بعد الأعيان والتعديل… الأردن: «خطة ما» قيد «الهندسة»… وهل يقفز سيناريو «انتخابات مبكرة»؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي» : تجديد بعض الدماء وبث روح متباينة نسبياً خارج مألوف التيار المحافظ في مجلس الأعيان الأردني تحديداً هو الخطوة التي اتخذت أمس الأول في إطار التمهيد لانعقاد الدورة العادية للبرلمان يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر، تفاعلاً مع انعقاد مجلس الأمة وخطاب العرش الملكي الجديد.
تلك خطوة كانت محسوبة زمنياً في إطار مشروع أكثر شمولاً للتعامل مع استحقاقات العام 2023 في إقرار الحالة السياسية عموماً في المشهد الأردني الداخلي وسط انطباع يتجدد بأن إكمال البرلمان الحالي لولايته الدستورية وقوامها أربع سنوات قد لا يكون الخيار النهائي ولا الثابت المركزي في التواقيت الدستورية إذا ما تقرر تحول العام 2023 إلى نقطة تحول باتجاه الانطلاق نحو مشاريع التحديث والتمكين.
مجلس الأعيان بتركيبته الجديدة في ظل حالة الاستقرار التي يمثلها رئيسه المخضرم فيصل الفايز، لا يعجب بعض الأوساط المعارضة والمناكفة أو تلك التي تلاحظ وتوقعت توجيه رسائل قوية ومتينة لصالح رصيد الإصلاح السياسي والانفتاح الأكبر عبر تركيبة جديدة وطازجة تنطوي على ألوان سياسية تقرر بهدوء ألا تكون فاقعة هذه المرة.
بقي الفايز في موقعه بصفته ضمانة في حالة الاستقرار الوطنية العامة، ولا مفاجآت سياسية من الوزن الثقيل في تركيبة مجلس الأعيان الجديد، لكن القول المطلق بعدم التأسيس لتباينات مختلفة ومتنوعة أو توازنات جديدة هذه المرة ينطوي بالمقابل على مبالغة؛ فورشة الاستعداد يكمل بعضها بعضاً اليوم في المشهد الأردني نحو تحولات يفترض أن تحسم في العام 2023.
تنقسم المجموعات التي اختيرت لتمثيل مجلس الأعيان الجديد إلى شرائح ومكونات مختلفة، فالتيارات المحافظة في المجتمع سياسياً احتفظت بموقعها، ونخبة من كبار المسؤولين السابقين انضمت إلى المجلس، مثل الرئيسين عبد الله النسور وهاني الملقي، ومحافظ البنك المركزي الأسبق الدكتور زياد فريز ومعه أحد أبرز رموز التيار المحافظ الدكتور رجائي المعشر.
شريحة رجال الدولة هنا ممن تقلدوا مواقع عليا سابقاً احتفظت بحصتها ويمكن القول إن انضمام شخصيات خبيرة في العمل الدبلوماسي، مثل وزيري الخارجية الاسبقين عبد الإله الخطيب وناصر جودة، ينطوي على رغبة في التنويع وإضفاء خبرات في السياسة الدولية والإقليمية على طاقم الأعيان، مع أن هامش المناورة أمام مجلس الأعيان أكثر رشداً وعقلانية من انفعالات الزملاء التشريعيين في مجلس النواب.
في كل حال، ثمة رسائل ضمنية توحي بأن شخصيات مقربة من الشارع على نحو أو آخر لديها مساحة ومقاعد في مجلس الملك، وإن كانت إعدادات المجلس نفسه وطبيعة دوره ستضبط البوصلة والحركة، لكن بين الأعضاء الجدد اليوم ناشطون سياسيون من طراز رفيع على ضفاف السلطة والمؤسسات وبعضهم بنكهات يسارية فاقعة اللون السياسي، ومن الطراز الذي يمكن أن يوصف بأنه صاحب رأي مختلف أو قريب من نبض الشارع أو على الأقل يتفهمه ويلاعبه.
وزراء سابقون ونشطاء في الواقع الاجتماعي والسياسي انضموا إلى هذا المكون، وبين هؤلاء بطبيعة الحال الدكتور خالد الكلالدة، ومصطفى الرواشدة، ولاعب سياسي اجتماعي معروف وجديد في المشهد هو المهندس خالد رمضان، فيما احتفظ يساريان ناشطان بكل الأحوال ولا تربطهما صلة مباشرة، وهما بسام الحدادين وجميل النمري، بموقعيهما.
تلك في كل حال محاصصة تحاول التنويع في الرموز والوجوه والأسماء داخل نطاق البعد الاجتماعي والعشائري والمناطقي، وبرأي مراقب سياسي كبير وزاهد بالأضواء وخبرته واسعة مثل الدكتور دريد المحاسنة، لا بد أن تنتهي مرحلة الاستقطاب والجذب على أساس المحاصصات الكلاسيكية؛ لأنها تحرم الدولة والوطن والناس أحياناً من طاقات إيجابية، ولأن الدنيا تتطور بكل الأحوال. ولا يبدو وعلى هامش نقاش تحليلي مع «القدس العربي»، أن الدكتور المحاسنة يجد ما ينبغي أن يحتفي به القوم عندما يتعلق الأمر بضرورة الانحياز للمهنية والاحتراف والكفاءة ضمن مقاربة آن الأوان لأن تبتعد، ولو قليلاً، عن محاصصات غير مفيدة. لكن المسألة هنا لا علاقة لها بالذوات الذين يستعان بهم بقدر ما لها علاقة بتجميع طاقات وطنية.
في كل حال، عناصر نشطة أكثر سياسية موجودة اليوم في تركيبة مجلس الأعيان، ومن بينها الوزير الأسبق محمد داوودية الذي قد يكون الأنشط من جيله السياسي في تحريك مبادرات وسط المجتمع، وفي الموقع طبعاً حصة لا يستهان بها لأكاديميين ومتقاعدين عسكريين وأمنيين، لكن في التركيب الجديد أيضاً تبديلات لكفاءات نسائية تبدو مثيرة في بعض تفاصيلها، ومساحة معقولة للفاعلين في مشروع تحديث المنظومة السياسية للبلاد.
ويمكن ببساطة ملاحظة أن تركيبة مجلس الأعيان الجديدة توحي ضمناً بأن خطة ما تخضع للهندسة. وبصرف النظر عن تأييد هذه الخطة أو عكسه، ثمة خطة ومسار واتجاه، والتنويع الذي شمل 32 عضواً جديداً يخدم المجسات الجديدة؛ فلجنة تحديث المنظومة السياسية أصبحت قوة موضوعية في أغلب الأمكنة، سواء عبر وجود الرئيس سمير الرفاعي في مجلس الأعيان أو عبر وجود لاعبين نشطاء في سياق التحديث للمنظومة الحزبية، مثل الدكتور محمد المومني وخالد البكار وغيرهما.
ويمكن ملاحظة أن تركيبة مجلس الأعيان الطازجة حسمت مباشرة بعد التعديل الوزاري الأخير على حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، وعشية تحضيرات انعقاد دورة البرلمان بعد 12 يوماً، الأمر الذي يعني بوضوح وجود مسار وبوصلة وتوقيت زمني.
وهو ترتيب من المرجح أنه يفتح المجال لإعادة تقييم المشهد السياسي العام، بما في ذلك الإجابة عن سؤال أصبح مطروحاً الآن: هل يكمل البرلماني الحالي دورته الدستورية لأربع سنوات، أم يقفز سيناريو انتخابات مبكرة في نهاية عام 2023؟

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية