بعد أن جربت العقوبات الأمريكية ومؤامرات خفض الليرة: لا مصلحة لتركيا في معاداة إيران وروسيا

نجاح محمد علي
حجم الخط
1

بالنسبة لطهران فهي لا تختلف كثيراً عن موسكو في توصيف الوضع الراهن في سوريا بعد إعلان واشنطن البدء بسحب قواتها من هناك فهي لا تستطيع الوثوق بمغادرة القوات الأمريكية لسوريا، ولن تعتبره إن تم، بداية مرحلة الاستقرار وإعادة البناء.

وما جرى في إدلب لا يعني بالضرورة أيضاً أن أنقرة التي اتفقت معها لحل أزمات المنطقة بعد زيارة الرئيس حسن روحاني لها قد سلمت لفكرة أن الرئيس السوري بشار الأسد انتصر، فهناك في دوائر صنع القرار في إيران  من يعتقد بأنه يجب عدم الوثوق كثيراً بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان وسياساته التي تبدو “متقلبة” في سوريا لأن اردوغان – من وجهة نظر هؤلاء – اللاعب الأكبر في مشروع الربيع العربي منذ انطلاقته وهو يخطط لضم منطقة شمال سوريا من ريف اللاذقية إلى حلب ومنها الرقة ثم شرق الفرات وشمال العراق بالاتفاق مع فاعليات كردية عراقية وسورية.

ويرى هؤلاء أن التواجد العسكري التركي في غرب الفرات يهدف إلى تحقيق هذا الهدف حتى وإن اضطر اردوغان إلى الانسحاب تحت الضغط الروسي ال إيران ي فإنه سيترك خلفه ما لا يقل عن مئة ألف مسلح يشكلون مع عائلاتهم نحو مليون معظمهم من التركمان الذين يحققون له طموحاته.

وبينما تمضي طهران في مشروع احتواء اردوغان وذلك في إطار الاتفاقات السياسية والاقتصادية التي توصل لها الرئيس روحاني خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة لضمها إلى محور جديد للسلم والتعاون الإقليمي يطور من مشروع المقاومة الحالي بين طهران وحزب الله وفصائل عراقية وآخرين يحذر كثيرون من أن ذلك لن يكون ناجعاً ولن يكون ممكناً إلا إذا يئس الرئيس التركي نهائياً من الغرب وحلم بالانضمام للاتحاد الأوروبي وتضعه إسرائيل في خانة أعداء وجودها العقائديين.

ويراهن هؤلاء على أمنيات أو توقعات بأن تصل علاقة تركيا مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً إلى القطيعة الكاملة، فتعلن إسرائيل واللوبي الداعم لها في أمريكا أنها عدو استراتيجي ويجري بالتالي توريطها في حرب داخلية مع الأكراد.

ومع اندلاع التطورات الأخيرة في إدلب واتهامات خلف الطاولة لأنقرة بأنها سلمت المدينة للجماعات الإرهابية تحاول طهران الاستفادة من هذه التطورات لكي تساعد شريكها التركي وتبرئته بالقول إن ما جرى في إدلب سيساعد على فرز التنظيمات الإرهابية من باقي المسلحين وفق اتفاق “سوتشي”، ويجري بالتالي تصفيتها عسكرياً إما بقوات الدولة السورية وحلفائها، أو بواسطة الشريك التركي الضامن في إستانة، أو بعمل عسكري مشترك تقترحه طهران بقوة في مساعيها نحو احتواء انقرة لتكون أيضاً عنصراً أساسياً في دعم العملية السياسية المقبلة بما يبدد مخاوف المحذرين مما يسمونها “طموحات تركيا الاردوغانية”.

احتواء

لكن السؤال: كيف يمكن احتواء اردوغان الذي يهدد حلب من جديد؟ يُطرح هذه الأيام بقوة بين الأوساط الأكاديمية المؤيدة لـ”محور المقاومة” والتي تعمل جاهدة على تطوير هذا المحور ليضم تركيا والعراق أيضاً بالرغم من اعتقاد يسود بعض مراكز الدراسات القريبة من وزارة الخارجية الإيرانية يمثلها الدكتور صادق خرازي كبير مستشاري وزير الخارجية لخصه بالقول إن عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية تجاه سوريا والمنطقة عموماً يجب أن يدفع صانعي القرار الإيراني إلى التريث في الحكم على قرار الانسحاب من سوريا، والتوجه أكثر صوب الشريك التركي والتعاون معه خصوصاً في سوريا.

وينطلق المؤيدون لاحتواء اردوغان من واقع أن روسيا وإيران احتوته بالفعل في أستانة وسوتشي وأيضاً عبر العقود الاقتصادية. إذن لا مصلحة لتركيا في معاداة إيران وروسيا بعد أن جربت موقف الغرب والعقوبات الأمريكية ومؤامرات خفض الليرة التركية، ومحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، وعرفت من هو الصديق ومن هو العدو.

