القاهرة ـ القدس العربي: يوماً بعد يوم تتضح الصورة أكثر ويتجسد الجرم الأكبر الذي ارتكبناه جميعاً عرباً ومسلمين في إهمال الفلسطينيين وتركهم يواجهون بمفردهم الإبادة، التي تتم بمباركة أمريكية فاضحة. وبينما يزداد موقف إيران غموضاً بشأن الانتقام للجريمة، التي وقعت على أرضها، وأسفرت عن ضرر غير مسبوق لحق صورة الجمهورية الإسلامية بوصفها حامية لمحور المقاومة، يتزايد الإعجاب بأداء المقاومة الفلسطينية وإنجازاتها في ساحات المعارك كافة، ويبدو تلاحم شعب القطاع معها وحولها بمثابة معجزة أخرى، حالت دون نجاح المؤامرة، التي خطط لها الكيان بدعم من الإدارة الأمريكية.
من جهة أخرى شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة تضافر جميع الجهود، لاغتنام فرصة المفاوضات الجارية، والوصول إلى اتفاق يحقن الدماء، ويجنب المنطقة عواقب التصعيد، مؤكدا أن استمرار الحرب على قطاع غزة يجر المنطقة إلى دائرة مفرغة وخطيرة من عدم الاستقرار.. جاء ذلك خلال استقبال الرئيس المصري، ستيفان سيجورنيه، وزير الخارجية الفرنسي، والوفد المرافق له، بحضور الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج.
وفي قضية تحظى باهتمام واسع أكد الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، أنه لم يتم رصد حالات أو الاشتباه في إصابة أحد بـجدري القرود في مصر. واستبعد احتمال تحول جدري القرود إلى جائحة مثل كورونا، لأن وسيلة انتقال فيروس كورونا عن طريق الهواء، بينما ينتقل الجدري بالتلامس اللصيق أو الرذاذ. ولفت إلى أنه بعد عامين من إعلان منظمة الصحة العالمية عن جدري القرود فإن حالات الإصابة تصل إلى نحو 16 ألف إصابة فقط في الكونغو، وتجاوزت ذلك بقليل على مستوى العالم، بينما وصل مستوى حالات الإصابة على مستوى العالم، بعد 3 أشهر من الإعلان عن كورونا، إلى أكثر من 122 ألف حالة. وأكد أن علاج جدري القرود متوفر في مصر، وهو عبارة عن مضادات للفيروسات، وأن احتمال انتشار المرض مازالت منخفضة، لأنه ليس من الأمراض المتوطنة.
أما عن البرلمان فقال النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، إن «الإنجازات التي ستحدث في ضوء قانون الإجراءات الجنائية الجديد ستكون كبيرة»، مشيرا إلى أن القانون الحالي يعود تاريخه لأكثر من 74 عاما. وأكد رضوان أن القانون الجديد يتوافق مع توصيات الحوار الوطني، وخاصة محور الحريات المدنية والسياسية، معتبرا إياه إنجازا كبيرا يحسب للمؤسسة التشريعية في تحقيق العديد من النقاط، التي جاءت في هذا المحور. وأوضح أن التعديلات الدستورية التي جرت على دستور 2014، وأكدت على ضرورة تعزيز حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة، دفعت إلى تعديل القانون ليكون أكثر توافقا مع هذه المبادئ. وأشار إلى أن مشروع القانون الجديد يتضمن ضمانات واضحة لكفالة المحاكمة العادلة، مثل حق الدفاع، والاستعانة بمحام، وحق المتهم ودفاعه في الرد على الاتهامات الموجهة إليه، بالإضافة إلى تناول مسألة الحبس الاحتياطي، وتخفيض مدته، وإيجاد تدابير بديلة له.
في شأن آخر كشف الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، عن طريقة علاج الاكتئاب وضيق الرزق، المنتشرة حاليًا عند الناس، مؤكدًا أن الله هو القابض الباسط، وأن الإنسان إذا وجد كآبة في نفسه، أو ضيقًا في رزقه، فعليه التوجه مباشرة إلى الله فهو «مَنْ بيده الْمُلْك». وأرجع جمعة سبب ضيق الرزق والاكتئاب لارتكاب المعاصي، التي نهانا الله عنها، مشيراً إلى أنهما محنة لكن فيهما منحة تنبه إلى العودة للالتجاء إلى الله رب العالمين.
خيوط اللعبة
لا يشك فاروق جويدة لحظة أن الملايين من الشعوب العربية فقدت القدرة على تحديد مواقفها أمام واقع عربي من الانقسامات لم تشهده من قبل. وتابع الكاتب في «الأهرام» قائلا: هل سألت نفسك أي المواقع اخترت؟ ومع من؟ وأي القضايا تهمك؟ نحن أمام واقع من الشتات: حروب أهلية، مناطق استسلام، أوطان تحترق، شعوب تعاني وشعوب تموت.. أين تقف أمام ذلك؟ هل أنت مع شهداء غزة أم تكره «حماس»؟ هل مازلت تؤمن أن السلام مع إسرائيل ممكن، أم إنه شيء مستحيل؟ هل تعتقد أن أطماع إسرائيل لن تتجاوز حدود غزة والضفة، أم إن المشروع الصهيوني سوف ينطلق إلى مناطق أخرى؟ هل يمكن أن تكون إيران هي العدو الأكبر للعرب وليس إسرائيل؟ هل يمكن أن يكون العالم العربي ساحة الحرب العالمية الثالثة؟ وهل تسقط الهيمنة الأمريكية عن إدارة شؤون العالم؟ هل تفرض أمريكا سيطرتها على البترول العربي أم تترك لإسرائيل هذا الدور؟ هل تتمادى أمريكا في الهجوم على المسلمين أرضا وتاريخا وعقيدة، أم تترك هذه المهمة لإسرائيل والغرب وللكارهين لدينهم في الشعوب العربية؟
وعلق بالقول: يبدو أنه حان الوقت لكي تحدد الشعوب مواقفها، لأن العالم العربي يقف أمام مرحلة من التشتت والانقسام لم يشهدها من قبل.. هناك عالم جديد يجري إعداده الآن، إما أن نكون فيه أو نكون خارجه، ونحن الأحق والأجدر أن نكون شركاء فيه، وعلينا أن نختار.. إن الوقت يجري، والأحداث تتسارع، وخيوط اللعبة ليست في أيدينا، وعلينا أن نلحق بمسيرة الأحداث قبل فوات الأوان.
مفتاح جهنم
الحرب تدق أبواب الشرق الأوسط، ولم يكن غائبا أن إسرائيل كانت تريد من وراء عملية اغتيال إسماعيل هنية استدراج إيران إلى حرب تتخلص فيها إسرائيل من التهديد النووي الإيراني، كما فعلت من قبل مع سوريا والعراق. ولكن إيران وتوابعها بات، وفق ما أشار الدكتور إليه عبد المنعم سعيد في «المصري اليوم»، لديهم من الصواريخ المتنوعة، والمسيرات المختلفة، وقدرات عسكرية ممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر، وحتى البحر الأبيض المتوسط. وقال إن كتاب الحرب عندما يفتح لا يعرف أحد متى يصل إلى صفحة النهاية؛ ولذا لم يكن هناك مفر من دخول أطراف أخرى تحاول منع الحرب. مصر وقطر وبتأييد من الولايات المتحدة ودول عربية اتجهت نحو تحقيق الهدنة الموعودة في حرب غزة، وهو ما بدا أنه يعطي طهران نافذة للخروج من المأزق، فإذا ما توقف القتال في غزة فلا داعي لشن الحرب.
وعن واشنطن قال إنها اتبعت استراتيجية قوامها الأول الردع من خلال حشد هائل من القوة العسكرية، مجسدة في حاملة طائرات إضافية «ابراهام لينكولن»، وعليها خير ما أنتجت ترسانة الحرب الأمريكية من طائرات ومسيرات؛ ومعها جاءت قوافل الخبرة العسكرية من البنتاجون إلى الشرق الأوسط. وإلى جانب الردع جاءت الدبلوماسية، وبقدر ما حصلت على دعم الدول الأوروبية – بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا – لكي تضع أساطيلها وطائراتها في الميزان؛ حصلت منهم أيضا على تأييد كامل للعملية الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في غزة، ما يعطي الفرصة لطهران لكي تؤجل انتقامها إلى يوم آخر. إذ لم يحدث في تاريخ الشرق الأوسط أن توقفت الأنفاس والأنظار عن الانشغال بأي أمر آخر سوى أن تنشب الحرب أو لا تنشب؛ تتصاعد أو لا تتصاعد؛ وهل يكون في اللحظة الحرجة مفتاح جهنم أو النعيم. مثل هذه اللحظة من ناحية أخرى تعطي الفرصة للأطراف المباشرة لكي تتلاعب بالموقف لتحسين شروط التفاوض، أو لتسوية حسابات لم تسوّ.. هي لحظة فارقة على أية حال.
حرب ستدوم
مرت السنون وإسرائيل تمارس عدوانها على الأشقاء الفلسطينيين، تم توقيع (اتفاقية أوسلو) ثم (غزة – أريحا)، عُقد مؤتمر القمة العربية في لبنان (عام 2002) وفيه رفعت الدول العربية، كما أخبرنا بلال الدوي في «الوطن»، شعار (الأرض مقابل السلام)، وذلك طبقاً لما نصت عليه المبادرة العربية، التي عرضها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لكن إسرائيل رفضتها، وظلت تمارس تعنتها وتعسفها ومازالت تمارس -بلا رحمة- قصف المدنيين العُزل في قطاع غزة بالطائرات.
مرت السنون، وإسرائيل تتوسع في عمليات الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، مخالفة للقانون الدولي، ومازالت إسرائيل ترفض حق العودة لملايين الفلسطينيين، ومازالت ترفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية في دولة فلسطينية مُستقلة عاصمتها «القدس الشرقية»، على حدود ما قبل 5 يونيو 1976.. إلى أن وصلنا إلى عام 2006 وهو وصول حركة «حماس» للسلطة، ثم سيطرتها على قطاع غزة في عام 2007 وزيادة الفجوة مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وعلى إثرها أصبحت غزة تحت سلطة حركة «حماس» فعلياً، وبدأت الصدمات المتوالية بين «حماس» وإسرائيل على التوالي في أعوام (2008- 2012- 2014- 2018- 2021- 2022). وكانت أحداث 7 أكتوبر الماضي بمثابة بركان انفجر ليس بين حركة «حماس» وإسرائيل فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط كلها، فتغيرت المنطقة عن ذي قبل.. تغيرت المعالم كاملة، تغير كل شيء، فلم تعد هناك فرصة لإيقاف التعسف الإسرائيلي.
لعبة المفاوضات
غاب العقل عن الحكومة الإسرائيلية وفقدت توازنها، ومن ذلك الوقت وهي تقصف بالصواريخ الفوسفورية الحارقة كل ما يُقابلها من مبانٍ حكومية ومقرات للمنظمات الدولية ومنازل المواطنين في كل مكان، حتى المناطق الآمنة، التي اقترح الجيش الإسرائيلي على أهالي غزة اللجوء إليها في النُصيرات ودير البلح في شمال غزة، تم قصفها بكل جبروت وتعمُد، حتى المناطق التي اقترحها الجيش الإسرائيلى على أهالى غزة للجوء إليها في تل السلطان ومنطقة المواصي في جنوب غزة تم قصفها بلا رحمة وبكل عجرفة. والآن تجاوز عدد الشهداء الـ40 ألف شهيد -منهم 51.7 % من الأطفال والسيدات- وتجاوز عدد المصابين الـ100 ألف مُصاب، وانهارت المنظومة الصحية، وأصبح الحصول على رغيف العيش حلماً بعيد المنال يراود أهالي قطاع غزة. وتابع بلال الدوي: الأمم المتحدة من جانبها حذرت -مراراً وتكراراً- من حدوث مجاعة في قطاع غزة، لكن لم يتحرك أحد ولم يستجب نتنياهو وحكومته المتطرفة لوقف إطلاق النار، جولات تفاوض عديدة في القاهرة والدوحة وباريس وروما، لكن على ما يبدو أن الجانب الإسرائيلي يواصل تطرفه في التفاوض ويرفض كل أشكال عودة الهدوء والسلام والهُدنة، ويضع العراقيل ليُفشِل المفاوضات حتى يكسب وقتاً ويُطيل أمد الحرب، ويُطيل أمد حكومته ليأتي شهر نوفمبر وتُعقد الانتخابات الأمريكية، التي يراهن عليها الجانب الإسرائيلي.. وختم الدوي بالتساؤل: ألم يحن أوان السلام؟! ألم يحن أوان الهدوء والاستقرار والعيش الكريم؟!
الإبادة في دمه
بدا نتنياهو اليوم وقد أصبح فكرة ظلامية لا تؤمن إلا بالابادة الجماعية ولا تسعى إلا من أجل استمرار الحرب الضروس، التي فرضها على الفلسطينيين منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، وأسفرت حتى الآن عن أكثر من مائة وأربعين ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود وسط دمار هائل طال البنية التحتية ومجاعة قاتلة. ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل واصلت جرائم الحرب، التي ترتكبها على مرأى من العالم كله، متجاهلة، بحسب سناء السعيد في «الوفد»، قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة.. إنه نتنياهو الذي سكنته غريزة الشر، وسيطرت عليه الرغبة العارمة في إشعال الحروب وتغذيتها، حتى لا يخمد أوارها. ومؤخرًا قال في لقاء مع مجلة «تايم» الأمريكية: (إذا كنت تريد السلام، فاستعد للحرب)، وهو ما يعني أن «نتنياهو» لا يسعى إلى السلام، ولا يستخدم إلا أدوات الحرب والإبادة لتحقيق الهدف المنشود.. تحدث «نتنياهو» في المقابلة التي أجرتها معه مجلة «تايم» الأمريكية عن استمرار الحرب، ولم يلتزم بموعد للتوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن وعودة سكان الشمال إلى ديارهم. ولكنه يبدي اهتماما بالغا عندما يتطرق إلى حركة «حماس» فيقول: (إنه ملتزم بتدمير «حماس» حتى لا تتمكن من إعادة بناء نفسها).
لأنه فكرة
لنتنياهو تصريح قبل أربعة أشهر قال فيه إن إسرائيل على بُعد خطوة واحدة من تحقيق النصر الكامل. غير أن الأرقام والمستجدات التي تابعتها سناء السعيد تشير إلى واقع مختلف كلية، إذ أسفرت الحرب التي أشعلها منذ السابع من أكتوبر الماضي عن قتل 689 جنديا إسرائيليا، وإصابة أكثر من 4252 مقاتلا، ومايزال هناك نحو 115 مدنيًا اسرائيليا محتجزين لدى «حماس» دون أمل في إطلاق سراحهم. والثابت اليوم أن ذاكرة نتنياهو تخونه، فهو يرفض تحمل المسؤولية أو حتى الاعتذار، ويكتفي فقط بالتعبير عن أسفه لما حدث في هجوم السابع من أكتوبر، وكأنه مراقب دولي وليس المهندس الذي أمر بتحويل ملايين الدولارات إلى غزة، والتي انتهى بها الأمر لتكون في أيدي «حماس» لتستفيد منها في تعزيز قوتها.
وتضيف السعيد ذاكرة نتنياهو لم تعد كما كانت، فعندما سئل عن الشراكة الائتلافية مع ابن غفير وسموتريتش قال إن جميع الحكومات الإسرائيلية كانت تعتمد على أنظمة برلمانية وائتلافات، وإن الحكومات السابقة شكلت ائتلافات مع أحزاب مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، التي ترفض وجود إسرائيل، دون أن تلقى أي انتقادات على ذلك. وكان نتنياهو يشير بذلك إلى رئيس (القائمة العربية الموحدة منصور عباس الذي اعترف علنا بحق إسرائيل في الوجود، وأبدى رغبته في الاندماج من أجل مصلحة الأجيال القادمة، ومازال حزبه يتعاون مع الائتلاف الحالي في تمرير القوانين).. ننتنياهو أصبح هو وحكمه مجرد فكرة وليس أكثر من ذلك. وإذا كان فكرة فسيكون مسموحا له بتغيير القانون حتى يتمكن من تعيين المفوض القادم للخدمة المدنية، الذي سيكون في الأساس مفوض خدمة نتنياهو. ومن المقبول له أيضا تهريب ابنه على متن طائرة رئيس الوزراء، ومن المقبول له توجيه وزير العدل لعدم تعيين رئيس للمحكمة العليا، فحين تكون فكرة فأنت قادر على كل شيء.
قبل 57 عاماً
هناك في غزّة وجدته.. مُكتّف اليدين.. ومع ذلك يحمل الحجارة في مواجهة الخسّة والجُبن الصّهيوني.. صبيٌّ غض مازال في العاشرة من عمره، رغم أنّه وُلد منذ 57 عاما، بحسب ما أخبرتنا حورية عبيدة في «المشهد».. تقول كان رثُّ الثّياب، حافيَ القدمين، يدير ظهره لي.. أسأله متى أرى وجهك؟! يجيب بتحدٍ ومرارةٍ: عندما تصبح الكرامة العربيّة غير مهدّدة.. وعندما يسترد العربيّ شعوره بحريته وإنسانيته.. وقتها أدركتُ أنّي لن أرى وجهه في المستقبل القريب؛ فمازال الضّمير الكظيم يعيش خيبات الحُلم العربيّ، غير قادر على تجاوز أزمنة الغباء، التي نحياها.. إنّه «حنظلة» تلك الشّخصية الخياليّة، التي رسمها رسام الكاريكاتور الفلسطينيّ «ناجي العليّ»، الذي تحل ذكرى اغتياله بعد أيام (التاسع والعشرين من أغسطس 1987).. إذ اغتاله الموساد في «لندن».. لكنه لم يترك إرثًا سوى الكرامة العربيّة.. فهل تُرانا ورثناها؟! وُلد «العليّ» بقرية «الشّجرة» بين طبريا والنّاصرة عام 1937، وحينما وصل سن العاشرة دكّ الصّهيوني الغاشم بلدته واعتقله بتهمة: «معاداة الاحتلال»، فكتب على جدران زنزانته: «لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية».. هاجر مع أسرته إلى مخيم «عين الحلوة» في لبنان فاعتقله الجيش اللبنانيّ، وتلقفته حواضن المدن في طرابلس والكويت وبغداد ولندن، وأصبح ضمن أشهر 10 رسامي كاريكاتور في العالَم.. وبفضله صعد هذا الفن إلى أعلى مراتب العمل الصّحافيّ، رسم أكثر من 40 ألف كاريكاتير.. لم يهادن أو ينافق أحدًا، لذا حمل على كاهله رقمًا قياسيًّا من التّهديدات، التي وصلته.. ابتكر «ناجي» شخصية «حنظلة» عام 1967 رمزا للصمود والاعتراض والضّمير، الذي لا يغيب.. ضمير معجون بالفقر والحرمان والبؤس، الذي تعاني منه المخيمات الفلسطينيّة.. إنّه التّاريخ الحي الشّاهد، إنه نبض الحجارة، الحُلم والأمل الذي يعيشه عالمنا العربيّ.. كان يقول: «أنا إنسانٌ عربيٌّ فقط، اسمي حنظلة، لا يهم اسم أبي، أُمّي اسمها النّكبة، ومقاس رجلي لا أعرفه، لأنّي دائما حافٍ، وُلدتُ في حزيران/ يونيو 1976».
موطنك السماء
وكان «حنظلة» وفقاً لحورية عبيدة بمثابة التّوقيع على رسومات ناجي العلي.. «حنظلة هو أيقونة رُوحي تمنعني من السّقوط، إنّه البَوصلة التي تشير دائمًا لفلسطين ولن ينتهي من بعدي، سأستمر به بعد موتي». كما ابتكر شخصية «فاطمة»، تلك الأم الفلسطينية التي لا تهادن، وشخصية «السّمين»، الذي يزحف بمؤخرته العالية مشيرًا للخونة والانتهازيين. ومن أقواله: «أنا متهم بالانحياز.. تلك تهمة لا أنفيها.. أنا منحاز لمن هم تحت».. و»للي بدو يكتب ويرسم عن فلسطين بِدّو يعرف حاله ميت».. و»الطّريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة إنّها بمسافة الثورة». وحين سُئل عن «حنظلة» قال: «سيظل دائمًا في العاشرة.. تلك السّن التي غادر فيها فلسطين.. وحين يعود سيكون في العاشرة ثم يبدأ يكبر، لذلك فهو استثناء، كما إن فقد الوطن استثناء».
