات الوقود المتحجرة مثل النفط الخام والغاز الطبيعي، أثرت الإمارات ثراء أسطورياً في غضون فترة قصيرة، وبدأت تبني أبراجاً فاخرة، بما في ذلك البرج الأعلى في العالم. من الخطأ التفكير بهذا الشكل. ما حصل في الإمارات وفي دبي تحديداً كان أمراً مختلفاً تماماً، وذلك لأن فكرهم، عبر الإدارة وموقفهم من السكان والعالم حولهم، ينغرس في جذور تاريخية عميقة قبل أن يكتشف السائل الأسود. وعندما لاقوا الثراء القومي، عرفوا جيداً كيف يستخدمونه.
إن أحد الفروع الاقتصادية الأكثر تطوراً في دبي، وكذا في باقي الإمارات هو مناطق التجارة الحرة. وقد طوروها كفرع اقتصادي رائد منذ سنوات بعيدة. ففي العام 1996 بعد أن قررت حكومة بيرس رفع الضرائب المفروضة على التجارة، ولا سيما على الجمارك المفروضة على استيراد البضائع، قرر حاكم دبي العمل بالعكس تماماً. فقد ألغي كل ضرائب الاستيراد، وفتح ميناء دبي أمام التجارة الإقليمية. وفي حقيقة الأمر، اتبع منذ ذلك الحين ما نسميه اليوم مناطق التجارة الحرة، فجاء التجار إلى مدينة دبي ليطلبوا كميات كبيرة من البضائع بأسعار زهيدة، ولم يدفعوا ضريبة الاستيراد، وسوقوها من هناك إلى بلدان الخليج الفارسي وبلدان خارجية أخرى. لقد تبنت دبي المفهوم الأساس للانفتاح على العالم وتشجيع التجارة الحرة. وعلى أساس هذه التقاليد، تم اليوم تطوير مناطق التجارة الحرة. 7 آلاف شركة نشطة في منطقة التجارة البحرية و1.600 شركة في منطقة التجارية الجوية لدبي.
لقد كانت دبي في الماضي مركزاً لتجارة اللؤلؤ وتجارة الذهب. وهذه الفروع عظيمة القيمة وصلت إلى أزمات عالمية. أما هم فقد عرفوا كيف يتعلموا الدرس. كل اقتصاد دبي انتشر إلى فروع اقتصادية أخرى. واليوم، إضافة إلى مناطق التجارة الحرة، توجد لهم مدن إنترنتية، وطيران متطور، وإنتاج ألمنيوم، ومركز مالي، وسياحة متفرعة واستثمارات في العقارات. في السلوك الشخصي، تلتقي هناك بالكياسة والاحترام المتبادل والانفتاح على الأجانب. لا انغلاق. كل التجارة مفتوحة للجمهور. دولة خضراء يحرص فيها الجميع على النظافة الشخصية.
إن خطط حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، تناطح السحاب. وهو يتطلع لأن يكون في جبهة الإنجازات العالمية، ولكنه مع ذلك صمم خطة لتوسيع الأراضي الخضراء، وإطالة مسالك الدراجات الهوائية، وبناء أماكن للقاءات اجتماعية، وحماية خاصة للحيوانات البرية. هذه دولة صغيرة توظف كل جهدها بالتنمية الاقتصادية وبتعزيز مكانتها في العالم على أساس التميز بالمقاييس الدولية وتحسين جودة حياة سكانها.
في رحلة العودة ما كان يمكنني أن أتفكر بالطاقة المستثمرة في دولتنا في سياسة متنازعة وعاصفة. كم من الجهد الوطني عندنا نضيعه عبثاً لانعدام قدرتنا على بناء حكم يؤدي مهامه بنجاعة ويكرس نفسه لتنمية الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة لعموم السكان.
للديمقراطية ثمن، ولكن محظور أن يكون عالياً بهذا القدر، وبالتأكيد ليس في دولة إسرائيل.
بقلم: المحامي اوريئيل لين
معاريف 23/11/2020
العلم الصغير
علم الامارات اصغر من علمي امريكا و اسرائيل.
هل هذا متعمد لإيصال رسالة انكم تبقون اذلاء مهما انبطحتم؟