توتر

بعد التوتر الذي طرأ على علاقات طهران مع الاتحاد الأوروبي واتهامات لمسؤولين في وزارة الاستخبارات الإيرانية بدعم الاٍرهاب، ووصول الاتفاق النووي إلى حافة الانهيار، تعزز موقف الرئيس حسن روحاني وحكومته في شأن الوثوق أكثر بتركيا وقد عبر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية محمد جواد ظريف أثناء زيارته إلى نيودلهي والتأكيد على أن طهران ما عادت تعول كثيراً على الدول الأوروبية، ولذلك سيزداد بالتأكيد حجم التعاون مع أنقرة في سوريا لتفادي تدمير اتفاقات أستانة وسوتشي وإجهاض محاولات البعض دفع اردوغان إلى الحضن الأمريكي الغربي الصهيوني، خصوصاً بعد النجاح في ترميم العلاقات التركية الأمريكية على وقع جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

وتعتقد طهران أيضاً بشقيها المعتدل والأصولي أن التقارب التركي الإيراني وعبور المنعطفات التي توجدها أزمات مرحلية مثل التطورات الأخيرة في إدلب، يجب أن يستمر ولو بلغ ما بلغ لإجهاض مشروع المحور الآخر الذي يعمل منذ فترة خصوصاً بعد اندلاع الأزمة السورية على إدخال المنطقة في نفق الفتنة الطائفية وتحويل الصراع حول مناطق النفوذ إلى صراع سني/شيعي.

وتنظر طهران إلى التصريحات التركية الأخيرة بشأن إدلب وتأكيدها على مشاركة تركيا وروسيا في معركة إدلب لتطهيرها، من واقع أن تركيا شريك أساس في تصورات مستقبل سوريا والمنظومة الإقليمية ولا توجد أي نوايا لتجاوزها باعتبارها دولة جارة تملك القوة والعزيمة للقيام بهذه المهمة، وهو ما عبر عنه أيضاً الرئيس التركي اردوغان في مقاله في “نيويورك تايمز” في يوم الثامن من الشهر الجاري.

ومن خلال ما يجري في إدلب وقيام تركيا بجمع الجماعات التي تضمنها في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى عفرين يخشى حلفاء إيران السوريون أن يساعد ذلك تركيا في تحقيق هدف من أهدافها في تغيير التوزع في الشمال، وتكون قد تخلصت من عبء الدفاع عن حلفائها في ظل إصرار روسي سوري إيراني على فتح معركة إدلب مع ملاحظة أن المعارضين لنظرية الاحتواء يعتقدون أن أي تهديد أو هجوم من جبهة النصرة على حلب ستكون تركيا بريئة منه، فإن نجح يكون مكسباً لها وإن فشل تخرج لتدين الهجوم حسب تعبيرهم.

ويرى مقربون من دوائر صنع القرار في طهران أن ما حصل في ريف حلب وريف إدلب من سيطرة لجبهة النصرة سيعجل في تنفيذ شروط “سوتشي”، لفصل الإرهابيين عن غيرهم، سواء يتم هذا الفصل عن طريق القوة أو بالمفاوضات بواسطة وسطاء وهذا أمر مستبعد، لأن قرار الانتهاء من إدلب باتت تحتاجه أيضاً تركيا التي تدرك أن بعض المنظمات الموالية لها أصبحت تشكل عبئاً أمام الحل.

أما في شمال شرق سوريا فإن الصورة الظاهرية حتى الآن تشير إلى أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر مع قوات حماية الشعب الكردي وهي مرشحة للانقسام إلى قوتين عربية وكردية، أو تجد حلاً واحداً مع الدولة السورية بضمانات روسية تحول دون تدخل التركي الذي لا يريحه بقاء القوات الكردية.

ويبدو – حتى الآن – أن الأمور تتجه نحو هذا الاتجاه، ما يعجل الانسحاب الأمريكي ومن مؤشراته فشل زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون لتركيا، وردة الفعل عليها كانت بالإسراع بالانسحاب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول .Dinars:

    كل يوم يضيق الخناق على تركيا التي عليها أن لا تأمن التحالف مع إيران وروسيا خاصة أن هذه الأخيرة ومعها اللوبي اليهودي الأمريكا خططا ثم طبقا على أرض الواقع مشروعهما التخريبي في المنطقة والذي سوف يُضفي إلى اخضاع تركيا إن لم تأخذ حذرها وتعمل على بناء حلف حقيقي تتصدى به ضدهما.

إشترك في قائمتنا البريدية