وعن سبب كونه مكتوف اليدين يقول ناجي العلي: «كتّفت يده بعد حرب أكتوبر بسبب التّطبيع، فليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام لإسرائيل فذلك خط أحمر». وناصب العلي بعض الأنظمة العداء خاصّة تلك التي رآها تبيع القضية.. فكان يقول لهم «لكم فلسطينكم ولي فلسطيني».
وعنه كتب «الأبنودي»: يا قبر ناجي العليّ يادي الضّريح.. كان ميتك للأسف وطني صريح.. ورثاه «أحمد مطر» قائلًا: اصعد فموطنك السّماء إن الأرض للجبناء. وعنه قال «محمود درويش»: ناجي يقطُر يدمّر يفجّر دائمًا يتصبّب أعداءً.. وله ألّفَ الكاتب الفلسطيني «شاكر النّابلسي» كتابه «أكلَه الذّئب».. مات «ابن الأكرمين» المتيقظ دائمًا.. السّاهر على حراسة القضية، مات وهو يغرد خارج سرب السّقوط، تاركًا «حنظلة» في غزّة وحده يواجه عدونا الصّهيوني، متسلحًا بحجارته المُقدّسة يحاول أن يلبس الأُمّة لبوس العِزّة.. فهل تُرانا نستحقك يا «حنظلة» ونحن جلوس في مقاعد المتفرجين في «سينما الخزي والبلادة العربية».. نحمل في أيدينا أكياس الدّموع نتجرعها على ما يحدث في غزّة الآن؟!
بما فعلت يداه
واضح أن الرئيس الأمريكي بايدن يضع كل جهده من أجل اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، تكون إحدى نتائجه الأساسية وقف التصعيد في المنطقة، ومنع الانجرار لحرب إقليمية شاملة.. بعد الجولة الأولى من التفاوض يقول بايدن، الذي يراقب تصريحاته جلال عارف في «الأخبار»، إن الاتفاق يلوح في الأفق، لكنه لم يتحقق بعد، ويعلن خشيته من «سوء الحظ»، الذي أفشل اتفاقات سابقة.. وفي الحقيقة لم يكن «سوء الحظ» أو «النحس»، هو السبب، بل كان «سوء القصد»، من جانب «نتنياهو» الذي لم يتوقف عن وضع العقبات وإضافة الشروط لمنع إنهاء حرب يريدها أن تمتد وتتوسع، لأنه يدرك أن نهايتها تعني نهايته سياسيا ومحاكمته جنائيا!! الظروف الآن تختلف. الاتهام العلني من وزير الدفاع الإسرائيلي «جالانت»، لرئيس الحكومة نتنياهو بتعطيل الاتفاق لم يكن تعبيرا عن رأيه الشخصي فقط.. فكل قيادات الجيش والأمن والمخابرات كانت تؤكد أن الحرب في غزة وصلت إلى طريق مسدود منذ شهور. بالأمس فقط ومع انطلاق الجولة الجديدة والحاسمة من المفاوضات – قال مسؤولون أمنيون كبار للإعلام الإسرائيلي الرسمي: إن القتال في غزة انتهى بشكل عام، وإن الوقت حان لإبرام الاتفاق.. ومع ذلك تبقى الشكوك تحيط بموقف نتنياهو!! مشكلة نتنياهو الجديدة أن محاولته للتصعيد وتفجير الحرب الإقليمية تصطدم بموقف حلفائه الأساسيين أمريكا والأوروبيين، الرافض للتورط في حرب جديدة تهدد بصراع عالمي لا يمكن تصور احتمالاته، خاصة في ظل التطورات الخطيرة، التي تجري الآن في أزمة أوكرانيا، مع اختراق القوات الأوكرانية لحدود روسيا ونقل المعارك إلى داخلها، واتهام روسيا لأمريكا ودول الأطلنطي بالمشاركة في الهجوم الأوكراني، الذي سيحاول الصمود لأكبر وقت ممكن داخل روسيا لتحقيق الهدف المعنوي أولا، ثم لاكتساب وضع أفضل في التفاوض القادم إن أمكن.. وفي كل الأحوال يستدعي هذا من دول «الأطلنطي»، استنفارا كاملا، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، ويفرض الابتعاد عن أي مغامرات جديدة في الشرق الأوسط، بالقرب من مسرح العمليات الأوروبي.. هذه الرسالة وصلت إلى تل أبيب بكل وضوح، ويتفهمها جيدا الجناح الأمني والعسكري هناك، الذي يكرر التأكيد «مع بداية التفاوض» أن الحرب بالنسبة له قد انتهت.. ولتبقى المسؤولية «كما كانت في كل المحاولات السابقة» عند نتنياهو الذي لن يقبل الحقيقة إلا مرغماً!!
