اغتيال صالح العاروري في بيروت، وهو من كبار قادة حماس، هو المرة الأولى في الحرب التي تم فيها النشر بأن إسرائيل، التي لم تعلن رسمياً عن مسؤوليتها عن الاغتيال، نجحت في المس بعضو مهم جداً في قيادة المنظمة. رغم الجهود الكبيرة التي تمارس بهذا الشأن في قطاع غزة، فإن رؤساء حماس هناك نزلوا إلى الأنفاق في اللحظة التي بدأت فيها محاولات الاغتيال. من المرجح أن يؤدي الاغتيال إلى رد شديد من حماس، والمتوقع أن يأتي من لبنان.
السؤال الرئيسي هو: كيف سيرد “حزب الله” الذي حدث الاغتيال في ساحته الخلفية؟ قيادة حماس الخارج موزعة بين قطر وتركيا ولبنان. ورغم إعلان إسرائيل نيتها تصفية جميع قادة حماس فإنهم يفترضون أن وجودهم في قطر يوفر لهم بوليصة تأمين، هذا إزاء مشاركة الدوحة في الجهود للتوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى. أما في تركيا فمن غير المؤكد أن إسرائيل معنية الآن بتصعيد العلاقات مع الرئيس اردوغان. لبنان كان ساحة الاغتيال المأمولة، لكن هذا مرتبط كما قلنا بخطر آخر للتصعيد مع “حزب الله”.
في الصيف الماضي هدد رئيس الحكومة نتنياهو، بقتل العاروري بشكل صريح. رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، رد في حينه بأنه لا يهم الحزب إذا تم المس بشخص لبناني أو إيراني أو فلسطيني في عملية لإسرائيل، وفي اللحظة التي يحدث فيها مثل هذا الشيء على الأراضي اللبنانية، فسيكون هناك رد شديد من قبل الحزب. ولكن الأمور تظهر الآن مختلفة قليلاً على خلفية الحرب في غزة.
منذ بداية الحرب في القطاع، و“حزب الله” يدفع ضريبة للفلسطينيين بهجمات يومية ضد إسرائيل، لكنه يحرص على اقتصارها على القطاع القريب من الحدود، من خلال نية البقاء تحت سقف الحرب. وحتى لو لم تتغير حتى الآن مقاربة حسن نصر الله وسياسة سيده الإيراني، فإن رفع مستوى الرد من لبنان سيقلص هامش مناورته وسيزيد احتمالات الخطأ في الحساب لدى الطرفين.
بعد المذبحة بغلاف غزة تبين أن رئيس حماس في غزة، يحيى السنوار، لم يبلغ قادة حماس الخارج أو إيران أو “حزب الله” بموعد العملية المخطط لها وطبيعتها. هذا كما يبدو السبب الرئيسي في نجاحه بالحفاظ على سرية الهجوم عن أذن الاستخبارات الإسرائيلية. مع ذلك، لا تميز إسرائيل الآن بين حماس الداخل وحماس الخارج، أو بين الذراع العسكري لحماس والذراع السياسي ظاهرياً. بعد المذبحة، سمعت عدة تصريحات واضحة تقول بنية محاسبة الجميع.
حقيقة أن العاروري وإسماعيل هنية وغيرهما أدوا صلاة شكر لنجاح الهجوم الإرهابي في نفس اليوم في قطر، يبدو أنها عززت قرار المس بهم. هناك درجة من الرمزية التاريخية بأن العاروري، وهو أول شخص يُصفّى من هذه الزمرة، قتل في اليوم الذي توفي فيه تسفي زمير، وهو رئيس الموساد الذي قاد المطاردة بعد المذبحة ضد الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ في 1992.
بقي لدى حماس قدرة على إطلاق الصواريخ، لكنها محدودة، بمركز البلاد. هناك خطر من نوع آخر فيه تجديد وتأثير محتمل يكمن في نشاطات حماس من لبنان. خلايا حماس أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان بالتنسيق مع “حزب الله”. وسيضطر نصر الله إلى اتخاذ قرار ما إذا كان سيطلق لها العنان ويُمكّنها من إطلاق النار على جنوب عكا – صفد.
كان العاروري رجل الاتصال الرئيسي في حماس مع حرس الثورة الإيراني، وقد التقى أحياناً مع حسن نصر الله أيضاً. وقد بقي للمحور الشيعي حساب مفتوح مع إسرائيل على اغتيال الجنرال الإيراني رضي موسوي في دمشق في الأسبوع الماضي، الذي كان مقرباً من حسن نصر الله، وقد رافقه منذ تعيين الأخير في منصب الأمين العام لـ “حزب الله” في بداية التسعينيات. كان حسن نصر الله من المفروض أن يلقي خطاباً في بيروت اليوم. وهناك أمور متناقضة حول ما إذا كان سينشر هذا الخطاب كما هو مخطط له. وإذا اختار التحدث، فسيكون بالإمكان الفهم بشكل أفضل حول توجهه. إضافة إلى رمزية عملية الثأر وحاجة إسرائيل إلى عرض إنجاز يتمثل في المس بقيادة حماس، فلتصفية العاروري أهمية عملية. كان غادر الضفة في 2010 وفقاً لاتفاق مع “الشاباك” بعد مكوثه في السجن الإداري فترة طويلة. بعد ذلك، قاد نشاطات حماس في الضفة الغربية، وكان وراء محاولة تقويض حكم السلطة الفلسطينية هناك. رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، غضب منه بعد أن كشف “الشاباك” في 2014 شبكة كبيرة شغلها العاروري في الضفة، التي خططت لتنفيذ عمليات ضد السلطة وضد الإسرائيليين. يبدو أن السنوار لن يذرف الدموع على العاروري. فقد تنافسا في السنوات الأخيرة على مواقع النفوذ في المنظمة، وكانا في بؤرة المنافسة الداخلية بين القطاع وقيادة حماس الخارج.
سيطرة من تحت الأرض
إن خفوت الحرب في شمال القطاع بعد المس بكتائب حماس هناك يمكن الفلسطينيين الذين بقوا في المنطقة من الحركة بحرية أكبر حتى في الأحياء التي دمرت. في الوقت نفسه، هناك تيار ثابت من التقارير من جنوب القطاع، رغم أن المراسلين الأجانب لا يصلون إليه، وتعتمد معظم التقارير على المراسلين الفلسطينيين والمصادر الفلسطينية.
صحيفتان أمريكيتان، “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال”، نشرتاً مؤخراً عن ظروف حياة قاسية جداً في القطاع. حسب المنشورات، فإن حوالي نصف الـ 2.2 مليون من سكان القطاع معرضون لخطر الجوع، و90 في المئة من السكان يقولون إنهم لا يحصلون على الغذاء ليوم كامل. وأن 20 في المئة من السكان تقريباً يعانون من نقص شديد في الغذاء. في المناطق التي يتوفر فيها الغذاء، ترتفع الأسعار إلى عنان السماء. أصبح سعر كيس الطحين عشرة أضعاف مما قبل الحرب، نحو 70 في المئة من البيوت ونحو 50 في المئة من المباني في القطاع تم تدميرها أو تضررت بشكل كبير بسبب الهجمات الإسرائيلية من الجو.
قدرة حماس العسكرية تضررت بشكل كبير جداً، لكن ليس بشكل كامل، في أرجاء شمال القطاع. الألوية القطرية هناك مع الـ 12 كتيبة التابعة لها، لا تعمل الآن كألوية. تحاول حماس إعادة تنظيم قوات صغيرة في مدينة غزة ومحيطها، ويبدو أن عدداً من المخربين يعودون إلى المنطقة بالتدريج عبر الأنفاق. تم تدمير سلطة حماس المدنية في الشمال بالكامل؛ وبقيت قدراتها في الجنوب لإدارة المنطقة ومعالجة الشؤون المدنية. ولكن أداء الحكومة بقي ضعيفاً جداً، يعتمد على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الدولية. ثمة شك إذا كانت قيادة حماس تكرس الوقت أو الجهود الكبيرة لمعالجة احتياجات السكان الذين وجدوا أنفسهم في هذه الضائقة الفظيعة عقب هجوم حماس الإرهابي على غلاف غزة في 7 أكتوبر.
تتركز معظم الجهود العسكرية الإسرائيلية في منطقة خان يونس جنوبي القطاع، حيث تعمل الفرقة 98 التي تشمل 7 ألوية حربية. وهناك جهود أقل حول مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، حيث الفرقة 36 وبحجم قوة مقلصة تهاجم من الجنوب، في حين أن الفرقة 99 تنفذ اقتحامات من الجهة الشمالية. لم تعد إسرائيل تخفي أن الجهود في خانيونس تتركز على قادة حماس، الذين حسب التقديرات يختبئون في شبكة أنفاق عميقة تحت الأرض، وهناك احتمالية كبيرة بأنهم أحاطوا أنفسهم بالمخطوفين الإسرائيليين كدروع بشرية.
النشاطات داخل خانيونس تشمل عملية واسعة من أجل العثور على كبار قادة حماس والمخطوفين. إضافة إلى ذلك، تقوم القوات الكبيرة التي تحاصر المدينة والموجودة على مداخلها، بتمشيط منهجي للعثور على أنفاق ومخربين وسلاح. إن افتراض وجود قادة كبار وعلى رأسهم يحيى السنوار تحت الأرض، يعتمد على الإدراك بأنهم تجمعوا مسبقاً هناك، ويدار الآن هناك جزء كبير من شبكة القيادة والسيطرة لدى حماس، التي تواصل الأداء رغم ظروف قتال شديدة ودمار كبير.
قائد اللواء 404 في سلاح المدرعات، العقيد بني أهارون، وصف أمس في محادثة مع المراسلين المعارك التي قام بها اللواء في مدينة غزة، وتحدث عن شبكة متشعبة جداً من الأنفاق المحصنة التي استخدمتها قيادة حماس العسكرية في المدينة وتم اكتشافها في وسط غزة والأحياء الشرقية. هذا يشير إلى حجم استعداد حماس المسبق من أجل القتال طوال سنين، مع استعداد كبير لاحتمالية غزو إسرائيل لعمق المنطقة. في المقابل، يتحدث أهارون عن سيطرة قوية على الأرض، التي تؤدي إلى تفكيك منهجي لقدرات حماس العسكرية دون أن تنجح الأخيرة في وقف العمليات العسكرية.
مع ذلك، بخصوص خان يونس، يطرح سؤال لماذا يختار السنوار البقاء هناك طوال الوقت قريباً من قوات الجيش الإسرائيلي ولم يعد لنفسه مسبقاً مسار هرب عبر الأنفاق إلى منطقة أخرى.
هناك صعوبة أخرى تتعلق بمنطقة رفح. فمعظم المواد الخام لإنتاج السلاح إضافة إلى الوسائل القتالية الكثيرة المستوردة، تم تهريبها في العشرين سنة الأخيرة إلى القطاع عبر الحدود المصرية، مع غض نظر متعمد، وعلى الأغلب من خلال اقتطاع مقابل من قبل الجيش المصري. من الواضح أنه ليس بالإمكان إغلاق القناة الرئيسية لتعزيز قوة حماس بدون عملية عسكرية في المنطقة وبدون تطبيق ترتيبات رقابة جديدة على الحدود. ولكن إسرائيل تمتنع عن ذلك حتى الآن، سواء كان ذلك خشية من المواجهة مع مصر أو لأن مليون مدني فلسطيني، معظمهم من اللاجئين، تجمعوا في رفح ومحيطها من جراء هجمات إسرائيل على أرجاء القطاع الأخرى.
إذا انتقل الجيش الإسرائيلي وبحق إلى المرحلة الثالثة من الحرب في هذا الشهر، فالحديث يدور عن اقتحامات لوائية ضد معاقل حماس التي بقيت في القطاع. ولكن أي عملية في رفح ستحتاج إلى قوات أكبر ووقت أكثر. في هذه الأثناء، لا تظهر هذه العملية كجزء من الخطط الفورية، لذلك تثور تساؤلات حول إلى أي مستوى تستطيع إسرائيل التوصل إلى نتيجة حاسمة في هذه الحرب. يبدو أن الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي قد انتقلا إلى التركيز على المس بكبار حماس كـ “صورة نصر” محتملة في الحرب. السنوار بشكل خاص والقيادة العسكرية المصغرة، كان لهم تأثير استثنائي على تشكيل استراتيجية حماس في السنوات الأخيرة وعلى قرار تنفيذ 7 أكتوبر. ولكن لا يقين بأن روح القتال لدى حماس ستنكسر بالكامل إذا تمت تصفيتهم. ويبدو أيضاً أنه لا ثقة بتحقيق الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” نجاح في العثور على قادة حماس في الوقت القريب.
عاموس هرئيل
هآرتس 3/1/2024