غضب قديم
العجز تجاه المأساة الإنسانية والسياسية المستمرة في غزة منذ أكثر من عشرة شهور يجعل المراقب المهتم يتردد في الكتابة عنها من جديد. إذ يرى الدكتور إبراهيم عوض في «الشروق» أن الحجج للبحث الجدي عن تسوية تنزع فتيل غضب الشعب الفلسطيني نفذت أو تكاد، فباستثناء أشدّ الصهاينة صهيونيةً وأكثرهم تطرفا، لا يجادل أحدٌ في شرعية هذا الغضب الذي عبر الشعب الفلسطيني عنه قبل سنة 1948 وبعدها. فقبل نشأة إسرائيل عبر الشعب الفلسطيني عن غضبه في ثورة البراق في سنة 1929 وفي الثورة الكبرى ما بين 1936 و1939، ولزهاء عشرين عاما بعد سنة 1948، نفث الشعب الفلسطيني غضبه بالمطالبات وبمناشدة العالم أن يمكِّنَه من حقوقه. ولما لم ينفع الكلام، اتخذ هذا الغضب شكل الكفاح المسلح الوطني والعلماني.. هذا الكفاح وانتفاضة الشعب الفلسطيني في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي في الأراضى الجديدة التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، أفضيا إلى المسار الذي أطلقه مؤتمر مدريد في سنة 1991، من جانب، وإلى اتفاق أوسلو في سنة 1993 ومن بعده اتفاقية واشنطن في سنة 1994، التي وقعها ياسر عرفات، وإسحق رابين، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. إلا أن المفاوضات الناشئة عن مسار مدريد لم تسفر عن شيء. وبدورها عملية أوسلو – واشنطن لم تمكّن الشعب الفلسطيني من ممارسة أي من حقوقه السياسية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967 وحدها، وهي الأراضي التي قبلت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تقوم دولة فلسطين عليها، دولة تعيش إلى جانب إسرائيل.. لكن وفي ظل التوسع في الاستيطان في الضفة الغربية ووحشية الحصار المفروض على غزة، تجدد الغضب الفلسطيني واتخذ هذه المرة طبيعة إسلامية سياسية امتدت لتصبح كفاحا مسلحا بصبغة إسلامية سياسية. باختصار، الغضب المترتب على انتهاك كافة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعدم علاج هذا الغضب، هما الأصل في كل الاضطراب الذي تعيشه المنطقة المسماة بالشرق الأوسط في عشرات السنين الماضية، وهو غضب اتخذ التعبير عنه أشكالا وطبائع متغيرة. وهجمة السابع من أكتوبر هي انفجار لهذا الغضب. وليس من المعقول ولا من التفكير السوي الذي يربط الأفعال بمسبباتها فصل السابع من أكتوبر عن إطاره، وعما سبقه من سلب وانتهاكات ومراوغة واستهتار وتجاهل، كما تريد إسرائيل ومن يساندونها.
فجأة رقت قلوبهم
فجأة، في الأيام العشرة الماضية، والكلام للدكتور إبراهيم عوض أصبحت الولايات المتحدة وحليفاتها الأطلسية الرئيسية متحرقةً إلى وقف إطلاق النار في غزة! هذا تصريح يصدر عن زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وذاك إعلان لزعماء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. هؤلاء الزعماء، على ما يبدو رقّت قلوبهم على أهل غزة، بعد أن قتل منهم أربعون ألفا غير الآلاف أو عشرات الآلاف الراقدة جثثهم تحت الأنقاض، وصاروا يريدون وقف إطلاق النار اليوم قبل غد.. على الرغم من التعجب من اللهفة المفاجئة على وقف إطلاق النار في غزة، فمرحبا بهذه اللهفة. ولكن ما هو المنطق في ربط وقف إطلاق النار بعدم ردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنية على أرضها؟ ربما رأت إيران أن سيادتها قد انتهكت، وربما شعرت بأن مكانتها قد اهتزت اهتزازا شديدا في أعين أنصارها، وأنها لابدّ أن تعيد الاعتبار لمكانتها. إيران تتخذ قرارها على حسب ما تراه مصلحتها. أما الحرب في غزة فهي مسألة منفصلة ومستقلة حتى عن اغتيال هنية في طهران.. وليس دليلا أبلغ على ذلك من هذه الحرب المستمرة حتى بعد اغتيال هنية.
ويضيف في الأسبوع الماضي وحده استمرت إسرائيل على نهجها فدمرت خمس مدارس وقتلت في الأخيرة منها مائة من الفلسطينيين، أغلبهم أطفال ونساء. وقف إطلاق النار مطلوب أيا كان ردّ إيران أو عدم ردّها، وهو مع ضرورته ليس مطلوبا في حد ذاته، بل كحلقة في عملية تعالج غضب الشعب الفلسطيني بتمكينه من حقوقه، وأولها حقه في تقرير المصير، في ذلك الجزء من أرض فلسطين، الذي احتل سنة 1967. علاج غضب الشعب الفلسطيني هو الذي ينزع فتيل الاضطراب عن المنطقة. ولنردف أن غضب الشعب الفلسطيني والتعبير عنه سابقان بعشرات السنين على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران.
منذ أكتوبر الماضى، تسعى إسرائيل للقضاء تماما ليس على ««حماس»» وحدها، بل على قدرة الشعب الفلسطيني على الغضب، لأن هذا الغضب قد يتجلى بشكل مختلف بافتراض أن ««حماس»» اختفت من الوجود. وباغتيالها لإسماعيل هنية في طهران، تريد إسرائيل استفزاز إيران أولا لدفعها إلى أعمال انتقامية؛ وهي ترمي إلى جرّ الولايات المتحدة ثانيا إلى المنطقة للتصدي لأي أعمال انتقامية إيرانية، ولخوض حرب إقليمية إلى جانبها أو بالنيابة عنها. واقع الأمر هو أن إسرائيل هي التي تهدد بحرب إقليمية..
بوتين لا يلعب
تتضارَب الآراء المُعلَنة، من عدة أطراف متداخلِة، عن خطوة أوكرانيا الخطيرة، غير المسبوقة، باقتحام الحدود الروسية في 6 آب/أغسطس الحالي، وما إذا كان انفرد بها نظام الحكم في أوكرانيا، أم تمت بتخطيط مع حلف الناتو. وما إذا كان يمكن اعتبارها إنجازاً عسكرياً لأوكرانيا ضد روسيا، أم إنه أمر يمكن أن تتعرض له أي قوة عظمى في إحدى نقاط الضعف على حدودها الممتدة لآلاف الكيلومترات، وليس هناك ما يدعو القوة العظمى إلى فرض الحماية الكاملة على طول حدودها، ليس فقط لما يتطلبه الأمر من ميزانيات ضخمة وتخصيص قوات عسكرية دفاعية، وإنما ليقين القوة العظمى، بحسب أحمد عبد التواب في
«الأهرام» أنه ليس هناك خطر حقيقي، لأن التصورات التي تتيقن منها أي قوة عظمى أنه في حالة إذا أخطأ عدو في حساباته وقرر أن يستفزها، بمثل ما فعلت أوكرانيا، فعليه أن يتحمل التبعات، وأولاها أن الأمر محسوم بشأن قدرة القوة العظمى على استرداد أراضيها، ثم ما هو مؤكد بعدها أن تقوم بعمليات انتقامية لرد اعتبارها ولردع من تجاسر، لمنعه مستقبلاً، هو أو غيره، من مجرد التفكير في تكرار ما وقع.
لذلك، فإن تقدير ما فعلته أوكرانيا لا يُقاس بمفاجأتها لروسيا وانتهاك حدودها واقتحام أراضيها وفرض السيطرة على مساحة منها متناهية الصغر، مقارنة بحجم روسيا، وإنما بقدرة أوكرانيا على البقاء والثبات على هذه الأرض، ونجاحها في صد الهجوم الروسي المؤكد، ثم في تخفيف آثار ما سوف تقوم به روسيا بعد هذا. وليس من الممكن تصور أن تنجح أوكرانيا في الصمود أمام كل هذا، بما يدحض الرأي القائل إنها قامت بخطوتها هذه بهدف تحسين شروط التفاوض على وقف الحرب، بل إنها سوف تَتَكَّبَد المزيد من الخسائر التي تُضعِف موقفَها التفاوضي.
لقد تراكمت أخطاء قادة أوكرانيا منذ قبولهم أن يقوموا بدور مخلب القط أمام الدب الروسي، مع فشل تام في الحسابات، أو ربما مع إدراك التبعات مع الاهتمام بأشياء أخرى، ثم إنهم يورطون بلادهم أكثر ويغمضون عيونهم عن الخراب الرهيب، الذي تسببوا فيه لها، ولا يطرحون كيف ومتى وبأي وسائل يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه.
أسوأ من كورونا
ربنا يستر من القادم.. هناك حالة قلق بسبب فيروس جدري القرود الذي بدأ يؤرق العالم.. حالة شبهها محمد أمين في «المصري اليوم» بأنها تلامس حد الرعب والفزع.. فيروس كورونا كان أرحم وأخف وطأة، واستطعنا أن نتعامل معه ونجد له علاجات وأمصالًا.. فيروس القرود مروع شكلًا ومضمونًا.. قد يتسبب في إغلاق جديد للعالم.. وقد يتسبب في وقف البرامج السياحية وتعطيل حركة التنقلات والسفر، خاصة من إفريقيا وإليها!. ويقول: الأنباء تنقل إلينا أخبار تفشي سلالة جدري القرود الجديدة، مما يثير القلق في العالم.. باكستان رصدت أول 3 إصابات حدثت بسبب التنقل والسفر من دولة خليجية.. السويد سجلت أول حالة خارج إفريقيا.. والصين ترفع حالة التأهب الصحية لفحص الوافدين.. واليابان تحث رعاياها على توخي الحذر!. ترصد الأخبار أن الفيروس بدأ في الظهور مجددًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وامتد إلى العديد من الدول المجاورة، حيث انتقلت سلالة جدري القرود إلى 7 دول في إفريقيا الوسطى ورواندا وأوغندا وكينيا، أوائل أغسطس 2024، ومنها بدأ يمتد خارج إفريقيا، وخلافًا للسلالات السابقة، فإن السلالة الحالية تنتشر بسهولة أكثر.. ويمكن أن تنتقل بين الأطفال في المدارس!. ومن إفريقيا، بدأ الفيروس ينتشر حول العالم، وكانت باكستان ثاني بلد يعلن اكتشاف حالات، فقد قالت إدارة الصحة في إقليم خيبر بختون خوا الباكستاني، الجمعة، إنه تم رصد 3 إصابات بالفيروس المسبب لجدري القردة، وذلك لدى مسافرين، وكانت باكستان قد سجلت إصابات بجدري القردة في السابق. وفي الصين أعلنت السلطات رفع حالة التأهب الصحية لمواجهة عدوى جدري القرود، بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الارتفاع الأخير في عدد الإصابات بات يشكل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقًا دوليًّا!.
وفي السابق أعلنت منظمة الصحة العالمية تفشي فيروس جدري القردة في الكونغو وأماكن أخرى في إفريقيا، باعتبارها حالة طوارئ عالمية، مع وجود حالات مؤكدة بين الأطفال والبالغين في أكثر من 12 دولة. إلى ذلك أعلنت المنظمة عن سلالة جديدة من الفيروس!. وفيروس القرود ليس فيروسًا عاديًّا، ولكنه مخيف ومروع، وقد يبقى معنا مدة أطول عالميًّا مقارنة بفيروس كورونا، حتى يتم اختراع المصل والعلاج المناسبين له!.
تنسيق مهم
الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لمصر يوم الأربعاء الماضي ومباحثاته مع الرئيس السيسي شديدة الأهمية، وقد تكون وفق توقع عماد الدين حسين في «الشروق» لها تداعيات إيجابية ليس فقط على صالح البلدين، بل وعلى المصالح العربية عموما، بما يوقف عبث قوى خارجية إقليمية ودولية في منطقة القرن الإفريقي، ويوقف كذلك تهديدات متنوعة للملاحة في البحر الأحمر، خصوصا في مضيق باب المندب.
كان ملفتا للنظر في بيان السفير أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية يوم الأربعاء الماضي الإعلان بأن البلدين وقعا على بروتوكول للتعاون العسكري، واتخاذ العديد من الخطوات لتعميق التعاون الثنائي بينهما، مثل إطلاق خط طيران مباشر بين القاهرة ومقديشيو، وإعادة افتتاح السفارة المصرية في العاصمة الصومالية. ولا يخفى على أحد أن العلاقات المصرية الصومالية تشهد تطورات إيجابية متتالية في السنوات الأخيرة، وهناك زيارات متبادلة كثيرة على مستويات متعددة. وإضافة للقاء الرئيسين فإن وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي التقى صباح يوم الخميس الماضي وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، علما أنهما التقيا مرة سابقة بحضور وزير خارجية جيبوتي. وهناك توافق بين البلدين على تدعيم العلاقات في مختلف المجالات من أول بناء الكوادر الصومالية نهاية بالتعاون العسكري، مرورا بتعزيز العلاقات الاقتصادية، ناهيك عن العلاقات الثقافية.
وقال نعلم أن الصومال الشقيق يواجه ظروفا صعبة جدا منذ عام ١٩٩٠، حينما تمت الإطاحة بنظام الرئيس محمد سياد بري على خلفية نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وهي الحرب التي استفادت منها دول كثيرة، لكن تضررت منها أيضا العديد من الدول. الصومال عانى من صراع أهلي كبير أدى إلى انشقاق إقليم «أرض الصومال» عن الدولة، وأعلن نفسه جمهورية مستقلة في ١٨ مايو ١٩٩١، لكن لم تعترف بها أي دولة، علما أن هذا الإقليم يحتل موقعا استراتيجيا فريدا على شاطئ خليج عدن في البحر الأحمر..
يريدونها ضعيفة
كان التطور الخطير من وجهة نظر عماد الدين حسين هو أن الحكومة الإثيوبية أعلنت أنها اتفقت مع ما يسمى دولة «أرض الصومال» على استئجار مرفئ على البحر الأحمر، ليكون لها واجهة بحرية، باعتبارها دولة حبيسة، وهو الأمر الذي رفضته دولة الصومال وغالبية دول المنطقة، لأنه يفتح الباب أمام تهديد سيادة الدول وحدودها، خصوصا جيبوتي وإريتريا.
ومن أخطر تداعيات الصراع في الصومال أن حركة الشباب المتطرفة، التي تعتنق فكر تنظيم القاعدة وتأسست عام 2004 وبدأت العمل المسلح عام 2006، سيطرت على معظم العاصمة مقديشيو. وقتها قرر الاتحاد الإفريقي تشكيل قوة لحفظ السلام في أول يناير ٢٠٠٧ بتفويض أول مدته ٦ شهور، وظل يتجدد لمدة ١٨ عاما. قوة حفظ السلام كانت تتكون من ١٣ ألف جندي من ٩ دول إفريقية مختلفة، لكن القوات الإثيوبية كانت الأكثر حضورا، بحكم حدودها مع الصومال التي تمتد لحوالي ٨٠٠ كيلومتر. مدة هذه البعثة التي يتم تمويلها من الاتحاد الأوروبي بنسبة كبيرة يفترض أن تنتهي مع نهاية هذا العام. والصومال يريد عدم التجديد لها، أو التجديد مع إخراج القوات الإثيوبية الأثيوبية منها أساسا، بعد أن وقعت الاتفاق مع «أرض الصومال»، وهو ما تعتبره مقديشيو اعتراف إثيوبيا التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي بإقليم منشق عن دولة مستقلة. وتريد دولة الصومال قوات من دول صديقة ومجاورة مثل جيبوتي أو دول عربية، أو حتى الاستعانة بتركيا في حماية السواحل الصومالية، ويفترض أن يصادق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي على البعثة الجديدة. فالصومال في حاجة شديدة للمساعدة العربية، خصوصا المصرية، والقاهرة تمد يدها للصومال، حتى يعود مستقرا وموحدا وقويا. لكن إثيوبيا تريده مهتزا ومقسما وضعيفا حتى تستمر في الهيمنة عليه.